كان الأستاذ هيكل وما زال زهرة "آخر ساعة" المتفتحة، والجزء اللامع من تاريخها الوطني الطويل. صورة هيكل التي تتوسط رؤساء تحرير إصدارات أخبار اليوم في لوحة الشرف بجانب المصعد نشعر أنها تسدي لكل صحفي يراها نصيحة يومية وهو في طريقه إلي الطابق الرابع حيث مقر المجلة، كما أن ابتسامته الواضحة تهدي لكل منا مكافأة العمل الشاق في نهاية اليوم. احتفلنا بعيد ميلاد الأستاذ علي طريقتنا، سافرنا إلي الماضي، طوينا عشرات السنين حتي وصلنا إلي عام 1952 وبالتحديد يوم 18 يونيو اليوم الذي صدرت فيه آخر ساعة لأول مرة برئاسة تحرير الأستاذ، وداخل مكتبة "أخبار اليوم" جلسنا لساعات طويلة نتصفح مجلتنا، وقفنا مشدوهين أمام المقال الأول للأستاذ بعد توليه منصبه وكان عن ملكة الأردن. جلسنا في حصة قراءة لمقالات الأستاذ الذي يقرأ المستقبل فيما يكتبه، أحدنا سأل الآخر: هل كان هيكل من قراء الغيب؟ والآخر لم يرد عليه واستمر كلانا في القراءة. تجمدت أعيننا ونحن نشاهد فترة صحفية تزهو بموضوعات وتحقيقات ومقالات وصور وأخبار تمنينا حينها لو أن نكون من صناعها ! انفرادات الأستاذ في رئاسته لتحرير آخر ساعة لم تقتصر علي ما يكتبه، ولكنها كانت تشمل كل ما تتضمنه المجلة من موضوعات وأخبار وتحقيقات تضخ في العقل الأفكار وتثري الوجدان بالجمال. أما الملاحظة التي لفتت انتباهنا فقد كانت رئاسة تحرير هيكل ل آخر ساعة التي بدأت مع ثورة 52 وانتهت بانتقاله إلي الأهرام حين جلس عبد الناصر علي عرش مصر! هيكل المكان تكتسب الأماكن قيمتها من أشخاص مروا علي المكان، ومجد "آخر ساعة" مرتبط بعلاقتها بعمالقة الصحافة الذين عملوا فيها، عندما كانت مجلة مصر الأولي توزيعاً ومهنية، أما أروقتها فقد شهدت بزوغ نجم أكبر موهبة صحافية عربية في القرن العشرين، الأستاذ محمد حسنين هيكل. عندما قرر الأستاذ مغادرة "آخر ساعة" لخوض أهم تجاربه الصحافية في مهمة إعادة تأسيس الأهرام صحيفة ومؤسسة، كان لابد أن يفارق مجلته التي شهدت صولاته وجولاته الصحافية، كان الرحيل صعبا علي الجميع، لكن هيكل الشاب الراغب في المزيد من النجاح المهني وتجارب أكثر رحابة بعد أن حقق كل ما يمكن في آخر ساعة من نجاح، كان قد اتخذ قراره النهائي ! ودع هيكل القراء بمقالة عن خطر إسرائيل المتصاعد، بينما جاءت الفقرة الأولي من المقالة بعنوان "استئذان في الانصراف" قال فيها هيكل بأدب جم ممزوج بعواطف جياشة، "ستظل آخر ساعة بالنسبة لي دائماً، زهرة عمر، وأمل شباب". هيكل الذي لملم أشياءه من آخر ساعة لينتقل إلي الضفة الأخري من شارع الصحافة، لم ينس يوماً أمجاده القديمة كمراسل حربي وتجربة رئاسة التحرير الأولي في تاريخه في "آخر ساعة". أستاذنا العظيم، إنه عيد ميلادك.. ومصر كلها تحتفل بك.. ذلك لأنك شمعتها التي ستظل مضيئة علي الدوام.