فاجأتني العمة إحسان عندما تعرفت عليها لأول مرة منذ بضعة أشهر.. فقد قالت لي إن الناس حاليا تهتم بدار الفناء أكثر من دار البقاء، فهم يشيدون العمارات والفيلات ويفرشون أرضيتها بالبورسلين والرخام، كأنهم سيخلدون في الحياة، في حين يتركون المقابر تزدحم بعظام موتاهم ولا موضع قدم فيها لآخر وهي دار البقاء حتي يبعثوا. وذلك عندما ذهبت للوقوف علي اللمسات الأخيرة في المقبرة التي اشتريتها وعهدت بها لأولاد ابنة عمتي ليشرفوا لي علي بنائها، وكم كانت سعادتي بالغة عندما رأيتها مكتملة، فأنا منذ سنوات أبحث عن مقبرة للبيع أو أرض أبني عليها واحدة، فبعد أن توفي والدي وكان أكبر أفراد العائلة سنا، خفت إن طال بي العمر ومت بعد حين، ألا يعرفني أحد من شباب العيلة، ويقولون من هذه التي تريد أن تدفن في مقابر الأجداد والآباء، خاصة أن بعض الأحفاد استولي علي عدد من مقابر العائلة بحجة أن أهلهم دفنوا فيها، وكانت مقابرنا مشاعا للجميع، وكان من نتيجة ذلك مزيد من الشقاق والخلاف بين الأهل. وإذا كنت أعرف عائلات تفرقت بسبب المقابر، فهناك أخري تقاربت من أجلها.. فقد كان أحد أفراد هذه العائلة العريقة في الخارج وعند زيارة قبر والديه، قال له التربي أنت لست من أفراد العائلة، فلما عرفه بنفسه، قال له هناك حفيد من الأحفاد يمتلك مفاتيح هذه المقبرة الشرعية، فأعطاه تليفونه فتواصل معه، وأخذ منه مفتاحا لضمان أن يدفن مع والديه.. ومن يومها وهو حريص علي التواصل مع أقاربه. أما الجديد في أمر دار البقاء.. هو أن هناك من يبيع أراضي المقابر لعدد من الأشخاص، فبعد أن ينتهي أحدهم من بناء مقبرته يجد من استولي عليها بحجة أن لديه عقد امتلاك للأرض، ويكتشف هذا الشخص أنه وقع فريسة لعصابة تبيع أرض المقابر لأكثر من مشتر.. وستظل المقابر دائما محل نزاع وصراع وأيضا ترابط وتواصل ولامانع من نهب وسلب.