أجمل لحظات حياتي هي تلك التي أكون فيها ضيفا علي أشعار عمر بن الفارض، وهو يناجي ربه بأجمل الشعر وأرقه.. أشعر أنني أحلِّق في عالم ملائكي مليء بالطهر والجلال والجمال. وُلد عمر بن الفارض في مصر عام 576ه، وكان والده قد قدم من الشام، وعاش في مصر، حيث تعلم ابنه عمر علي يد علماء عصره، ثم قرر أن يسافر إلي الحجاز ليعيش علي الأرض التي شهدت أنوار النبوة والرسالة الخالدة، وعاد إلي مصر بعد خمسة عشر عاما، ليعيش للعبادة، وتقوي الله، وأحبه معاصروه لتديّنه، كما أحبوه لأنه كان جميل المحيا، ويحسن معاملة الناس. إنه كما قال عنه الدكتور شوقي ضيف في دراسة مطولة عنه: ولعل صوفيا عربيا لم يفتح له في أبواب مجاهداته الروحية، ومحبته لربه بمثل ما فُتح علي ابن الفارض حتي سُمِّي بحق سلطان العاشقين للذات العلية. ويتحدث عن شعره وجماله وشفافيته بما ملخصه: إنه الجمال الرباني الذي لا يشبهه جمال.. جمال الذات الإلهية الذي يرنو إلي شهوده، والذي ظل يجاهد جهادا عنيفا من أجله، وظل يتغني به غناءً حارا حتي أصبح بحق يحمل لواء العاشقين، وحتي أصبحت حياته كلها غناءً.. إنه يتغني بالحب الإلهي ليل نهار ودائما يتجه إلي ربه بمحبته، وهو بذلك يشير إلي أبياته المشهورة: فُقت أهل الجمال حُسنا وحسني فيهم فاقة إلي معناكا يحشر العاشقون تحت لوائي وجميع الملاح تحت لواكا و.. ما أجمل الإبحار في عالم ابن الفارض.. وما أجمل اللحظات التي تعيشها هائما معه في وديان الجمال والجلال، والحب الخالص لفاطر الأرض والسماء، وخالق كل شيء.. لقد كتب عن الله عز وجل أجمل ما كُتب في الأدب الصوفي من معانٍ ورقي، وجمال وجلال.. إن أشعاره قدوة لكل من يلتمس حياة روحية تسمو بالإنسان إلي مالا يمكن تخيُّله، وما يصبو إليه عبد إلي خالقه. من أقوالهم: أصعب المعارك التي ستخوضها في حياتك، هي التي تدور بين عقلك الذي يعرف الحقيقة، وقلبك الذي يرفض أن يتقبلها. »محمود درويش»