وفد قطري يتوجه إلى القاهرة لاستئناف المفاوضات بشأن اتفاق هدنة في غزة    شبورة مائية وأمطار خفيفة.. الأرصاد تكشف أبرز الظواهر الجوية لحالة الطقس اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    ياسمين عبد العزيز تكشف عن سبب طلاقها من أحمد العوضي    3 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة "الدربي" غرب مدينة رفح    ضابط شرطة.. ياسمين عبد العزيز تكشف حلم طفولتها وعلاقته بفيلم «أبو شنب»    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    شبانة ينتقد اتحاد الكرة بسبب استمرار الأزمات    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    وصول بعض المصابين لمستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال حي التنور شرق رفح    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء 7 مايو بالصاغة    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    عملت عملية عشان أخلف من العوضي| ياسمين عبد العزيز تفجر مفاجأة.. شاهد    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    العمل العربيَّة: ملتزمون بحق العامل في بيئة عمل آمنة وصحية كحق من حقوق الإنسان    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال    فيديوهات متركبة.. ياسمين عبد العزيز تكشف: مشوفتش العوضي في سحور وارحمونا.. فيديو    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الصعيد.. لا صوت يعلو فوق »الثأر« !
نشر في آخر ساعة يوم 03 - 12 - 2013

في حكايات الثأر لا توجد نهاية، أو حد للقتلي، المهم أن ينتصر الصعيدي لكرامته ونخوته، ويعلن ذلك عندما ترفض عائلة القتيل تلقي العزاء وهو ما يعني آليا البدء في إجراءات الأخذ بالثأر ولو بعد حين، فالمثل الصعيدي يقول "أخذ ثأره بعد أربعين عاما.. قالوا له لقد تعجلت!". وفي ذلك تلعب المرأة دوراً كبيراً فهي التي تعلم أطفالها علي حمل السلاح، وتعنفهم لأن يكونوا رجالاً قبل أن تنبت شواربهم، وتربيهم علي ثقافة أخذ الثأر، وتؤهلهم نفسياً أنهم عندما يكبرون من الممكن قتلهم، وهذا شرف ونصر. فمن قبل قال الشاعر الصعيدي عبد الرحمن الأبنودي إن البعض يتصور أن الرجال في الصعيد يلعبون دورا في تعليم أولادهم لغة الثأر..
لكن الحقيقة غير ذلك، فالابن عادة لا يكون في حاجة لأن يتعلم من أبيه الثأر، إذ إن الأجواء التي ينمو فيها هذا الابن تتردد فيها بصفة دائمة أصداء الثأر، والمناخ في هذه المنطقة ملبد بكلمة "التار"، والأب لا وقت لديه لأن يجلس مع الصغار ليغذيهم بمفهوم الثأر، وبالتالي تصبح هذه المهمة ملقاة علي عاتق الأم.. إلي درجة أن هناك قري في الصعيد الجواني أغلب نسائها من الأرامل، كقرية الحجيرات بمحافظة قنا، التي عكفت فيها النساء طوال حياتهن علي بالتضحية بأزواجهن وأبنائهن في سبيل الثأر، إذ يصل عدد الأرامل بالقرية إلي 70٪.
فأقل الأسباب في الصعيد يمكنها أن تكون ناراً تشعل ثأراً يمتد إلي سنوات طويلة ويسقط فيها عشرات القتلي، فرغيف عيش يتوقف علي كونه أزمة في صعوبة الحصول عليه بكافة المحافظات، لكن في الصعيد - هذا الجنوب الذي يختلف بطبيعته وناسه وتقاليده - يكون سبباً في إشعال ثأر ربما لا ينتهي أبداً. ففي أسيوط مركز البداري وقعت حادثة ثأر - الأسبوع الماضي - كانت فيها فوهات البنادق الأعلي صوتاً بين عائلتي العواشير والشعايبة إذ سقط 10 ضحايا وأصيب 16 بسبب »رغيف عيش«.
