فى ظل عالم يهيمن عليه لاعب واحد، لا يعرف إلا المبارايات الصفرية، هنا تلعب الدبلوماسية التفاوضية المصرية دوراً كبيراً، لتتمكن من إنجازات مهمة فى جميع الملفات، حيث أكد د. حسن وجيه، أستاذ التفاوض الدولى والمتخصص فى علم اللغويات، والعلوم السياسية، والعلاقات الدولية بجامعة الأزهر، فى حوار خاص ل «الأخبار»، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحترم مصر وقيادتها وقوتها، مضيفاً أن الدبلوماسية المصرية نشطة جداً فى التعامل مع المعضلات الصفرية، مشددًا على أن القيادة السياسية تواجه التحديات المحلية والدولية بحنكة شديدة، وأن مصر هى الدولة الوحيدة القادرة على التعامل مع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، مؤكدًا أن «القاهرة» وقفت بحسم ضد تصفية القضية الفلسطينية، وتحدث عن رؤيته التحليلية لما يدور على الساحتين الإقليمية والدولية فى تفاصيل الحوار التالى. اقرأ أيضًا | أستاذ علوم سياسية: غياب الضغط الأمريكي يُبقي غزة في دائرة من المعاناة الإنسانية تصدرت مصر المشهد العالمى من على أرض السلام، ونجحت فى إعلان وقف الحرب فى غزة.. كيف ترى أبعاد هذه الصورة؟ - أبعاد هذه الصورة تضم وقوف مصر بحسم ضد التهجير بكل أشكاله وأيضاً وقوفها بحسم ضد تصفية القضية الفلسطينية، كذلك قيامها بتعبئة العالم دبلوماسياً وبخطاب غاية فى الموضوعية والشرعية الدولية والمرونة الإيجابية لاسترداد القانون الدولى.. صحب الخطاب استنفار فعلى وجاد لقواتنا المسلحة القوية وذات الجاهزية العالية، والتى أثبتت فى أكتوبر 1973، أنها قادرة على الدفاع عن السيادة وردع أى اعتداء خاصة بعد تهديدات نتنياهو الرعنة والجوفاء بالتوسع على حساب أرضنا والمنطقة العربية، مما ترتب عليه أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت أكثر إدراكًا من أن مصر قادرة على رد أى عدوان، ونحتفى اليوم بما حدث فى شرم الشيخ «مدينة السلام» مؤخراً، وبهذه المرحلة الأولية، التى شهدت حضوراً ودعماً غير مسبوق واستشعر هنا لحظات الفرح مثلى كجميع أصحاب العقول المنصفة المبشرة، بعيداً عن أصحاب السواد والتشاؤم على طول الخط.. لكن هذا لا يعنى الغفلة عن الكثير من الأحقاد ومن الألغام وفخاخ التفاوض الكثيرة التى تحملها المراحل المقبلة وتحديات راهنة ومستقبلية تتطلب أن يكون لدينا قوة الاحتواء والصمود والثقة والتفاؤل بمستقبل أكثر إنسانية وعدلاً. سوق السلاح لماذا غاب التفاوض عن السياسة فى هذه الفترة من تاريخ العالم؟ - بسبب عدة عوامل أهمها تجارة الأسلحة التى تحتاج إلى سوق، هذا السوق يعتمد على المباراة الصفرية، بمعنى رابح وخاسر ومموّل بأسلحة تكلفتها تريليونات الدولارات. أما الحوار والدبلوماسية والتفاوض فكانت فى الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات، حيث كانت توجد مساحة عالية للتفاوض فتمت عدة اتفاقيات أشهرها «أوسلو»، حتى ولو كانت ناقصة؛ وفى عصر الرئيس السادات، رحمة الله عليه، كان يوجد رجال يعرفون ما معنى التفاوض مثل «كيسنجر»، اتفقنا أو اختلفنا حوله؛ لكنه كان عنده حد أدنى للذكاء يجعله لا يلعب مباراة صفرية، وأنه لابد من وجود طرفين يربحان فى النهاية، هكذا حصلنا على الأرض مقابل السلام.. تلك العقليات لم تعد موجودة حالياً ومن ثمّ عمليات التفاوض أصبحت صفرية. دور شكلى كيف ترى دور الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية فى عمليات التفاوض؟ - دور الأممالمتحدة محورى ولكن هذه المنظمة الدولية تعانى ضعفاً شديداً، الأمين العام «أنطونيو جوتيرش»، يذكّر العالم أن الأممالمتحدة وصلت إلى مرحلة أنها أصبحت مثل عصبة الأمم، أى أنها موجودة شكلياً فقط، وبالتالى هو يحذر أنه لابد من عمل إصلاحات بالأممالمتحدة لتفعيل دورها. كما أن دور المؤسسات الدولية مهم جداً، فمحكمة العدل الدولية أو الجنائية الدولية تلك المؤسسات تستغرق وقتاً طويلاً جداً وعملية التنفيذ ضعيفة جداً، ومن ثمّ كيف لعملية تفاوض أن تتم.. التفاوض يحتاج لتقنيات وتدريب فهو مباراة صعبة وأكثر تعقيداً، بينما المباراة الصفرية سهلة ولا تحتاج لأى تدريب وتأثيرها سيكون صفرًا لكلا الطرفين، وهناك أيضاً مباراة تسمى بكيفية مواجهة اللاعب الصفرى وهذه مباراة أصعب وأشق ما يكون وتحتاج مهارات عالية جداً، وأعتقد أن قدر مصر أن تلعب هذا الدور، الدبلوماسية المصرية نشطة جداً فى التعامل مع المعضلات الصفرية الموجودة على الأربع جهات للحدود المصرية، ولاشك أن القيادة السياسية مارست حنكة شديدة فى إداراتها، ويكفى أنه نصب لمصر عشرات الفخاخ لكى تسقط منذ 2011 إلى اليوم ولكن بفضل تماسك الشعب المصرى ووحدته مع جيشه وقيادته ومؤسسات الدولة كل هذا زاد من قوة الدولة وتجاوزنا كل الفخاخ. مصر.. رمانة الميزان كيف تدير مصر ملف التوازنات مع كل من حولها؟ - مصر رمانة الميزان فى المنطقة، فهى تتعامل مع روسيا والصين وكذلك مع ترامب، وقد سبق وأن تعاملت مع بيجن.. الفكرة أنه من المهم أن تأخذ حقك، وأن تحفظ سيادتك هذا هو المعيار الأساسى ولكن بدقة شديدة وبمعادلات منضبطة بحيث يتثنى الاستفادة من ترامب رغم صعوبة الموقف، ورغم تحيزه الضمنى للجانب الإسرائيلى، مصر تجيد اللعب مع اللاعب الصفرى على ألا يمارس صفريته عليها. ما رؤيتك للعلاقات «الأمريكية - الإسرائيلية»؟ - إسرائيل دائماً هى الولاية رقم 51.. الصراع الغربى هو صراع منذ المفرزة الأولى للمستشرقين والهيمنة على المنطقة وكذلك الاحتلال الغربى لها، ومن ثمّ إسرائيل ذراع من الأذرع الغربية وليست نظيرا لها وهى تحت قيادتهم.. لكن أحياناً تحدث اختلافات بينهم كما كان فى حرب 1973 وهذا ما أكده كسينجر فى مذكراته: «لقد قلت للعمة جولدا أرى من خلال الأقمار الصناعية أن وضعكم سيىء جداً فى الحرب فهل تريدون منا التدخل الآن؟.. فرددت علىّ بعجرفة شديدة، وقالت إنها ستعيد المصريين إلى غرب القناة وأنها تعلم جيداً ماذا تفعل.. لذلك قررت أن أتركها حتى تصرخ وتستغيث بنا.. وقد كان.. لقد قالت لى أنقذنا من فضلك».. وبالفعل تمت عملية إنقاذ إسرائيل بأكبر جسر جوى فى التاريخ.. بعد نهاية الحرب صافح كسينجر جولدا مائير وطلب منها وهو يضغط على يدها بشدة لقد أنقذتكم وأريد منك أن تقيمى سلاماً مع مصر، لقد كان يدرك قوة مصر.. الأمريكان يحترمون القوة ومن ثمّ كان هناك ضغط على إسرائيل بل صراع حميد بين أمريكا وإسرائيل من أجل بدء عمل الدبلوماسية على طريق السلام. دبلوماسية مركبة كيف ترى فرص الدبلوماسية فى الوصول لحل تفاوضى للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع من جديد؟ - يتطلب دبلوماسية مركبة جداً ومجهودًا مستمرًا ومستدامًا لأن النقطة الرئيسية أن الفكر الصهيونى يأخذنا إلى فكرة أخرى مثل الحديث عن النووى وإيران وإسرائيل كغطاء على الفكرة الأساسية وهى القضية الفلسطينية.. إذن لابد وأن تكون على رأس الأولويات للمفاوض العربى وخاصةً المفاوض المصرى، لأنه المتبنى الأساسى للقضية الفلسطينية ودافع عنها بشراسة، حل الدولتين وهذا ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى، أنه لابد من حل مشكلة غزة لتحل مشكلة إيران، نحن لا نريد مفاوضات بين إسرائيل وإيران فقط بل مفاوضات على مستوى المنطقة كلها وهذا لن يتم إلا بإنشاء دولتين وحل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا. ما تقييمك للدور المصرى فى حماية أمنها القومى والإقليمى لاستقرار المنطقة؟ - كامب ديفيد حددت أربع مناطق (أ)، (ب)، (ج)، (د). المنطقة (د) موجودة فى إسرائيل أى بمحور فيلادلفيا والمفروض أن هذه المنطقة لا يجب أن يكون فيها قوات نهائياً والأمر كذلك بالنسبة للمنطقة (ج) الموجودة بالجانب المصرى.. قوات الاحتلال دخلت إلى المنطقة (د) إذن القوات المصرية من حقها أن تدخل المنطقة (ج).. الجانب الآخر ينقض المعاهدة بشكل يهدد الأمن القومى المصرى ومن ثمّ رد الفعل المصرى رد إيجابى، كما أن مصر مازالت تحافظ على المعاهدة من جانبها.. وفى رأيى الموقف المصرى قوى ومحترم والعالم كله يشهد بأن مصر تصر على ألا تسقط فى الفخاخ أو تستفز بسبب استفزازات سلبية، وأن كل تحركاتها للردع والحفاظ على أمنها القومى وهذا بالتأكيد من حقها. الذكاء الاصطناعى هل التكنولوجيا التى برز دورها المخيف فى حروب هذا العصر قادرة على حسم الصرعات؟ - بالتأكيد، لأنه مع غياب الحقائق التى حدثت بدقة شديدة على مدار 12 يوماً فى الحرب «الإسرائيلية -الإيرانية» ظهرت خطورة التكنولوجيا فى صناعة كذبة ونشرها إعلامياً بل وجود أذرع كثيرة جداً تذيع نفس الكذبة بطرق متعددة وأكثر من أسلوب حتى تبدو فى النهاية أنها معلومة راسخة، وهذا هو الدور الخطير للذكاء الاصطناعى فهو يعتمد على تعميق الكذبة صوتًا وصورة.