مثل فيلم مقاولات.. لم يهتم أحد فى الرئاسة بالحبكة ولا بتفاصيل الشخصيات ولا بالمكان والزمان، ولا بأى شىء سوى أن يظهر وحش الشاشة يضرب خصومه ويسقطهم على الأرض بينما كلمة النهاية تُكتب بنفس الخط الردىء الذى كُتب به اسم الفيلم. فى فيلم المقاولات الطويل الذى مر منه حتى الآن 100 يوم ليس الهدف سوى تحويل المرسى إلى «وحش الشاشة»، بينما تظل كل الطرق تؤدى إلى ديكتاتور جديد.. لا يريد أن يغير.. يسعى إلى أن يسيطر. والفارق كبير. بين أن تكون رئيسا يسهم فى وضع نظام جديد وبين أن تكون رئيسا تسعى إلى الحكم «على قديمه» وتبنى خطتك كلها على نقل السيطرة على أجهزة الدولة إليك. يبدو هذا الفارق بوضوح فى أزمة النائب العام، الذى تصور المرسى أن المطالبة حتى قبل الثورة بإقالته ستمنح شعبية لقرار الإقالة. لم يدرك المرسى وفريقه وقبيلته أن المهم هنا هو كيف تتخذ القرار وفى أى سياق.. وطبق أى مفهوم.. وإلا كانت الثورة توقفت عندما وعد مبارك بالإصلاح.. أو قبلت كما قبلت جماعة الإخوان وبينهم المرسى نفسه صفقة عمر سليمان.. لكن الثورة لا تريد تغيير أشخاص أو أحزاب.. تريد تغيير العقد بين الحاكم والشعب.. وبناء دولة مؤسسات لا دولة يستعرض فيها الوحش عضلاته. المرسى اتخذ قرار الإقالة بمنطق استعراض العضلات وهذا ما أكدته رواية المستشار عبد المجيد محمود عندما كشف عن تهديدات واضحة على التليفون من المستشار أحمد مكى والمستشار الغريانى.. وكلاهما لم يرد على رواية النائب العام ولم يبرر التهديدات. ولأنه فيلم مقاولات كتبه سيناريست محدود، فإن اختيار النائب العام ليكون كبش فداء هذه المرة كان خارج التوقيت، لأنه ليس مسؤولا عن التحقيق فى قضية موقعة الجمل، وثانيا لأن نفس الرئيس وبنفس الفريق المصاحب ونفس القبيلة الإخوانية اعتبروا الألتراس بلطجية حينما طالبوا بإقالة النائب العام قبلها بأسابيع. ولأن السيناريست فاقد للموهبة ويعتمد فقط على ما يتخيله من تصفيق جمهور الترسو، أو يتصور أن هذا الجمهور قادر على صنع غلوشة كبيرة فإن المرسى اتخذ قراره بنفس طريقة مبارك.. ولكن بخبرات أقل. لم يقل أحد من المستشارين الكبار حول الرئيس إنه ليس من حقه إقالة النائب العام، ولم يقل له أحد إن المهم ليس استبدال شخص بشخص، ولكن فى هندسة جديدة للعدالة لا تخضع فيها لقبضات الحاكم.. قالوا له: سِرْ على بركة الله وخلفك حشد من قبيلتك وسينتهى الأمر. ولأن اللعبة هنا هى إعلان وجود مسيطر جديد فإن المسيطر القديم دافع عن نفسه وحشد كل قدراته ليصبح بين يوم وليلة المستشار عبد المجيد محمود وبسبب الرعونة هو رمز الدفاع عن استقلال القضاء فى مواجهة محاولات السلطة وتغوُّلها على القضاء. هكذا انتهى الفيلم بمسخرة.. أن يتحول رموز نظام مبارك إلى «أبطال» فى مواجهة وحش الشاشة الذى استدعى جماهيره ليكونوا فى ظهره ساعة المعركة الكبيرة. وبالفعل تحركت ميليشيات الإخوان باتجاه التحرير من أجل إفساد مليونية «كشف الحساب».. باعتبارها معارضة للرئيس الذى يخوض معركة ابتلاع الدولة.. لماذا تعطِّل المعارضة الرئيس وتكلمه عن الحساب وتطالب بدستور لكل المصريين وعدالة اجتماعية؟ لماذا تعطلون الرئيس بهذه المطالب وهو الذى أقال النائب العام.. إنكم خونة..؟! وهكذا شحن قادة الجماعة جمهورها إلى الميدان ليشهد التحرير يوم 12 أكتوبر 2012 ولادة ميليشيات الإخوان لقمع المعارضة. الميليشيات تشبه قادتها فى الرعونة والارتباك وعدم القدرة على الحسم والاعتماد على إثارة الفزع.. لكن ظهورها جريمة سياسية كاملة الأوصاف واستدعاء لأساليب منقرضة حتى فى الديكتاتوريات عندما يحول الديكتاتور جماهيره إلى قطعان يخيف بها معارضيه ويفك بها مفاصل الدولة لتقع بين يديه. ميليشيات الإخوان تمت بتحريض علنى من قادة مثل الدكتور عصام العريان الذى يبدو أنه يبحث عن موقع وعزوة فى الجماعة يعوض بها ثقله الخفيف ولهذا يتصرف باضطراب يقترب من العصاب والهستيريا. الفيلم لم ينته بعد لأنه ظهر أن أنصار بناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية أكثر مما نتوقع، وظهر أيضا أن أساطير الإخوان عن أنفسهم وميليشياتهم أقل مما نتوقع، وظهر أيضا أنه أصبح مفهوما أن التغيير لا السيطرة هو المطلوب وأن الحل ليس استبدال بنائب عام تابع لمبارك نائبا عامًّا تابعا للمرسى أو استخدام نفس أسلوب «شلوت لفوق» بدلا من المحاسبة.. والمهم أنه لم يعد مقبولا الضحك على الثورة باستعراض العضلات لأن الثورة لم تقم من أجل تنصيب وحش الشاشة الجديد