في قلب دلتا النيل، حيث تختلط الرمال بذكريات ملوكٍ طواهم الزمن، تبرز تانيس «صان الحجر» كصفحة مذهلة من تاريخ مصر القديمة، لم تكن هذه المدينة يومًا مجرد عاصمة إقليمية، بل كانت مركزًا ملكيًا ودينيًا مزدهرًا، حملت بين أطلالها أسرارًا مذهلة لم تُكتشف إلا في القرن العشرين. ومن بين أكثر ما يثير الدهشة مجموعة نادرة من الحُلي الذهبية التي تنتمي لملوك وكهنة الأسرة الثانية والعشرين، والتي تجسد ذروة المهارة الفنية والرمزية الدينية في تلك الحقبة. واليوم، تُعرض هذه النفائس في قاعتي كنوز تانيس وبسوسنس بالدور العلوي للمتحف المصري بالتحرير، لتمنح الزائرين فرصة فريدة لاستكشاف عالمٍ مذهل يجمع بين الفن، والسلطة، والخلود. ◄ تانيس «صان الحجر» مدينة الملوك المنسية ظهرت تانيس في الألفية الأولى قبل الميلاد كإحدى أهم المدن المصرية في الدلتا، واتخذت دور العاصمة السياسية والدينية في فترات متعددة، كما كانت مقرّ الملوك والكهنة العظام، وخاصة خلال عصر الأسرات 21 و22. ورغم أنها لم تحظَ بشهرة طيبة وسقارة، فإن اكتشافاتها فاقت التوقعات، خصوصًا حين عُثر على مقابر ملوكها في حالة مدهشة من الحفظ، بعكس كثير من المقابر الملكية في طيبة التي تعرّضت للنهب. ◄ الاكتشاف العظيم.. مقابر ملوك تانيس في أربعينيات القرن الماضي، اكتشف عالم الآثار بيير مونتي مجموعة من المقابر الملكية تحت أنقاض معابد تانيس، كان المشهد مذهلًا: نعوش كاملة، أقنعة جنائزية متقنة، وحُلي ذهبية مُبهرة لا تقل روعة عن كنوز توت عنخ آمون. وكان من أبرز هذه الاكتشافات مقبرة الملك بسوسنس الأول، الذي دُفن في مجموعة استثنائية من الذهب والفضة والأحجار شبه الكريمة. 1- أسرار مجموعة الحُلي الذهبية من الأسرة الثانية والعشرين تُعد حُلي تانيس من أروع ما أبدعه الصائغ المصري القديم، وتتميز بالآتي: - رموز ملكية وكهنوتية : الحُلي كانت تُصنع بعناية فائقة لتعكس القوة الإلهية للملك، وتتضمن رموزًا مثل: - الصقر حور - العنخ (رمز الحياة) - الجعران المجنح - عين أودجت للحماية 2- براعة تقنية مذهلة تشهد القطع على تقنيات معقدة مثل: الترصيع الدقيق بالأحجار شبه الكريمة، النقش بالغائر والبارز، دمج الذهب مع الفضة في تصميم واحد، واستخدام لحام عالي الدقة لا يزال مُبهِرًا للمتخصصين اليوم. اقرأ أيضا| كنوز الحِرف الذهبية في مقبرة بسوسنس الأول 3- قطع مميزة من المجموعة من أبرز آثار الأسرة 22 المعروضة في المتحف: قلائد ثقيلة من الذهب المطعّم بالأحجار، وأساور وخواتم مزخرفة بنقوش ملكية، وأقنعة جنائزية مذهلة، خاصة أقنعة شيشنق وبسوسنس، وأغطية أصابع ذهبية كانت جزءًا من طقوس الدفن الملكي. 4- العرض الحالي في المتحف المصري تُعرض هذه الكنوز في قاعتي «كنوز تانيس» و «بسوسنس» بالدور العلوي للمتحف المصري بالتحرير، بطريقة تُبرز جمالها وتسمح بالتأمل القريب في تفاصيلها الفنية الدقيقة. العرض مُهيأ بطريقة سهلة وواضحة للزوار، مع بطاقات تعريف، وإضاءة تُظهر بريق الذهب دون مبالغة، مما يجعل التجربة ممتعة سواء للمتخصصين أو المهتمين بتاريخ مصر القديمة. زيارة المتحف المصري لمشاهدة كنوز تانيس ليست مجرد جولة ثقافية، بل رحلة عبر الزمن تكشف عن براعة المصريين القدماء وثراء حضارتهم، استمتع بزيارة أسهل وأكثر إفادة، ودع الذهب القديم يحكي لك بنفسه قصة مدينة لم تنطفئ أضواؤها رغم مرور آلاف السنين.