يحتضن المتحف المصري بالتحرير، واحدة من أبرز روائع الحضارة المصرية القديمة، وهو التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول، الذي يُعرض في قاعة "كنوز تانيس". يعود هذا الاكتشاف المذهل إلى عام 1939، حين عُثر عليه ضمن المقابر الملكية لملوك الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين في مدينة "تانيس". يُعد التابوت شهادة على التحولات السياسية والدينية التي شهدتها مصر القديمة، حيث ألقى الضوء على تفاصيل مميزة من تاريخ دفن الملوك والكهنة. ** التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول: رمز الروعة والانتقال السياسي والديني ** كنوز تانيس: يُعتبر التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول واحداً من أهم القطع الأثرية التي تُعرض في المتحف المصري. يمثل هذا التابوت دليلاً على المهارة الفنية الفائقة والموارد الثمينة التي كانت متاحة في مصر خلال عصر الأسرات المتأخر. إلى جانب التابوت، اكتُشفت العديد من الكنوز التي تشير إلى ازدهار مدينة تانيس كعاصمة ومركز ديني هام خلال الأسرة الحادية والعشرين. اقرأ أيضاً | أصل الحكاية| «سوار الملك بسوسنس الأول».. تحفة فنية خالدة بالمتحف المصري ** اكتشاف التابوت: في عام 1939، أجرى عالم الآثار الفرنسي بيير مونتي حفريات في المقابر الملكية في مدينة تانيس، حيث عثر على التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول. كانت هذه المقابر تحتوي على مجموعة هائلة من القطع الأثرية، بما في ذلك المجوهرات والتيجان وأقنعة الدفن، مما جعلها تضاهي كنوز توت عنخ آمون من حيث الأهمية التاريخية والفنية. ** وصف التابوت: تم تصميم التابوت من الفضة، وهو معدن نادر في مصر القديمة مقارنة بالذهب، مما يعكس مكانة الملك بسوسنس الأول ومدى ثراء عصره. يبلغ طول التابوت حوالي مترين، وهو مزخرف بنقوش هيروغليفية دقيقة تحمل نصوصاً جنائزية ودعوات لحماية الملك في العالم الآخر. يُظهر التابوت أيضاً ملامح متقنة لوجه الملك، مما يعكس تطور فن النحت في تلك الفترة. ** الأهمية السياسية والدينية: يشير العثور على هذا التابوت في تانيس إلى انتقال مركز السلطة والدفن من طيبة إلى تانيس. خلال الأسرة الحادية والعشرين، أصبح الكهنة والرؤساء الدينيون يتحكمون في شؤون البلاد، مما أدى إلى تغيير في الممارسات الجنائزية. كان دفن الملوك في تانيس بدلاً من وادي الملوك انعكاساً لهذا التحول السياسي والديني. 1- التحول السياسي: بعد نهاية الأسرة العشرين، شهدت مصر فترة من الاضطرابات السياسية التي أدت إلى تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب، أصبح ملوك تانيس القوة المسيطرة في الشمال، بينما بقي كهنة آمون في طيبة يمثلون السلطة الدينية في الجنوب. 2- التغيرات الدينية: مع تغير مواقع الدفن، ظهرت تغييرات في الطقوس الجنائزية، حيث أُدمجت تقاليد جديدة تتماشى مع المتغيرات السياسية والدينية. عكست تصميمات التوابيت وأدوات الدفن هذا التفاعل بين القديم والجديد. ** التابوت كمصدر تاريخي: يوفر التابوت معلومات غنية عن الملك بسوسنس الأول وفترة حكمه. من خلال النقوش والتصميم، يمكننا التعرف على: - مكانة الفضة: استخدام الفضة بدلاً من الذهب يشير إلى ندرة هذا المعدن وأهميته الرمزية في تلك الحقبة. - العلاقات التجارية: يعكس وجود الفضة في المقابر الملكية الروابط التجارية التي امتدت إلى مناطق بعيدة مثل الأناضول واليونان، حيث كانت الفضة تُستورد إلى مصر. - الفن الجنائزي: يُظهر التابوت تطور الفن الجنائزي في الأسرة الحادية والعشرين، حيث دمج بين الرمزية الدينية والدقة الفنية. * القاعة الخاصة بالعرض: يُعرض التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول في قاعة "كنوز تانيس" بالمتحف المصري. تُخصص هذه القاعة لعرض أبرز الاكتشافات من منطقة تانيس، بما في ذلك المجوهرات والأقنعة الذهبية التي كانت تُستخدم في طقوس الدفن الملكية. يُضفي تصميم القاعة طابعاً مميزاً، حيث تُعرض القطع الأثرية بطريقة تُبرز أهميتها التاريخية والفنية. ** تأثير الاكتشاف على دراسة الحضارة المصرية: كان لاكتشاف هذا التابوت دور كبير في تعزيز فهمنا لفترة الأسرات المتأخرة. من خلال دراسة التابوت ومحتوياته، تم التوصل إلى معلومات هامة حول: 1- نمط الحياة الملكية: ألقى الاكتشاف الضوء على كيفية عيش الملوك والكهنة خلال الأسرة الحادية والعشرين، بما في ذلك العادات والطقوس الجنائزية. 2- التفاعل الثقافي: تُظهر القطع الأثرية من تانيس تداخلاً بين الأساليب الفنية المصرية والتأثيرات الأجنبية، مما يعكس التنوع الثقافي في تلك الحقبة. اقرأ أيضاً | «بسوسنس الأول».. حكم مصر نصف قرن واكتشفت مقبرته أثناء الحرب العالمية الثانية 3- التحديات البيئية: أظهر تحليل المواد المستخدمة في صناعة التابوت تأثير البيئة المحيطة على اختيار المعادن والتصميمات. التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول هو تحفة فنية وتاريخية تسلط الضوء على حقبة هامة من تاريخ مصر القديمة. من خلال عرضه في المتحف المصري، يُتيح هذا الاكتشاف فرصة للجمهور للتعرف على روائع الفن الجنائزي ومظاهر التحول السياسي والديني. يبقى هذا التابوت رمزاً للبراعة الفنية والتفاعل الثقافي الذي ميّز مصر في العصور القديمة، ودليلاً على عظمة الحضارة المصرية وإرثها الذي لا يقدر بثمن.