المشكلة بدأت في مايو الماضي بسبب أسبقية الحصول علي »رغيف عيش« في مخبز ملك أحد بيوت عائلة الشعايبة الذين تربطهم خصومة ثأرية مع بيت آخر من نفس العائلة. وبعد تزايد الخلافات قام البيت الأول بتأجير المخبز لأفراد من عائلة العواشير، ورفض مستأجري المخبز بيع الخبز للبيت الثاني من "الشعايبة" بسبب الخصومة الثأرية، فدارت مشاجرة بين العائلتين، وتطورت إلي تبادل لإطلاق النيران سقط فيها قتيل من الشعايبة. ومن وقتها وانتشرت السواتر الخرسانية في الشوارع، إضافة إلي المطبات الصناعية التي تفصل بين منازل العائلتين.
لم تنس عائلة الشعايبة بل لم تنس "البداري" ما حدث، وانتظرت الوقت المناسب للانتقام والأخذ بالثأر من عائلة العواشير، وفي أحد الأيام الماضية أطلق أفراد من "الشعايبة" النيران بشكل كثيف وعشوائي علي كبير عائلة العواشير الذي كان بصحبته اثنان أحدهما مسيحي. وأشاع الخبر بالقرية خصوصاً بين أفراد العواشير الذين حملوا البنادق الآلية وذهبوا لدوار الشعايبة الذي يبعد عنهم 50 متراً، وفتحوا النار علي شباب الشعايبة أثناء جلوسهم مطمئنين لعدم تورطهم في الدم من البداية، لكن الثأر لا يفرق بين أحد.. وسقط 10 ضحايا لتشهد "البداري" بذلك سقوط نحو 121 قتيلاً منذ بداية عام 2013، وفق الأجهزة الأمنية التي أكدت أن المركز يعد الأول في محافظة أسيوط بالنسبة للخصومات الثأرية التي بلغت نحو 754 خصومة، نظراً لما تمتلكه العائلات من الأسلحة، تبدأ من المسدس الخرطوش حتي مدافع "آر. بي. جي" والجرينوف ومضادات الطائرات والقنابل اليدوية.
وهذه الأيام تطوف قوافل دعوية من مديرية أوقاف أسيوط مركز البداري لوأد الفتنة ووقف إراقة الدماء بين العائلتين، لكن هل يتوقف حقاً الثأر بين "الشعايبة" و"العواشير" أم سيأخذون هدنة ويواصلون الانتقام من جديد..!؟
اللافت الآن في ظاهرة الثأر أنه بات مطلبا لكثير من العائلات في أي قضية قتل، ولم يعد حكرا علي "الصعايدة" فقط. فكثيرا ما تحدث عملية القتل، التي تكون غالبا عشوائية وعنيفة وتعكس صراع مصالح أو خلافات جيرة أو مشاجرة بسبب لعب الأطفال ويتدخل الأمن ويقبض علي القاتل لينال جزاءه. وهذا يعود بفعل الهجرات المتتالية والهروب المستمر من قري ومدن الصعيد التي تعاني إهمالا وجهلاً إلي مناطق الظل في القاهرة حيث الحزام العشوائي الواسع، وعلي نفس القطار الذي حمل هذه العائلات الصعيدية إلي القاهرة جاء معهم الثأر أيضا.
الباحثة الاجتماعية وردة محفوظ، صعيدية الأصل، أوضحت ذلك في رسالة ماجستير عن (الأبعاد الثقافية والاجتماعية لحوادث الثأر في الصعيد)، إذ جعلت من قريتها بمحافظة سوهاج مادة ثرية لحكايات الثأر، وأرجعت أن الجهل وانتشار السلاح بكثافة محفزان قويان علي استمرار الخصومات الثأرية. تري وردة أن الوجود الأمني المكثف للقضاء علي الجماعات الأصولية فترة التسعينات ساهم في احتواء الثأر والحد من شيوع السلاح، وترصد في ثنايا بحثها طلب فئات اجتماعية تنتمي للطبقة الوسطي لثأرها قائلة إن "الثأر ليس مقصورا علي الفقراء أو غير المتعلمين، بل يتعداه إلي حملة الشهادات العليا، وخاصة عندما يتعلق بالعائلات الكبيرة التي تسعي طوال الوقت إلي النفوذ والسطوة، إذ من العيب عندئذ أن تتنازل هذه الأسرة عن ثأرها خوفا علي سمعتها وحفاظا علي نفوذها".
