ابتسمت حين قال لي إن شوارع مصر العائمة في بحار القمامة يمكن أن تضاهي شوارع النمسا المعقمة بعد 10 سنوات، ظننت أنه يمزح حتي أخرج من حقيبته عشرات الدراسات التي يستدل بها علي مايقول. الدكتور زهدي السيد الخبير المصري النمساوي بمجال تدوير المخلفات رئيس الوفد النمساوي لدعم مصر في هذا المجال جاء يحمل مشروعاً يمثل خلاصة ماتوصلت إليه تكنولوجيا تدوير المخلفات المعمول بها في النمسا، وكان هذا الحوار.. القمامة ثروة تحت أقدامنا لاندرك قيمتها 72 مليار جنيه سنوياً عائدات مشروع تدوير المخلفات 112 مليون جنيه إلي خزائن الدولة سنويا من تدوير قش الأرز بداية حدثنا عن الوفد النمساوي الذي ترأسه؟. - نحن مجموعة شركات نمساوية دولية تعمل في مجال البيئة وتدوير المخلفات بدعم وإشراف الحكومة هناك، يضم الوفد وزير الصناعة والتجارة السابق في النمسا وعددا من الخبراء في المجال، منهم »والتر شارف« الذي أسس منظومة النظافة في النمسا ويعد من أهم الخبراء علي مستوي العالم في تدوير المخلفات. جئت بهذه المجموعة لمساعدة مصر في إعادة هيكلة منظومة النظافة وتدوير المخلفات، ونقل الخبرات النمساوية الرائدة في هذا المجال بطرح رؤية لمشروع قومي ينقل مصر إلي صفوف الدول المتقدمة. ما ملامح المشروع الذي أتيتم به؟ - المشروع ثمرة جهد بحثي كبير استغرق الإعداد لفكرته عدة سنوات، يهدف إلي تأسيس رؤية جديدة لمفهوم النظافة في مصر وتحقيق طفرة اقتصادية هائلة عن طريق الاستفادة من المخلفات بتدويرها واستغلالها كثروة قومية يمكن أن تدفع بمصر إلي طريق التنمية. يقوم المشروع علي فكرة نقل التكنولوجيا النمساوية في مجال تدوير المخلفات عن طريق إنشاء مجمعات متكاملة في جميع أنحاء مصر، تضم وحدات حديثة جداً لتدوير المخلفات، ومصانع تأخذ الناتج من عملية التدوير لتخرجه في شكل مواد خام أو منتجات. لا أحد يتصور أننا في مصر لدينا سنوياً من 67 - 80 مليون طن مخلفات عامة مابين المخلفات الزراعية والصناعية ومخلفات المنازل »الرطبة والجافة«، وهذه الأرقام في زيادة مستمرة. للأسف لانستفيد بشيء يذكر منها، وفي حين تنظر جميع دول العالم المتقدمة إلي المخلفات باعتبارها ثروة يجب استثمارها، نجد أن لدينا في مصر عددا قليلا جداً من وحدات تدوير المخلفات معظمها متهالك. فعلياً مامدي استفادة مصر من هذا المشروع؟ - مشروع تدوير المخلفات يجب أن تتبناه الدولة كمشروع تنموي قومي لما فيه من حلول لمعظم المشاكل التي تعاني منها مصر، هذا المشروع سيدعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير لأنه يوفر سنوياً 27 مليار جنيه لخزينة الدولة، وسيحدث طفرة في مجال إنتاج المواد الخام والصناعات التي تقوم علي تدوير المخلفات، فضلا عن مساهمته في القضاء علي التلوث الناتج من القمامة المنتشرة في الشوارع التي أصابت المصريين بأخطر الأمراض. ماذا عن الاستفادة من المخلفات الزراعية وخاصة »قش الأرز« الذي يحرقه الفلاحون؟ - لا أحد يتخيل ماذا يمكن أن تجني مصر من وراء هذه المخلفات. مشكلة قش الأرز مشكلة معقدة لأن الفلاح المصري يلجأ إلي حرقه للتخلص منه في أسرع وقت وذلك لتهيئة الأرض لزراعة البرسيم أو القمح وكذلك لارتفاع تكاليف جمع القش في حين لا تبدي الدولة أي اهتمام بجمعه والاستفادة منه، غير أن حرقه أحد أخطر أسباب تلوث الهواء وانتشار أمراض الصدر بين المصريين. لذا أولينا اهتماماً كبيراً في مشروعنا لإقامة الوحدات التي تقوم بتدوير المخلفات الزراعية وتحديداً »قش الأرز«. وإنشاء مجمعات التدوير في هذه بعض سينتج لنا دلتا زراعية صناعية. فالعائد من تدوير قش الأرز يصل إلي 211 مليون جنيه سنوياً تدخل إلي خزينة الدولة. يمكن إنتاج الطاقة الكهربائية منه مما يقلل الاعتماد علي البترول والغاز، وكذلك إنتاج السماد العضوي الذي يحسن من خواص التربة الزراعية. ولكن مشروعاً بهذا الحجم سيحتاج تمويلاً ضخماًً. ما تصورك بشأن مصادر التمويل؟ - أعرف أننا أمام تحدٍ صعب فيما يتعلق بالتمويل، وكان التعليق الذي سمعته من أغلب المسئولين في الحكومة الذين عرضت عليهم المشروع "هنجيب منين؟!"وكنت أرد عليهم بأن هناك جهات دولية مختلفة مثل - صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي - علي استعداد لمساعدة مصر، ولكن تمويل الاتحاد الأوروبي مرهون بضمانات تقدمها الحكومة المصرية. ما الجهات التي عرضت عليها المشروع؟ وكيف كانت استجابتها؟ - توجهت بالوفد النمساوي أولاً إلي الدكتورة ليلي إسكندر وزيرة البيئة في نوفمبر الماضي ثم الدكتور علي عبدالرحمن محافظ الجيزة، وبعده قابلنا اللواء عادل لبيب وزير الدولة للتنمية المحلية، ثم محافظ الفيوم وأخيراً اللواء طارق المهدي محافظ الإسكندرية. جميعهم أبدوا ترحيباً بالفكرة خاصة اللواء عادل لبيب ولكن لم يأتني رد واحد ولاتظهر إلي الآن أي بادرة أمل في اتخاذ الحكومة خطوة في هذا الطريق. ماذا عن التصور الذي تطرحه لمنظومة النظافة في مصر؟ - كل الأفكار التي طرحتها في إطار المشروع الذي أعددناه يمكن أن تحدث طفرة اقتصادية كبيرة حال تبنتها الحكومة المصرية، ولكن لن تجدي في حل أزمة انتشار القمامة التي تعاني منها مصر دون وجود خطة جادة لإعادة هيكلة جذرية لمنظومة النظافة تتكامل مع مشروع تدوير المخلفات، لذا عرضت علي المسئولين في إطار مشروعي خطوات بعينها تشكل خارطة طريق لمصر كي تصل إلي مستوي نظافة النمسا، قد يظن البعض أنها مبالغة ولكن نحن قادرون علي ذلك. أولي الخطوات إعادة النظر في العقود المبرمة مع شركات النظافة الأجنبية التي أثبتت فشلها وإسناد المهمة إلي شركات وطنية. وإنشاء مجلس قومي مستقل له شخصية اعتبارية يشرف علي النظافة وتدوير المخلفات من خلال فروع له في جميع محافظات الجمهورية بدلا من هيئة النظافة والتجميل التي تتمركز في القاهرة الكبري، ويسند إليه مهام عدة أهمها التعاون مع المؤسسات التربوية والإعلامية والدينية ومنظمات المجتمع المدني لعمل حملات توعية قومية لترسيخ مفهوم النظافة والحفاظ علي البيئة وزرع ثقافة التعامل مع القمامة لدي جميع فئات المجتمع بدءا من النشء في المدارس والجامعات وربات البيوت وكذلك تأهيل وتدريب العاملين في جمع القمامة. والأهم من ذلك تشديد العقوبات علي من يقوم بإلقاء القمامة في الشارع من خلال استحداث شرطة خاصة للقمامة فقط تمنح حق الضبطية القضائية. من غير تغيير الثقافة والعقول لن ينجح أي مشروع في هذا المجال. يجب أن نتكاتف جميعاً وقادرون علي جعل شوارع مصر في10سنوات بنظافة شوارع النمسا.