اخبار مصر كشفت تصريحات عدد من المسئولين مؤخراً، ممثلين فى رئيس الجمهورية المؤقت ووزير الاستثمار ورئيس البورصة، عن توجه عام يستهدف الاستناد إلى البورصة كآلية لتمويل المشروعات الجديدة، سعياً لتنشيط الاقتصاد ودفع عجلة الاستثمار، مما فتح باب الجدل حول مدى إيجابية الفكرة، وفرص نجاح أسهم تلك الشركات فى جذب المستثمرين خلال الوقت الراهن، علاوة على دورها فى تحفيز الاقتصاد المصرى. كما ظهرت تساؤلات عدة حول طرق التقييم التى قد تشكل عقبة فى ظل حداثة الشركات وعدم بدء نشاطها قبل الطرح، فضلاً عن نوعية المستثمرين التى ستركز على أسهم تلك الشركات على خلفية ارتفاع معدلات المخاطرة بها. كان أسامة صالح، وزير الاستثمار، قد كشف فى حوار له مع «المال»، عن وجود خطة لدى حكومة الببلاوى بإشراك المواطنين فى تأسيس المشروعات القومية الضخمة التى تسعى لتنفيذها، خاصة فى القطاعات والخدمات الاستراتيجية، وذلك من خلال الاكتتاب العام بالبورصة، وهو ما أكده عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت فى خطاب له منذ أسابيع قليلة. وكشف الدكتور محمد عمران، رئيس البورصة المصرية فى وقت سابق، ل«المال»، عن جاهزية الأنظمة الفنية بالبورصة لتلقى قيد وتأسيس شركات كبرى عبر الاكتتاب العام، لافتاً إلى امكانية إنجاز التعديل التشريعى اللازم لتفعيل تلك الآلية عبر إزالة شرط توفير الميزانيات والقوائم المالية للنشاط قبل القيد. وقال عمران إن وجود مشروع حيوى يحتاج إلى تفعيل البند الخاص بتأسيس الشركات عبر الاكتتاب العام، سيضعه على جدول أولويات التعديلات التشريعية المقترحة من الحكومة الحالية، ورهن إنجاز التعديل بتوافر الإرادة السياسية لذلك. فى حين أوضح شريف سامى، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن التأسيس عبر الاكتتاب العام بالبورصة قد يواجه بعض الصعوبات، على رأسها إحجام شريحة من المتعاملين عن المشاركة فى تلك النوعية من الاستثمارات لعدم توافر سابقة أعمال تساعد المستثمر على اتخاذ القرار الاستثمارى. وانقسم خبراء سوق المال حول جاذبية قيد أسهم الشركات المنشأة من خلال الاكتتاب العام بالبورصة، ورغم أن البعض يرى أنها ستؤدى لجذب مستثمرين جدد للسوق، ودعم السيولة، قال آخرون إنها ستكون مقصورة على فئة محدودة من المستثمرين، فضلاً عن أنها لن تلاقى النجاح المطلوب فى ظل استمرار اضطراب المناخ الاستثمارى. فى البداية قال محمد ماهر، نائب رئيس مجلس إدارة شركة برايم القابضة للاستثمارات المالية، إن السماح بتكوين رأسمال الشركات الجديدة من خلال البورصة وقيدها أمر إيجابى، حيث طالبت به الجمعيات المختصة بسوق المال منذ فترة ضمن مقترحاتها التى رفعت لرئيس هيئة الرقابة المالية. ويرى ماهر أن طرح أسهم تلك الشركات وتداولها يجب أن يتم بالقيمة الاسمية، فى ظل عدم بدء نشاطها، مشيراً إلى أن تلك الآلية ستوفر التمويل للشركات وتساهم فى تنشيط السوق من خلال طرح أوراق مالية جديدة، كما أنها ستكون جاذبة للمستثمرين. وأكد أحمد على، عضو مجلس إدارة شركة بيت الاستثمار العالمى جلوبال، أن الأوضاع الاقتصادية السيئة التى تشهدها البلاد على مدار السنوات الثلاث الماضية تجبر الحكومة على محاولة تنشيط الاقتصاد وإطلاق المشروعات الجديدة بشتى الطرق، مع التركيز على أهمية المشروعات العملاقة التى تطلق عبر آلية الاكتتاب العام أمام مختلف المستثمرين. وأبدى تخوفه من احتمالية إحجام بعض المستثمرين الراغبين فى المساهمة بتلك المشروعات العملاقة خلال المرحلة الراهنة بسبب ضبابية المناخ الاستثمارى المحلى، بالإضافة إلى تزايد التوقعات بشأن سيطرة الحكومة على كل مقاليد الإدارة بهذه المشروعات، وهو ما يدفع المستثمرين إلى عدم المجازفة وتفضيلهم