بين الاعتراض على الفتوى وحرية الرأي!    من قال (لا) في وجه من قالوا (نعم)؟!    الأسهم الأمريكية تفقد مكاسبها الصباحية في ختام التعاملات    بوتين يفجر مفاجأة: معاهدة الشراكة بين روسيا وإيران لا تتضمن تعاونًا عسكريًا    حرب إسرائيل وإيران.. إقليم في خطر وكيان من خوف    إعلام لبناني: غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان أسفرت عن اغتيال عنصر من حزب الله وإصابة آخر    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    ايقاف مباراة "باتشوكا المكسيكي وسالزبورج النمساوي" لسوء الأحوال الجوية    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس لإسعاد الجماهير    قلت له أتركها لوسام أبو علي.. زيزو يكشف كواليس خلافه مع تريزيجيه على ركلة جزاء لقاء إنتر ميامي    محافظ دمياط يعتمد نتيجة الفصل الدراسي الثاني للشهادة الإعدادية    باستثناء طالبة واحدة، رسوب جماعي في الشهادة الإعدادية بإحدى مدارس بني سويف    تعرف على موعد حفل محمد رمضان وهيفاء وهبي في لبنان    تموين الإسماعيلية تكثف حملات المرور على المطاعم (صور)    ضبط مجزر مخالف في بني سويف يفرم هياكل ودهون الدواجن لتصنيع اللانشون والبرجر    جيش الاحتلال: نحقق فى إطلاق إيران صاروخا برأس متفجر أكبر من صاروخ شهاب 3    دور الإعلام في نشر ودعم الثقافة في لقاء حواري بالفيوم.. صور    سماوي: مهرجان جرش في موعده وشعلته لن تنطفئ    مشيرة إسماعيل: مفيش فنانة تصلح لتقديم الفوازير زي نيللي وشريهان    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    الصحة تحذر من 5 شائعات عن استخدام اللولب النحاسي كوسيلة لتنظيم الأسرة    5 جرامات تكفي.. تحذير رسمي من «الملح»!    «الزاوية الخضرا».. ديكور «الواحة الداخلية» في منزلك    بعد تألقه أمام الريال.. أبرز 10 معلومات عن ياسين بونو حارس الهلال السعودي    حدث ليلًا| إجراء حكومي لمواجهة زيادة أسعار السلع وحقيقة وجود عجز بخامات الأعلاف    المغرب 7,57م.. أوقات الصلاة في المنيا والمحافظات الخميس 19 يونيو    السفير السعودي بالقاهرة يلتقي نظيره الإيراني لبحث التطورات الإقليمية    سعر البطيخ والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 19 يونيو 2025    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    حفار بترول قديم ومتوقف عن العمل يسقط فى رأس غارب دون إصابات    دموع الأب تسبق النعش.. «السيدة زينب» تودّع ابنها طالب الثانوية العامة ضحية العقار المنهار    جوتيريش يجدد دعوته لوقف النزاع بين إسرائيل وإيران    أهلي طرابلس يصدر بيانا بعد أحداث مباراة الاتحاد الليبى    انخفاض جديد في عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 19 يونيو محليًا وعالميًا (تفاصيل)    «مصر للطيران للأسواق الحرة» توقع بروتوكول تعاون مع «النيل للطيران»    17 صورة من حفل زفاف ماهيتاب ابنة ماجد المصري    أحدث جلسة تصوير ل بوسي تخطف بها الأنظار.. والجمهور يعلق    هند صبري تستعد لبطولة مسلسل جديد.. وصبا مبارك تواصل النجاحات وتنتظر "220 يوم"    رسميًا بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 19 يونيو 2025    ما حكم سماع القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    زياد بهاء الدين: خروج الدولة من الاقتصاد كليًا حديث غير واقعي    ريبيرو: بالميراس يمتلك لاعبين مميزين ولديه دفاع قوى.. وزيزو لاعب جيد    رد فعل مثير من نجم الأهلي بسبب بسبب مركزه الجديد (فيديو)    