كان استقبال أم كلثوم فى عواصم العالم مثل الملوك والقادة والزعماء، وتحولت زياراتها الخارجية إلى تظاهرات حب وتضامن سياسى وثقافى، خاصة فى أعقاب نكسة 1967، حين أصبحت « كوكب الشرق» إحدى أقوى أدوات القوة الناعمة المصرية والعربية. فى فبراير 1968 شهد السودان «اللقاء التاريخي»، وجاءت أم كلثوم فى إطار حملتها للمجهود الحربى، فكان الاستقبال شعبيًا غير مسبوق، وتوقفت حركة السير فى الخرطوم، واصطفت الجماهير من مطار الخرطوم حتى القصر الجمهورى، رافعة لافتات الترحيب. وعلى المستوى الرسمى، استقبلها إسماعيل الأزهرى، رئيس مجلس السيادة، ومنحها أرفع الأوسمة السودانية، أما اللمسة الأعمق، فجاءت من الشعب الذى أهداها ثوبًا سودانيًا مُرصعًا بالذهب والأحجار الكريمة، عُرف لاحقًا باسم «ثوب أم كلثوم» وأصبح موضة رائجة، ولا ينساها السودانيون عندما اختارت قصيدة «أغدًا ألقاك» للشاعر السودانى الهادى آدم. وفى يوليو 1968 حطّت «الست» فى تونس، حيث قُوبلت بحفاوة رسمية وشعبية منقطعة النظير، وكان الرئيس الحبيب بورقيبة وزوجته فى مقدمة مستقبليها، وأقُيمت لها مأدبة رسمية فى قصر قرطاج، مُنحت خلالها وسام الجمهورية من الدرجة الأولى. واحتشد آلاف التوانسة فى ملعب المنزه، حتى إن بعضهم بات فى الشوارع المحيطة قبل يوم كامل لضمان الدخول، وخلال الحفل، صعد بورقيبة إلى المسرح ليعبر عن إعجابه بتمكنها من اللغة العربية وقوة صوتها، فى مشهد نادر يجسد مكانتها الاستثنائية. وفى باريس كانت المحطة الأهم سياسيًا، فى نوفمبر 1967، وبعد شهور قليلة من النكسة، غنت أم كلثوم على مسرح «الأولمبيا» فى أول وآخر ظهور لها على مسرح غربى، ونفدت التذاكر سريعًا بأسعار مرتفعة، وحضور جمهور عربى وأوروبى عابر للحدود. وكتبت صحف كبريات مثل: «لوموند» و»لوفيجارو» عن ظاهرة فنية لا تتكرر، ووصفت صوتها بأنه يمتلك «قدرة تنويم مغناطيسية»، كما بعث الرئيس شارل ديجول برقية شهيرة قال فيها إنها «السيدة التى تلمس بصوتها قلبى وقلوب الفرنسيين جميعًا». وتجاوز دور أم كلثوم الجولات والحفلات، وتربع صوتها على المشاعر الوطنية، وبيانات التعبئة الشعبية، وخصصت دخل حفلاتها بالكامل لدعم المجهود الحربى، وأصبحت أغانيها من أسلحة المعركة، «مصر التى فى خاطري» إلى «مصر تتحدث عن نفسها» و»والله زمان يا سلاحي»، وصولًا إلى «أصبح عندى الآن بندقية»، وكانت تغنى للأمل والمقاومة. وانفتحت أم كلثوم على الوجدان العربى من المحيط إلى الخليج، فغنت لنزار قبانى، والهادى آدم، والأمير عبد الله الفيصل، وجورج جرداق، لترسخ مكانتها كفنانة العرب الأولى، وتؤكد أن الفن هو اللغة الرسمية المُعتمدة لكل الشعوب. لم يكن غريبًا أن يقول جمال عبد الناصر: «أم كلثوم فعلت ما فشل فيه الزعماء.. وحدت الشعوب العربية»، لم تكن مجرد مطربة بل الهرم الرابع، وأقوى أسلحة مصر الناعمة، وصوت أمة تتحدى المستحيل.