«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 04 - 2010

أمامى 19 تقريرا كتبت فى عام القلق فى ظرف بالغ الأهمية والحساسية، والوقت الذى انتهت فيه ولاية الرئيس جونسون فى الولايات المتحدة الأمريكية ومجىء الرئيس ريتشارد نيكسون خلفا له وبدأ مهامه فى البيت الأبيض 20 يناير 1969
هذه التقارير تثير اهتمامى لوضوح قدرة الأداء والسياسة ثم إن فيها نظرة ثاقبة لدبلوماسى أعتقد أنه يحتل مركزا فريدا فى تاريخ الدبلوماسية المصرية وهو د. محمود فوزى، وقد ذهب فوزى إلى واشنطن فى الفترة التى استقرت فيها الإدارة الجديدة فى الحكم، وكتب من هناك 19تقريرا بمعدل تقرير كل يوم، أراها اليوم ليس فقط لأهمية الموضوعات وأهمية المناقشات التى جاءت فيها لكن أيضا لأنها تثير لدى الاهتمام بمدى الكفاءة ووجود نظرة مبكرة أطلت على الأجيال القادمة فى الأفق البعيد لم تكن لتظهر بعد لكنها لعبت أدوارا مهمة جدا وخطيرة جدا فى كل ما جرى فيما بعد، وتثير هذه التقارير أيضا نوعا من الشجن لأنها تشعرنى دون أن أعارض أحدا بالفارق الكبير للغاية بين سياسة وسياسة وبين رجال ورجال وبين أداء وأداء.
وهنا أود الحديث عن بداية علاقتنا بالولايات المتحدة تحت إدارة نيكسون وقد جاءت هذه الإدارة فى لحظة شديدة الحرج، لأن جونسون قبله كان قد فعل معنا أشياء بعضها كذب صريح لأنه فى ذلك الوقت قال إنه لن يرشح نفسه فى الانتخابات وأمامه 6 أشهر فى الرئاسة وكان هذا الكلام فى يونيو سنة 1968، وانه فى هذه الفترة هو حر من أى ضغط ويستطيع أن يتخذ موقفا عادلا فيما يراه، وكانت هذه أكذوبة لأنه فى نفس ذلك الوقت ارتكب معنا جريمة فى وسط غارات العمق التى كانت إسرائيل تقوم بها آخر 1968، وأوائل 1969، حيث زود القوة الجوية لإسرائيل بسبعين طائرة سكاوى و34 طائرة فانتوم، ولم يحصل عليها الحلف الاطلنطى .
ثم جاء بعده الرئيس ريتشارد نيكسون وكنا نعتقد أننا نعرفه لأنه كان مع أيزنهاور نائبا للرئيس فى أيام السويس، وبعد ذلك دخل مع جون كنيدى فى منافسة على الرئاسة وفاز عليه كنيدى وبعد ذلك رأى نيكسون أن يطوف العالم، وأرسل كنيدى خطابا أشرت إليه من قبل، لأنه قال إن منافسه فى الانتخابات يريد أن يطوف العالم ويريد أن يأتى مصر وطلب منا الاهتمام به.
ونحن كنا مستعدين لمقابلته والحفاوة به تقديرا لأيزنهاور فى السويس لأنه وقف موقفا بالفعل مع المصالح الأمريكية لكنه كان ضد الدول المعتدية.
وظل فى مصر لمدة 10 أيام وكنت مضيفه غير الرسمى، لأن الخارجية أو أى أجهزة أخرى لم تعامله وهو رئيس خاسر ويبدو فى ذلك الوقت أنه رجل بلا مستقبل سياسى، فلما وصل كان فى فندق شبرد ذهبت له وكانت معه زوجته وابنتاه. وأخذته لأسوان ورأى السد العالى وبعد سفره أرسل لعبد الناصر يعبر فيه عن انبهاره بالسد العالى ويتحدث عن الروح الجديدة فى مصر وأنه كان يتمنى أن تكون الولايات المتحدة هى المساعدة على بناء السد العالى، وأنه لسوء الحظ سارت الأمور على شكل آخر.
وحتى لما أصبح رئيسا وقتها كنت أستضيف فى مصر صحفيا كبيرا فى أمريكا هو جوزيف ألسوب، ولما انتخب نيكسون أرسلت له الخارجية برقية تهنئة بالطريقة التقليدية، وتحدث الصحفى ألسوب وقابلنا جمال عبد الناصر، بدأ يتحدث ونحن لا نصدق أن نيكسون رئيس متحيز لإسرائيل، وأنه على الرغم من أن مستشار الأمن القومى لديه يهودى هو هنرى كيسنجر فهو يؤكد أن كيسنجر لن يقترب من الشرق الأوسط، وقال ألسوب لعبد الناصر ابدأها من هنا يا سيادة الرئيس ووقتها صدرت البرقية بالتهنئة من وزارة الخارجية لأننا نعرفه واستضفناه من قبل وجاء رد الرئيس نيكسون أنه يأمل أن يحقق شيئا له قيمة فى أزمة الشرق الأوسط، وتم إبلاغنا بأنه سيرسل حاكم ولاية ويسكونسن وهو صديق لنيكسون لكى يزور المنطقة ويقدم تقريرا بحقائق يراها هذا الرجل، وتقدم للرئيس.
