عندما نتحدث عن ملوك مصر القديمة، تتبادر إلى الأذهان أسماء أشهر الفراعنة الذين حكموا البلاد وتركوا إرثًا خالدًا من الآثار والكنوز. ومن بين هؤلاء الملوك الذين خلدهم التاريخ، الملك بسوسنس الأول (حوالي 1047-1001 ق.م.)، أحد حكام الأسرة الحادية والعشرين، الذي ارتبط اسمه بكنوزه الفريدة وقصته الاستثنائية التي ألقت الضوء على فترة مميزة من التاريخ المصري، تُعرف بالفترة الانتقالية الثالثة. يُذكر بسوسنس الأول كملك بارز حكم من العاصمة تانيس في الدلتا، تاركًا وراءه مقبرة رائعة تحمل كنوزًا لا تُضاهى. ومن بين هذه الكنوز، يأتي "سوار الملك بسوسنس الأول" كتحفة فنية مبهرة تعكس روعة الفن والصناعة في عصره. قصة الملك بسوسنس الأول وتاريخه - العصر والتحديات السياسية وُلد الملك بسوسنس الأول خلال فترة شهدت مصر فيها تغيرات سياسية ودينية جذرية. كانت الأسرة الحادية والعشرون (حوالي 1070-945 ق.م.) تُعرف بأنها بداية الفترة الانتقالية الثالثة، حيث انقسمت السلطة بين شمال البلاد وجنوبها. حكم الكهنة في طيبة (الأقصر) جنوب مصر، بينما كانت تانيس (صان الحجر) عاصمة الشمال، حيث استقر بسوسنس الأول. ورغم هذا الانقسام، استطاع بسوسنس أن يثبت نفوذه ويوطد حكمه في الشمال، محققًا استقرارًا نسبيًا في فترة اتسمت بالصراعات الداخلية. - إرثه العمراني والديني ركز بسوسنس الأول على إعادة بناء المعابد وترميم الآثار التي أصابها الإهمال خلال الفترات السابقة. شيد الملك معابد ضخمة في تانيس وخصصها للإله آمون رع، مما يعكس حرصه على تعزيز دور الدين في توحيد البلاد وتقوية شرعيته كفرعون. ومن أبرز أعماله العمرانية، مساهمته في تجديد المعابد التي كانت بمثابة مراكز للعبادة والاحتفالات الكبرى. - المقبرة الملكية في تانيس عُرف بسوسنس الأول من خلال مقبرته الملكية التي اكتشفها عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه في عام 1940 في مدينة تانيس، بمحافظة الشرقية. احتوت المقبرة على مجموعة مذهلة من الكنوز التي تنافس في روعتها كنوز الملك توت عنخ آمون. عُثر في المقبرة على توابيت مذهبة، وأقنعة جنازية رائعة، ومجوهرات ملكية تبرز مهارة الصناع المصريين القدماء. سوار الملك بسوسنس الأول - تحفة فنية استثنائية من بين الكنوز التي وُجدت في مقبرة بسوسنس الأول، يُعد السوار الملكي أحد أروع القطع الفنية. هذا السوار مصنوع من الذهب الخالص، وهو مطعم بأحجار كريمة نادرة تشمل اللازورد الأزرق، الكارنيليان الأحمر، والفلدسبار الأخضر. يبلغ ارتفاع السوار 7 سم، ويعكس جمال الألوان تداخلًا رائعًا بين المواد الطبيعية والتصميم الفني الدقيق. - دلالة الأحجار الكريمة اللازورد: يُعتبر رمزًا للسمو الروحي والقوة الإلهية، وغالبًا ما كان يُستخدم في الحُلي الملكية بسبب ارتباطه بالآلهة. الكارنيليان: ارتبط بالحياة والبعث، وكان يُعتقد أنه يمنح الحماية للطرف الذي يرتديه. الفلدسبار الأخضر: كان يمثل الخصوبة والطبيعة المتجددة. الأهمية التاريخية يُعد هذا السوار شهادة حية على روعة الفنون والحرف اليدوية في عصر بسوسنس الأول. يعكس السوار ليس فقط المهارة التقنية للصناع، بل أيضًا القيمة الرمزية التي أُعطيت للمجوهرات الملكية في تلك الفترة. تانيس.. العاصمة الملكية كانت تانيس (صان الحجر الحالية) عاصمة شمال مصر في عهد الأسرة الحادية والعشرين. اشتهرت المدينة بأنها مركز سياسي وديني بارز. احتضنت المدينة معابد ضخمة ومسلات وأضرحة مهيبة تعكس مكانتها كعاصمة ملكية. كانت تانيس أيضًا موطنًا لعدد كبير من القطع الأثرية التي اكتشفها علماء الآثار، مما يجعلها اليوم واحدة من أبرز المواقع الأثرية في مصر. السوار في المتحف المصري اليوم، يُعرض سوار الملك بسوسنس الأول في المتحف المصري بالتحرير، ضمن مجموعة فريدة من كنوز هذا الملك، يجذب السوار اهتمام الزوار من جميع أنحاء العالم، حيث يُعتبر مثالًا حيًا على عبقرية المصريين القدماء في فنون الحُلي وتصميم المجوهرات. أهمية عرضه في المتحف يُبرز وجود السوار في المتحف المصري أهمية الحفاظ على التراث المصري وعرضه للعالم كجزء من هوية مصر الثقافية. يشكل السوار رمزًا للتاريخ الملكي والابتكار الفني الذي ميز الحضارة المصرية القديمة. إرث بسوسنس الأول اليوم رغم مرور آلاف السنين، لا تزال قصة الملك بسوسنس الأول تسلط الضوء على فترة مهمة في تاريخ مصر. تُظهر كنوزه، بما في ذلك السوار الملكي، كيف نجح هذا الفرعون في ترك بصمة خالدة تُبرز عظمة الفن المصري وتطور الحضارة في مواجهة التحديات. اقرأ أيضا | «السياحة والآثار»: اكتشافات سقارة تعزز التراث الثقافي الوطني