فى أحد جوانب مكتبة الإسكندرية.. تتلألأ قطع من الزينة والحلي.. وتظهر عباءات معلقة كلوحات فنية تروى بخيوطها المغزولة على مهل جزءا من حكاية هذا الوطن لتمثل خريطة ثقافية غنية تخطف الأنظار وتثرى العقول.. هنا فى معرض «الفن الشعبى العربي» حيث يُعاد تعريف الزى كوثيقة حيّة ويُقدم كمخطوطة مرئية تسجل كيف وثق المصريون والعرب اعتزازهم بثقافتهم وخصوصية بيئتهم ونسجوا بالخيوط وحبات الحلى سردًا متكاملاً عن الهوية والإبداع. اقرأ أيضًا | مكتبة الإسكندرية تنظم مؤتمر «عمارة الآرت ديكو: منظور متوسطي» المعرض يضم ما يزيد على 700 قطعة تراثية موزعة على ستة أجزاء رئيسية، تشكل بانوراما جغرافية وثقافية لكل من سيناء، الدلتا، سيوة، الواحات، صعيد مصر، وبلدان عربية مختارة لترسم ملامح من الثقافة الشعبية المصرية والعربية.. فعلى سبيل المثال نجد الثوب السيناوى الطويل ذا الأكمام الطويلة المصنوع من القماش الأسود والمطرز بألوان مختلفة يغلب عليها اللون الأحمر بدرجاته للسيدات المتزوجات فى حين الفتيات اللاتى لم يتزوجن بعد فيغلب اللون الأزرق على تطريز أثوابهن. ونرى غطاء الرأس المزين بالعملات الفضية والذهبية حسب المكانة الاجتماعية والاقتصادية لأسرة السيدة، ثم البرقع رمز هوية المرأة البدوية.. فهو إما أن يزين بالعملات المعدنية الرخيصة والأحجار والخرز، أو يزين بالفضة أو بالعملات الذهبية إذا كانت السيدة تنتمى إلى أسرة ثرية وفى كل مناسبة تمر بحياة الأسرة كميلاد طفل جديد خاصة إذا كان ذكرًا أو حصول الزوج على مبلغ من المال، تحصل المرأة على قطعة ذهبية تضيفها إلى برقعها.. ثم نجد هذا الحذاء السيوى المصنوع من جلد الجمل والأغنام والمطرز بالخيوط الصوفية مستخدمة شكل المثلث الوحدة الزخرفية الأشهر فى واحة سيوة ممثلة شكل الحجاب الذى يمنع الحسد والعين الشريرة، زخارف ملونة بالأصفر والبرتقالى وهى ألوان أشعة الشمس؛ حيث كانت الشمس تعبد فى الواحة فى مصر القديمة. كما يضم المعرض كردان الهلالات الفلاحي، العنصر الأساسى فى زى المرأة فى صعيد مصر، وكردان السمكة من الدلتا المطلى بالذهب، والسمكة لها رمزية هامة فى المعتقد الشعبى المصري؛ إذ إنها ترمز إلى الرزق الوفير والخير والتكاثر. ولا ننسى حجاب «السيد والست» من الدلتا وهو حجاب من حليّ الزار منقوش عليه بالحفر صورة رجل وامرأة ومن الوجه الآخر مكتوب آيات من القرآن، ترتديه السيدة أثناء طقوس الزار اعتقادًا فى قدرته على الحماية من الكائنات الغيبية. وتقول إيناس عبد اللطيف رئيس قسم المقتنيات الفنية والمعارض الدائمة بمكتبة الإسكندرية إن هذا المعرض كان ثمرة رحلة شغف طويلة للفنانة الراحلة «رعاية النمر» جالت خلالها فى جميع أنحاء مصر وبعض الدول العربية لسنوات طويلة خلال النصف الثانى من القرن العشرين برفقة زوجها الراحل المصمم المسرحى والباحث فى فنون التراث الشعبى الفنان عبد الغنى أبو العينين والذى قدم أكثر من 40 لوحة تمثل رافدًا هامًا فى فن التصوير المستوحى من البيئة والفنون الشعبية المصرية. وقد أوصى الزوجان الراحلان بإهداء تلك المجموعة النادرة لمكتبة الإسكندرية لعرضها. وتوضح أنه قد أضيف أيضًا إلى المعرض مجموعة «الحلى والتراث» التى أهدتها الدكتورة يسرية عبد العزيز، الباحثة فى مجال الحُليّ والأحجار التراثية، لتقدم توثيقا لقطع الحلى التى صاغتها أيادى حرفيين قدامى على مستوى مصر.