اللجوء للأسواق المجاورة أو الانتظار لحين اتضاح المعالم النهائية الخاصة بطبيعة إدارة وإطلاق المشروعات. ولفت إلى العديد من الصعوبات المصاحبة لتقييم مثل هذه النوعية من المشروعات فى السوق المحلية والتى تتطلب جهداً كبيراً من الحكومة فى إزالة كل الصعوبات ومنها التحديد الدقيق لدراسة جدوى المشروعات وحجم المديونية التى ستتحملها القوائم المالية، والتحديد الزمنى لميعاد بدء عمل وإنتاج المشروعات. وتوقع أن تستقطب تلك المشروعات فى المرحلة الحالية نوعية محددة من المستثمرين والذين سيرتبطون بعلاقة ما مع الحكومة الحالية وهو ما يفتح المجال أمام مساهمة رأس المال السياسى فى تمويل تلك المشروعات. ودعا الحكومة للاستفادة من التجربة السيئة الخاصة بإنشاء شركة موبكو للأسمدة عبر الاكتتاب العام خلال السنوات الماضية والتى عانت فيها من توفير التمويل اللازم، بالإضافة إلى وجود صعوبات جمة فى عملية تخارج المساهمين، وتردى الإدارة الحكومية بالمشروع وهو ما نتج عنه تعطل العمل ورغبة عدد من المستثمرين فى التخارج لتعويض خسائرهم. وتطرق لعدد من التحديات الجديدة التى ستواجه الحكومة عند إطلاق المشروعات والتى تتعلق بتحديد النسبة المراد طرحها فى سوق الأوراق المالية، وهو ما ستشهد عليه بحالة البورصة السعودية عند طرح بعض شركات التأمين المؤسسية بآلية الاكتتاب العام، والتى شهدت موجة من المضاربات بعد قيد الأسهم، مطالباً الحكومة بالاهتمام بهذا الملف ومحاولة تقليل حجم التخوفات التى تسيطر على المستثمرين. وتوقع أن ترتفع حدة التلاعبات بمجرد قيد أسهم الشركات العملاقة فى ظل اهتمام الرأى العام المحلى بالطبيعة الطموح للمشروعات وتزايد التصريحات الحكومية الخاصة بأن هذه المشروعات بمثابة بصيص الأمل لإنقاذ الاقتصاد المتردى. وانتقد أى توصيات بحظر التداول على الأسهم خلال فترة معينة بعد القيد، موضحاً أن المستثمرين اتخذوا قرارهم الاستثمارى فى ضوء الدراسات والتحليلات المالية مع العلم بأنه استثمار طويل الأجل، كما أن الهدف الرئيسى من القيد بالبورصة يكمن فى تسهيل عملية تخارج المستثمرين لرغبتهم فى الحصول على سيولة، مما يؤكد عدم تضرر المشروعات بأى شكل من الأشكال فى حال تخارج المساهمين من البورصة، فى حين أن مشكلة المضاربات يمكن تلافيها من خلال المساهمين أنفسهم عبر زيادة التوعية وتعزيز قدرتهم التحليلية على اتخاذ قرار استثمارى سليم. وشدد على أن توافر السيولة لدى الحكومة هو كلمة السر فى كيفية التخطيط السليم لإطلاق هذه المشروعات بالسوق المحلية، ففى حال امتلاك الحكومة السيولة اللازمة لتنفيذ المشروعات العملاقة من الأولى تنفيذ المشروع والبدء فى استخراج التراخيص والحصول على الموافقات اللازمة قبل إطلاق المشروعات للاكتتاب العام لتوفير الجزء المتبقى من رأس المال. وقال إنه فى حال وجود نية لدى الحكومة لإطلاق مشروع عملاق معين ولا تستطيع توفير السيولة اللازمة له فى الفترة الحالية فمن الممكن تبنى التجربة الإماراتية فى إنشاء تلك الشركات عبر طرح المشروع للاكتتاب العام، ومن ثم توفير السيولة اللازمة لبدء المشروع ثم قيد حصة من الأسهم بالبورصة. وفى سياق متصل أكد خالد سبع، خبير الاستثمار وأسواق المال أن عدداً كبيراً من صناديق الاستثمار العالمية أبدت رغبتها الفعلية فى المساهمة بالمشروعات الجديدة التى تعتزم الحكومة إطلاقها خلال الفترة المقبلة، مما يعد مؤشراً قوياً على جاذبية السوق المحلية أمام المستثمرين العالميين، واستشهد بالارتفاع القياسى الأخير فى معدلات التداول بالبورصة. وطالب الحكومة باقتناص هذه الفرصة المهمة من أجل تعزيز رغبة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال فى اختراق السوق المحلية عبر تغيير