ولكن وضح عندما جاء سكانتم أنهم يريدون التركيز على رسالة فى هذا الوقت كانت مهمة، وهى أننا متطيرون من أن مستشار الأمن القومى هو هنرى كسينجر لأنه يهودى وآراء مسبوقة بانحيازات، وعاش تجربة ألمانيا النازية وخرج مع عائلته وكان عنده وقتها 9 سنوات آثرت فيه، ثم ذهب للولايات المتحدة عمل خلالها كأكاديمى ممتاز وعمل لنفسه اسما معينا فى مجال السياسة الخارجية.
وقال لنا إن الرئيس نيكسون رأى وهو مهتم بالشرق الأوسط أن يطمئن كل الناس إلى أنه قد أجرى توزيعا للاختصاصات فى إدارته وبمقتضى هذا التوزيع فإن مشكلة الشرق الأوسط واقعة فى اختصاص وزارة الخارجية ووزيرها فى ذلك الوقت صديقه ويليام رجورجز وزير الخارجية وهنرى كسينجر لن يقترب من الشرق الأوسط، وهذه كانت طمأنة مبكرة، وعلى أى حال أنا أظن أنها أحدثت بعضا من الارتياح، ولم نكن فى ذلك الوقت نعرف هنرى كسينجر ولكن كنا نعرف عنه ونعرف ما كتبه ولم يكن أحد لدينا قادرا فى ذلك الوقت يضع هنرى كسينجر فى موقعه الصحيح فى حالة اذا تولى منصبا يؤدى به إلى صوت مؤثر فى توجهات الإدارة الأمريكية.
وتوقفت المسائل بعد ذلك لأننا أصبحنا نحتاج اتصالا مباشرا مع الإدارة الجديدة ونتحدث مع الرئيس نيكسون بوضوح، ولكن لم يكن أحد يريد أخذ الخطوة الأولى قد تبدو تلهفا أو عجلة، وقد حصل فى ذلك الوقت أن الرئيس السابق أيزنهاور كان قد توفى وبدا نيكسون يهتم بجنازته باعتباره كان رئيسا لفترة الرخاء والتميز الأمريكى، أيضا كان قائدا لقوات الحلفاء المنتصرة أمام هتلر، وكرمه العالم فى وفاته وذهب خمسون وفدا من العالم للعزاء وتقرر فى ذلك الوقت أن يرأس أ. د.محمود فوزى وفدا للولايات المتحدة ليقدم واجب العزاء للرئيس الجديد على المستوى الرسمى والعام باعتباره قريبا لأيزن وذهب فوزى.
وأريد ان أطل على كيفية تصرف هذا الرجل فى هذه المهمة وما الذى توصل إليه، لأن الذى توصل إليه ما زال مؤثرا حتى هذه اللحظة مقدما 19 تقريرا.
حينما قابل الدكتور فوزى الرئيس نيكسون فى مراسم العزاء، وقابل وقتها الملك حسين ووزير الخارجية لكنه رأى أن يقابل كسينجر لأن هناك شيئا قد لفت نظره فعمل تقريرا، ثم قابل نيكسون مرة أخرى ثم الملك حسين، وعمل انطباعات عن هذه المقابلات وتوصيات وهو موجود فى واشنطن، ثم عمل تقريرا عن مقابلة مع نائب وزير الخارجية ريتشارد نيكسون والذى أصبح بعد ذلك وزير خزانة، وقابل المندوب الفرنسى ووزير خارجية فرنسا وسكرتير عام الخارجية الفرنسية هرهير هرفون وقابل سفراء السوفييت والهند، و كتب الدكتور فوزى تقارير عن هذه المقابلات تلفت النظر.
وسأعرض أول تقرير عندما قابل نيكسون وقال فيه استقبلنى الرئيس على حدة عقب الاستقبال العام الذى أقيم فى البيت الأبيض للوفود التى اشتركت فى جنازة الجنرال أيزنهاور، وقد علمت أنه استقبل 11 من رؤساء الوفود إما واحدا فواحدا أو مجموعات فى اثنين وثلاثة.
وقد رأيت تقارير كثيرة بها الخيال الروائى أكثر من الحقائق وللأسف الشديد لكنها مرت.