الأمر الذي أكده الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان، أن الثأر مرتبط بالعرف السائد؛ أي أن كرامتي أهم شيء بغض النظر عن حجم الضرر الذي تعرضت له سواء كان بسيطاً أو كبيراً، وأن الطرف الآخر لم يضعني في الاعتبار بالتالي يقوم الصعيدي بأخذ حقه بيده، والجهل هناك يشمل المتعلمين والأميين، بل إن الثأر بين المتعلمين منتشر، فهم أكثر من يلغون العلم أمام الثأر المرتبط ب "المعايرة" أي الشتيمة و"المسايرة" أي التقليد للأعراف السائدة. كما أن هناك طبقية في الموت؛ فإذا كانت هناك عائلة أقل اجتماعياً من الأخري، يكون لها النصيب الأكبر في سقوط القتلي، أما إذا كانوا من نفس المستوي الاجتماعي لابد أن يتساووا في الموت أي أن يكون عدد الضحايا واحدا وإلا اشتعل الثأر من جديد. مضيفاً: " هنا القانون ليس له اعتبار، فطبيعة قري الصعيد لا تسمح بدخول الشرطة من الأساس إلا في حالة الصلح للتأمين، فأغلب تحقيقات النيابة تكون جملة "لا نعرف القاتل" هي الأشهر وتفتح الباب لاستمرار الثأر واصطياد الخصوم بعيدًا عن يد العدالة".
ويرجع عبد اللطيف ظاهرة الثأر إلي عدة أسباب هي: زيادة الفقر، والبطالة، وتوافر السلاح، وعدم وجود حكماء بالقري، وغياب الأمن، وتهميش الدولة للصعيد من الأساس. فالثأر موجود ببعض المحافظات كالمنوفية والدقهلية لكنه يشتد ويزداد ضراوة عندما تتجه نحو الجنوب نتيجة لزيادة القيم وتعقيدها عكس القاهرة وباقي المحافظات. مشيراً إلي أن من أكبر العوامل التي لا تجعل دائرة الثأر تنغلق هي المرأة التي وصفها بأنها تظل طوال حياتها ترضع الأطفال ثقافة الثأر، فبدلاً من أن يشتري الولد -عندما يكبر- قطعة أرض يشتري قطعة سلاح لينتقم، فعلي سبيل المثال: أنا صعيدي الأصل.. وأمي علمتني ضرب النار في التاسعة من عمري، وقد تعرضت من قبل لحادثة ثأر لم أكن فيها أو عائلتي طرفاً، لكن كنت الوسيط للمصالحة، وفي نفس الليلة سافر المتورطون في الدم للخليج، وعندما عادوا إلي بلدهم تجدد الانتقام، وكنت سأقتل لولاً أنهم تفهموا أني لست طرفاً معهم!، قائلاً إنه من الضروري أن يتدخل كبار العائلات لحقن الدماء، ويكونوا بعيدين تماما عن الانتقام حتي لا تتسع دائرة الثأر إلي أن يتدخل القدر فيها أو الأمن!
وانتقد أستاذ تنظيم المجتمع تغيير مبادئ الثأر في الصعيد؛ إذ أصبح لا يفرق بين القاتل ومن لا ذنب له، فمنذ قديم الأزل كان هناك احترام في قواعد الثأر؛ فمن قتل يقتل، أما الآن تحولت إلي "بلطجة" وفقد الثأر قيمه وصاروا يقتلون أفضل شخص بالعائلة، وهنا تكمن الخطورة التي تجعل دائرة الصراع كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.