ملفات تقنين الأراضي| تفاصيل اجتماع رؤساء الوحدات المحلية بقنا    مرقس عادل: «في عز الظهر» يحمل كافة مقومات النجاح.. ومينا مسعود كان لديه رغبة قوية لتقديم فيلم مصري جيد    إعلام إسرائيلي: الجيش أعلن شن غارات على نحو 20 موقعًا نوويًا إيرانيًا ومواقع أسلحة    مدة غياب طاهر محمد عن الأهلي بعد إصابته الأخيرة    "فاينانشال تايمز": رئيس الوزراء البريطاني ينذر الحكومة بهجوم أمريكي محتمل على إيران    احتفالية لرسم البهجة على وجوه ذوي الهمم بالفيوم.. صور    بالأسماء.. إصابة 11 شخصًا بحادث تصادم في البحيرة    حسام صلاح عميد طب القاهرة ل«الشروق»: انتهاء الدراسات الفنية والمالية لمشروع قصر العينى الجديد    لجنة السكان بقنا تبحث التدخل السريع لمواجهة "النقاط الحمراء" بأبوتشت ودشنا    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    جامعة الأزهر ضمن أفضل 300 جامعة بالعالم وفقًا لتصنيف US NEWS الأمريكي    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    البابا تواضروس يستقبل رئيس وزراء صربيا    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنتهى فى مقابر الصدقة
رحلة البحث عن مدفن.. المرحوم ضيف "تقيل"
نشر في الوفد يوم 16 - 07 - 2012

عندما نسمع عن أزمة سكن وارتفاع أسعار الشقق والإيجارات ، فهذا شئ عادى اعتاد المصريون عليه في السنوات الأخيرة وهى أزمة صنعها النظام السابق ، ولكن أن نسمع عن أزمة فى البحث عن مدفن فهو ما لم نعتد على سماعه من قبل..
فقد أصبح البحث عن مقبرة أمرًا صعب المنال لدى الكثيرين ولا سيما الفقراء ومحدودى الدخل ، الأمر الذي يضطرهم إلى دفن موتاهم في مقابر الغير على سبيل الاستضافة المؤقتة ونقلهم بعد نهاية المهلة المحددة من المضيف لمدفن آخر إلى أن ينتهي بهم المطاف في كثير من الأحيان إلى مقابر الصدقات..
طولة العمر ليكم
(بوابة الوفد) خاضت بنفسها تجربة البحث عن مدفن.. سألنا في بادئ الأمر عن المكان والوسيلة ، فعرفنا أنه من خلال المحافظة التى تقيم فيها، وبالذهاب إلى ديوان محافظة القاهرة وجدنا أعدادا كبيرة تقف أمام نوافذ خدمة المواطنين تسحب استمارات شراء مدفن، وبالطبع كان لنا نصيب من الوقوف في هذا الطابور وسحب الاستمارة المشروط بتقديمها دفع 50 جنيها و40 قرشا.
كنت أنتوي الاستمرار في المحاولة فلا بأس من شراء مدفن أخصصه لأسرتي الصغيرة (بعد عمر طويل يعني) خاصة وأن مقابر العائلة في محافظة نائية، مثلي في ذلك مثل الكثيرين من الشباب الوافدين إلى القاهرة.
ولكن بمجرد أن تواتر إلى سمعي ثمن الأرض الذي حددته المحافظة مقابل 21 مترا فقط للمدفن والذي بلغ 12 ألف جنيه ، تراجعت عن الفكرة فورا واستعذت بالله من الشيطان ومن وساوسه .. وقلت في عقل بالي : " ربنا يديني ويديكم طولة العمر .. لما نبقى نشتري شقة نعيش فيها الأول نبقى نشتري التربة اللي هنموت فيها!!
وقبل أن أنسحب من الطابور سألت عن موعد الاستلام فأخبرونى ساخرين:" مستعجل على ايه ..مش قبل سنة وعلى خير مش قبل سنة وعليك خير، وخد بالك الأرض في 15 مايو ومفيش مدافن متاحة في مدن غيرها في الوقت الحالي"
عدت لسؤال الموظف المسئول من جديد: وماذا لو جاءت الحاجة للمقبرة والدفن قبل تخصيص الأرض ، فمدة سنة طويلة جدا والموت لا ينتظر أحدا.. وإكرام الميت دفنه، ولا هنسيبه لغاية مانستلم الأرض؟! فجاء الرد بعيدا عن كل التوقعات: " واحنا ذنبنا إيه هواحنا اللي موتناه؟ لو مستعجل ع الموت ممكن تدفنه عند حد قريبك ، وبعد كده ابقى انقله في التربة الجديدة..!