بعض الأطر التشريعية والتنظيمية التى تصاحب عمليات إطلاق الشركات وتأسيسها من خلال آلية الاكتتاب العام، وأبرزها رفع حصة تملك القطاع الخاص فى رأس المال، وتقليص حجم التدخل الحكومى فى عمليات الإدارة. وأوضح أن الحكومة السعودية عند تأسيسها شركة موبايل ليفنج أجبرت المساهم الرئيسى بالشركة على طرح %40 من الأسهم بسوق الأوراق المالية بالقيمة الاسمية دون أى تدخل مباشر من الحكومة فى عمليات الإدارة، وهو النموذج الذى من الممكن أن تتبناه الحكومة المحلية دون التخوفات من سيطرة رأس المال الأجنبى أو القطاع الخاص. وأشار إلى أن عدم إطلاق المشروع أو بدء العمل والإنتاج يزيد من الصعوبات الخاصة بعملية تقييم الأسهم، إلا أنه اعتبر أن قيد الأسهم فى البورصة بالقيمة الاسمية من الممكن أن يكون أفضل الطرق لتلافى تخوفات التلاعبات على الأسهم. وشدد على أن التلاعبات سمة رئيسية فى مختلف أسواق المال العالمية، ولا يمكن تخيل وجود أى سوق دون هذه الخاصية، وهو الأمر الذى يدعو كل المساهمين إلى تبنى الأسلوب العلمى والتحليلى، عند اتخاذ قرار ما، بالإضافة إلى أن الإسراع فى تأسيس الشركة وبدء نشاطها الفعلى من أهم العوامل التى ستزيد التداولات على الأسهم وتدفعها للتداول بعيداً عن شبهات التلاعب، ودون اللجوء إلى حظر التداول على الأسهم لفترات معينة. ولفت إلى أن بعض المشروعات الجديدة متوقفة لحاجتها إلى تخصيص قطعة أرض فى حين تحتاج بعض الشركات الأخرى إلى الحصول على الموافقات اللازمة من الوزارات المختلفة للبدء فى الإنتاج، وهى العوامل التى تزيد من تردى مناخ الاستثمار المحلى أمام كل الجهات المهتمة بالاستثمار فى السوق، بالتزامن مع عدم وجود دستور للبلاد. وأبدى حسين عبدالحليم، رئيس قطاع الائتمان وترويج الاكتتابات بشركة سيجما القابضة للأوراق المالية، قلقه من احتمالية نجاح الطروحات الحكومية الأخيرة لتأسيس بعض الشركات والمشروعات عبر الاكتتاب العام فى ظل استمرار ضبابية الأوضاع السياسية والاقتصادية فى البلاد وعدم قدرة المستثمرين على وضع تصور نهائى لهذه المشروعات، خاصة فى النقاط الخاصة بنسبة مساهمة الحكومة وحجم رأس المال. وقال إنه من الأجدر للحكومة البحث عن مستثمر رئيسى لتولى مهام الإدارة وتمويل جزء كبير من رأسمال تلك المشروعات مع دخول الحكومة كشريك وطرح باقى أسهم رأس المال للاكتتاب العام، بالإضافة إلى توفير كل المعلومات الحيوية عن المشروعات أمام مختلف المستثمرين. وشدد على استحالة تحديد التقييم الدقيق لأسهم تلك المشروعات خلال المرحلة الحالية عند قيدها بالبورصة، معتبراً أن الأفضل أمام الحكومة والشركات المساهمة طرح الأسهم بالقيمة الاسمية بالبورصة على اعتبار أنه الحل الوحيد المتاح لتلافى مشكلات التقييمات المرتفعة لأسهم المشروعات محل التأسيس. وأوضح أنه فى حال قيد الأسهم بالقيمة الأسمية فإنه سيقلل بدوره من احتمالات تزايد التلاعبات والمضاربات على الأسهم، علاوة على وجود أنظمة إلكترونية قوية فى إدارة البورصة بإمكانها الكشف الدقيق عن أى تلاعبات قد تتم على أى ورقة مالية مدرجة فى السوق. واستبعد حاجة الجهات الحكومية إلى إصدار قرار يحظر التعامل على الأسهم خلال فترة معينة بعد قيد الأسهم بالبورصة لأن هذا القرار يتعارض مع الحق الأصيل لمستثمرى البورصة فى حرية الدخول والتخارج من الأسهم فى أى وقت. وتطرق إلى أن غياب السلطة التشريعية المنتخبة، بالإضافة إلى عدم وجود دستور للبلاد من أبرز العوامل التى تؤكد بقوة عدم جاذبية تلك المشروعات فى المرحلة الحالية ورغبة كل المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال فى الانتظار لحين انتهاء المرحلة الانتقالية الثانية فى البلاد للبدء فى ضخ استثمارات فورية فى مصر.