هناك مدن سجلت اسمها بحروف من نور علي صفحات التاريخ لأنها قاومت العدو الذي أراد احتلالها، وانتصرت عليه، أو منعته من فرض إرادته عليها. وفي مصر عدد من هذه المدن، منها رشيد التي تصدت لحملة فريزر 1807 وهزمتها، ومنها بورسعيد التي تصدت للعدوان الثلاثي 1956، ومنها السويس التي تحدت العدو الإسرائيلي في 24 أكتوبر 1973 ودحرته. وسنروي هنا قصة السويس بمناسبة عيدها القومي. بعد نجاح الجيش المصري في العبور تسللت بعض قوات العدو، بمساعدة أمريكية، إلي غرب القناة، فيما سمي بالثغرة. وحاول العدو احتلال مدينة السويس، ليظهر أمام الدنيا بمظهر القادر علي مواجهة الجيش المصري، فإذا كان المصريون عبروا القناة شرقاً فقواته قد عبرتها غرباً. وكان اختيار مدينة السويس بالتحديد بسبب شهرتها العالمية لتكون الأصداء قوية. ورغم صدور قرارين لمجلس الأمن بوقف إطلاق النار إلا أن العدو لم يتوقف، وأراد أن ينتهز فرصة وقف إطلاق النار لكي يحقق هدفه. لم يكن بالسويس من قوات الجيش سوي مؤخرات الوحدات التي عبرت، وهي عادة مجرد قوات بسيطة لحراسة المواقع والمعدات. إلي جانب جنود الجيش كان هناك بعض قوات الشرطة التي تعمل في المدينة، وبعض أهالي السويس الذين تقتضي ظروف عملهم أن يتواجدوا هناك. ومن هؤلاء مجموعة صغيرة من الرجال الأشداء المدربين هم أعضاء منظمة سيناء. هذه هي القوة البشرية الأساسية التي كانت في السويس وقتئذ. أما التسليح فكان ضعيفاً للغاية، لولا أن تدارك العميد يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 الأمر فأرسل لسكان المدينة بعض الأسلحة والرجال المسلحين بالآر بي جيه. حاول العدو اقتحام المدينة من الشمال والجنوب ومن طريق السويسالقاهرة، وتصدي الرجال للقوات المتقدمة إلا أن بعض القوات القادمة من الجنوب ومن طريق السويسالقاهرة نجحت في دخول المدينة، وكانت هذه مشيئة الله ليسطر المصريون هذه الصفحة من صفحات البطولة. وصلت القوات إلي مبني المحافظة، وانتشرت في شوارع المدينة، ودخلت حي الأربعين. دخلت بالدبابات والمدرعات وقوات المظليين المدربين علي حرب المدن. كانت المفاجأة أنهم وجدوا الشوارع خالية، كأنهم في مدينة أشباح فتوغلوا، وفجأة تغير الحال. ووصف رجل من رجال العدو ماحدث فقال » أطلقوا علينا النيران من جميع المنازل، ومن جميع الشبابيك والمنافذ، بالأسلحة الخفيفة وقنابل البازوكا والقنابل اليدوية » وقال آخر » لم يكن هناك منزل لم يطلقوا منه النار، وكان الجرحي ممددين علي الطريق يستغيثون، فانطلق المظليون نحوهم في محاولة لإنقاذهم فأصيب بعضهم أيضاً » وأحصي اللواء محمد بدوي الخولي، محافظ السويس وقتئذ، خسائر العدو البشرية نهاية اليوم فوجدها : 33 قتيلاً، حوالي 60 - 70 جريحاً. أما الخسائر في المعدات فكانت 16 دبابة ومدرعة، و6 عربات نقل مؤن. وقد أحرق الرجال هذه الدبابات والمدرعات والسيارات حتي لايستفيد بها العدو. انسحب العدو في المساء، لكنه عاد في اليوم التالي ليطلب استسلام المدينة وإلا سيدمرها علي من فيها، ورفض الجميع الاستسلام. وتراجع العدو أمام إرادة الرجال. إنها ملحمة عظيمة حاولت اختصارها قدر الإمكان، لكنها تستحق أن نعلمها لأبنائنا، ومن حسن الحظ أن حسين العشي، أحد أبناء السويس، سجل هذه الملحمة في كتاب من أروع ماقرأت أسماه » خفايا حصار السويس »، أتمني أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتقريره علي الطلبة، كما ألف هشام السلاموني مسرحية عن هذه اليوم سماها » كان يوم صعب جداً »، أرجو أن يقوم البيت الفني للمسرح بإنتاجها حتي تذاع كل عام في ذكري هذا اليوم العظيم. وقد كتبت فيلما عن هذه المعركة، وافقت عليه القوات المسلحة حين كان اللواء سمير فرج مديراً للتوجيه المعنوي، أرجو أن تفكر القوات المسلحة في إنتاجه. إنه يوم عظيم ؛ يستحق أن نحتفي به.