مش عارف هندفن فين؟
بعد انتهاء حديثى مع الموظف المسئول عن طلبات المدافن الجديدة جلست بعض الوقت أراقب المتقدمين للشراء.. بعضهم كان فى سن صغيرة والبعض الآخر من الكبار والشيوخ
دار حديث بينى وبين واحد من ناس الطابور يزيد عمره عن الستين ويتوكأ على عكاز.. وقد جلس ليريح قدميه.. وبسؤاله عن رأيه في هذه المدافن الجديدة قال أنه تقدم بطلبه لشراء أرض المدفن في منتصف العام الماضي وجاء المحافظة ليسأل عن موعد استلامها، وقد تقدم بطلبه هذا بكامل أسرته التى تضم 4 أفراد بخلاف زوجته وهنا قاطعته متسائلا، وماذا عن مقابر العائلة ؟
فأجاب : أسرتنا الكبيرة في مركز اسنا بالأقصر وكانت مقابر مشتركة بين أكثر من عائلة، ونظرا لوفاة الوالدين وبُعد المكان ووجود أبنائي في القاهرة قررت أن آخذ مدفن في6 اكتوبر، وحينما ذهبت لمحافظة الجيزة لشراء مقبرة قالوا : أنت تتبع محافظة القاهرة وغير مخصص لك أية مدافن بالجيزة وبناء عليه جئت إلى ديوان محافظة القاهرة ودفعت الرسوم وتقدمت بكافة الأوراق المطلوبة، واليوم جئت والفلوس جاهزة معايا للدفع بالكامل ، ولكنهم قالوا لى أدوري لم يأت بعد
واستطرد: والله ما انا عارف لو مت دلوقت هندفن فين .. ولادي ميعرفوش حد في الاقصر لانقطاعى عنهم من يوم دفن والدى من 15 سنة ، ولا أعلم موقفهم في حالة اللجوء إليهم خاصة أننى لم أشترك معهم سواء بالمال أو المجهود في تجديد المدافن منذ وفاة الوالد ؟!
الموت غالي
بعد خروجى من مكتب خدمة المواطنين بمحافظة القاهرة قررت الذهاب إلى ديوان محافظة الجيزة، لم أجد أى فرق سوى المساحة المحددة ب 40 مترا مربعا للمدفن بطريق الواحات وبالطبع ارتفع السعر إلى 20 ألف جنيه!
لم يكن أمامى سوى أن أسلك طريقا آخر للبحث عن المقبرة المنشودة .. فقررت التواصل مع التربية وأصحاب الأحواش القديمة، وكانت المفاجأة في الأسعار الفلكية التي واجهوني بها .. ففي الإمام الشافعى بلغ سعر الحوش 75 ألف جنيه وهو يضم مقبرتين رجال وسيدات مساحتهما 30 مترا وغرفة معيشة لحارس الحوش، وفي باب الوزير بلغ سعر المدفن القديم 50 ألف جنيه..
سألت عم زكى جاب الله التربي عن سبب هذا الغلاء فقال: وهي دي فلوس ، ماهي المقبرة في 6 اكتوبر وطريق الواحات تقترب من هذا السعر.
فسألته مجددا : ولماذا يفرط أصحاب الأحواش في مدافنهم" هو حد لاقي"؟
فأجاب: بعض أصحاب الأحواش انقطعت علاقتهم بالمدافن منذ سنوات طويلة وبعضهم اختار مدافن أخرى في المناطق الجديدة بمدينة نصر و6 اكتوبر وحلوان ، خاصة وأن المقابر القديمة في الإمامين الشافعى والليثي وباب الوزير والمجاورين والبساتين والتونسى وعين الصيرة طالتها المياه الجوفية، وبمرور الزمن سيصبح الرحيل عنها وشيكا وسيتم هدمهما وبنائها من جديد وتلك تكلفة أخرى، وبناء عليه يطلب منا أصحاب الأحواش عرض المقابر للبيع..
