في لحظة استثنائية يلتقي فيها العلم بالتاريخ، والدقة الهندسية بروح الخلود، يشهد المتحف المصري الكبير فصلا جديدا من فصول إحياء التراث المصري القديم، مع بدء نقل ألواح مركب خوفو الثانية من ورش الترميم إلى قاعة عرضها الدائمة. هذا الحدث لا يمثل مجرد تحريك لقطع أثرية نادرة، بل يجسد رحلة بعث جديدة لمركب ملكي ارتبط بعقيدة الشمس والبعث والخلود، ويكشف أمام الجمهور كواليس واحدة من أدق العمليات الأثرية في العصر الحديث، حيث تتحول مراحل الترميم والتركيب إلى تجربة متحفية حية تروي قصة عبقرية المصري القديم. وصل شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، صباح اليوم، إلى المتحف المصري الكبير، لمتابعة بدء أعمال نقل ألواح مركب خوفو الثانية من موقع ترميمها داخل المتحف إلى موقع عرضها بمتحف مراكب خوفو، تمهيدًا لإعادة تركيبها أمام الجمهور. ويأتي ذلك، في إطار حدث أثري وإعلامي بارز، يتيح للزائرين متابعة مراحل العمل الأثري بشكل مباشر، ويعكس حرص وزارة السياحة والآثار على تقديم تجربة متحفية حية تُبرز دقة الترميم وأهمية المركب كأحد أبرز الشواهد على التقدم الهندسي والبحري في الحضارة المصرية القديمة. وأكد الوزير، أن إعادة تركيب مركب خوفو الثانية تتم باستخدام أحدث الأساليب العلمية والتقنيات المتخصصة في مجال الترميم والحفاظ على الآثار، بما يسمح للجمهور بمتابعة مراحل العمل خطوة بخطوة، ويعزز من التفاعل مع القطع الأثرية المعروضة. وتعد مركب خوفو الثانية واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية المرتبطة بمنطقة أهرامات الجيزة، حيث عُثر عليها بجوار هرم الملك خوفو، وترتبط بالمعتقدات الدينية للمصري القديم، إذ كانت المراكب الجنائزية ترمز إلى رحلة الملك مع الشمس في السماء والعالم الآخر. وقال الوزير، إن المتحف المصري بالتحرير تأثر بعد افتتاح المتحف المصري الكبير، حيث انخفضت أعداد زواره بنسبة تتجاوز 40%، خاصة عقب نقل كنوز الملك توت عنخ آمون. وأكد أن الوزارة وضعت خطة لإعادة الزخم إلى المتحف المصري بالتحرير من خلال تغيير سيناريو العرض المتحفي وتقديم ثلاث قصص عرض مختلفة، مع التشديد على عدم تغيير اسم المتحف، موضحًا أن عملية التطوير ستستغرق وقتًا. وأشار الوزير، إلى أن المتحف القومي للحضارة المصرية لم يتأثر بشكل كبير بافتتاح المتحف المصري الكبير، معتبرًا أن الزخم الحالي أمر طبيعي في ظل افتتاح صرح ثقافي عالمي بهذا الحجم. من جانبه، أوضح الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي للمتحف المصري الكبير، أن إدارة المتحف حددت حدًا أقصى لعدد الزائرين يوميًا يبلغ 15 ألف زائر، بهدف تنظيم حركة الزيارة والحفاظ على جودة التجربة السياحية. وأضاف أن عدد زائري المتحف منذ افتتاحه وحتى الآن بلغ نحو 450 ألف زائر، بنسبة 55% مصريين و45% أجانب. وأكد غنيم، أن نظام الحجز الإلكتروني يعمل وفق آلية "الكوتة" لتوزيع التذاكر بين المصريين والأجانب، نافيًا ما تردد عن وقف الحجز خلال أيام الجمعة والسبت، ومؤكدًا أن المتحف يفتح أبوابه طوال أيام الأسبوع، وأن الحجز متاح إلكترونيًا على مدار الساعة. وفيما يتعلق بتفاصيل نقل وترميم المركب، قال الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الشئون التنفيذية للترميم بالمتحف المصري الكبير والمشرف على ترميم مركب خوفو الثانية، إن المشروع يُعد من أدق وأكبر مشروعات الترميم الأثري، نظرًا لحساسية القطع الخشبية وأهميتها التاريخية الفريدة. وأوضح زيدان، أنه تم استخراج نحو 1700 قطعة خشبية من 13 طبقة داخل حفرة المركب، مشيرًا إلى الانتهاء من أعمال التسجيل والتوثيق العلمي الكامل لجميع القطع، إلى جانب تنفيذ الترميم الأولي لمعظمها داخل ورش الترميم المتخصصة. وأضاف أن عدد القطع التي تم نقلها حتى الآن إلى المتحف المصري الكبير بلغ 1343 قطعة خشبية، لافتًا إلى أنه جارٍ حاليًا البدء في المرحلة الثانية من أعمال الترميم النهائي، والدراسات الهندسية والأثرية اللازمة لتجميع وإعادة تركيب المركب. وأكد أن عملية إعادة تركيب مركب خوفو الثانية ستتم وفق منهج علمي دقيق وباستخدام أحدث التقنيات المتخصصة، تمهيدًا لعرضها بجوار مركب خوفو الأولى داخل مبنى مراكب الملك خوفو الجديد الجاري إنشاؤه بالمتحف المصري الكبير، بما يتيح للزائرين متابعة مراحل العمل الأثري عن قرب. وأشار إلى أن المشروع لا يقتصر على إعادة تركيب مركب أثرية فحسب، بل يُمثل توثيقًا حيًا لعبقرية المصري القديم في مجالات الهندسة وبناء السفن والملاحة. وانطلقت احتفالية وزارة السياحة والآثار لنقل ألواح مركب خوفو الثانية، حيث استعان مرممو المجلس الأعلى للآثار بونش متخصص لرفع ونقل الألواح تمهيدًا لتركيبها في الأماكن المخصصة لها داخل هيكل المركب، على أن يتم في هذه المرحلة تركيب 5 قطع. وأكدت إدارة المتحف المصري الكبير، أن حركة الزيارة تسير بصورة طبيعية ومنظمة، مع استمرار الإقبال الكبير من الزائرين المصريين والأجانب منذ الافتتاح، حيث بلغ متوسط عدد الزائرين نحو 15 ألف زائر يوميًا، وهو ما يتناسب مع الطاقة الاستيعابية القصوى للمتحف.