تركت عم زكى وذهبت لحارس منطقة المقابر بشبرا الخيمة فأخبرني بدوره أن المقابر المعروضة للبيع قليلة، ووعدنى بتوفير مقبرة في حالة جيدة بسعر20 ألف ولا تتعدى مساحتها 10 متر مربع، بخلاف عمولة الحارس التي تصل ل 1000 جنيه..
آخرتها صدقة
بعد سماعي للأسعار قررت الذهاب لمقابر الصدقات التابعة للجمعية الشرعية وأنا أهمس " صحيح اللي ما يرضى بالخوخ يرضى بشرابه".. وهناك قال لى الحاج سيد أحمد جعفر ،أحد أعضاء الجمعية الشرعية، : لا نأخذ مقابلا من أحد نظير الدفن.. فالمقبرة ( ببلاش ) ولكن لا يتم حجزها لك من الآن وعليك فقط عند وجود حالة وفاة أن تخبرنا أو تخبر فرع الجمعية الشرعية بالمحافظة أو المنطقة السكنية التابع لها وهم يوفرون لك المقبرة في الحال، فلكل محافظة مقابر للجمعية الشرعية وعددها كبير جدا ومنها ما هو موجود بطريق الواحات – الفيوم ومنها ما هو موجود بمدينة السادس من أكتوبر، ومنها ما هو موجود بمدينة النهضة وبالعبور وبقليوب وفي أماكن أخرى كثيرة.
مقابر الصدقات التابعة للشرعية لم تكن المأوى الوحيد للذين لا يملكون مقابر خاصة بهم وبعائلاتهم، فهناك مقابر مماثلة تتبع الكنيسة المصرية والوقف المسيحى، وهناك ما يسمى ب ( ترب النصارى ) بالمقطم ومدينة نصر مخصص جزء كبير منها لدفن غير القادرين ممن لا مقابر لهم.
مقايضة في المحافظة
وخلال جولتى في البحث عن مدفن كانت شهادات كثيرين ممن بحثوا عن مقابر دليلا استرشد به في جولتى، مثل ( و.م) الذي أكد أنه عندما كانت والدته في مرض الموت كان هاجسه الذي لايفارقه في كل لحظة هو عدم وجود مقبرة خاصة به لدفنها بالقاهرة ، وبعد وفاة والدته لم يكن أمامه سوي مقابر العائلة بطنطا ، إلا إن أهله أخبروه أن المدفن أغرقته المياه الجوفية ولا يجوز دفن والدته به ، فبدأ رحلة البحث عن مدفن يستضيف والدته وعندما عرض عليه صديق له دفن والدته في المقابر الخاصة به بمدينة نصر تهلل فرحا، إلا إنه بعد مرور عامين فوجيء بصديقه يطلب منه نقل "رفات "والدته لأنه قرر بيع المقبرة.. والمشترى عايزها فاضية.
وفي أسي شديد يكمل قصته : بعد طول محايلة وافق صديقي على إعطائي فسحة من الوقت لأتدبر مكانا جديدا لأمي رحمها الله، فذهبت من فوري لمحافظة الجيزة لتقديم طلب ، وبعد مدة تمكنت من الحصول علي مدفن بمساحة 20 مترا بعد أن دفعت مقدم 2500 جنيه ، علي الرغم من أن المساحة المقررة آنذاك 40 مترا .. لكنني تغاضيت عن ذلك لحاجتي الشديدة ، ولكن عند البناء وجدت المساحة لا تصلح لشيء فتقدمت بطلب آخر وبعد طول انتظار استطعت الحصول علي مدفن بمساحة 40 مترا، والتي من المفترض أن يتم خصم ثمن ال 20 مترا السابقة من ثمنها، إلا أنهم طالبوني ..
وإلى الآن وبعد مرور سنتين، لم يسترد صديقنا شيئا من أمواله مما عطله عن البناء ، فقام بتقديم بلاغ في مباحث الأموال العامة يتهم المحافظة بالتربح منه ومن غيره دون وجه حق .. وتم نقل الأم لمدفن مضيف آخر .. وهي الآن في انتظار مثواها الأخير الذي يعده الابن الحائر بين مكاتب المسئولين وشواهد القبور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.