وقال فوزى فى تقريره إن استقباله كان دافئا ومتفتحا وأن الأيام ستظهر السياسة الحقيقية للولايات المتحدة وإن نيكسون وذكر زيارته لمصر سنة 1963، وقال إن زوجة نيكسون قابلت سيادتكم وأن نيكسون وجه كلامه لهنرى كسينجر وكلامه يتحدث عن ذكرياته فى مصر وعما رآه مع عبد الناصر، وقال فى النهاية إننا نريدكم أن تعرفوا أننا فى عهد جديد ونريد أن نبدأ بداية جديدة سويا.
وقال نيكسون لفوزى أن ينتظر وألا يسافر من واشنطن لمدة أسبوع لأنه لم يعطه الوقت الذى يريده وبالتالى يريد أن يذهب لمسقط رأس أيزنهاور وبعد الجنازة سيقابله.
وقد كتب فوزى فى البند الثانى من تقريره إنه انتظر نيكسون لمدة عشر دقائق مع ويليام روجرز وزير الخارجية ولفت نظره أن كسينجر قد جلس معه، وهنا الفرق بين الدبلوماسى وبين شخص يؤلف، وقال فوزى سبق استقبال كسينجر حديث قصير ثم دخلنا جميعا لنيكسون ولفت نظرى أن كسينجر لم يتحدث معى إلا فى شئون الشرق الأوسط، على غير ما ورد عنه وما أبلغ أنه يجانب الحديث عن الشرق الأوسط، وتكلم كسينجر عن محادثات الدول الأربع فى الشرق الأوسط لا تصل لنتيجة، وأن الحل هل يتوصلون إليه أم يأتى من الخارج، وقال كسينجر أن الحل أن يتحدث الأطراف، وسأل عما اذا كان بامكان الدول العربية الاعتراف بوجود إسرائيل، فأجابه فوزى: إننا مستعدون الاعتراف بالحدود الآمنة كما جاء فى قرار مجلس الأمن، ولا يمكن أن نعترف بحدود لشىء غير موجود لأن إسرائيل ليس لديها حدود، وسأل كسينجر عن فاعليات عملية السلام التى تم التوصل إليها.
وهنا فوزى يتحدث عن رجل أبلغنا أنه لا يتحدث عن الشرق الأوسط لكن هنا هذا الرجل لا يتحدث إلا عن الشرق الأوسط حتى فى لقاء تمهيدى وسط مراسم، ودخل وحضر أول مقابلة لفوزى مع الرئيس نيكسون.
وأجد فوزى يتحدث مع روجرز عن صياغات فيقول الأخير له نريد سلاما ولن نعطى إسرائيل حق الفيتو على تصرفاتها ويتحدث عن القضايا المعقدة كمشكلة اللاجئين، ثم قابل فوزى الملك حسين وكان متفائلا فى ذلك الوقت وأنه من الممكن مع الإدارة الجديدة تحقيق شىء، ونصح الملك حسين أن تعيد مصر العلاقات مع أمريكا لأنه لا بد من التحدث معه، وأنها فرصة تاريخية قبل إقلاع القطار أو آخر عربة فى القطار واللحاق بها أو لا نلحق.
وعندما وجد الدكتور فوزى أن كسينجر لم يكن بعيدا عن الشرق الأوسط كما أبلغنا طلب موعد لمقابلته وتحدث عن وجود فرصة لتحسين العلاقات بيننا وبين أمريكا، فأجاب د. فوزى بالطبع هناك فرصة، وسأله عن القابلية للسلام، فقال فوزى له نحن قبلنا السلام فى قرار 242 ولكن هناك شروطا، وقال كسينجر، ما الذى تستعدون لإعطائه فرد فوزى أنه لن يستطيع أن يقول قبل أن يعرف استعداد الطرف الآخر لأن هذا الطرف يحتل أراضى ويضغط علينا.
لكن كسينجر قال إن كل حرب فى التاريخ يجلس الناس على مائدة فقال له فوزى أنا أعرف التاريخ جيدا والجلوس على مائدة لا يمكن إلا إذا تغير الأمر أو بدا حقائق سوف تتغير على الأرض، ونحن لا نستطيع مناقشة أى شىء فى واقع الأمر.
وسأله سؤال بالغ الأهمية لأنه يعطى ظلالا على ما هو قادم، هل ممكن ان تتفاوض اسرائيل مع كل دولة عربية على حدة لأنه لا يمكن أن تتفاوض إسرائيل وحدها مع كل الدول العربية، فقال له الدكتور فوزى هذا غير مقبول فنحن دخلنا معا ونحن مرتبطون بمصير واحد ونحن لا نستطيع أن نتحدث بمفردنا أو جبهة وحدها تدخل وتخرج، فقال له كسينجر لكن سوريا تقبل بقرار مجلس الأمن 242 فقال فوزى اذا توصلنا لقبول مبدأ الانسحاب الكامل فلا أظن سوريا حتى لو لم تقبل قرار مجلس الامن سوف تمانع أو تعارض فى استرداد الأراضى. فسأله كسينجر عن قلق الملك حسين وظروف الفدائيين وأحواله وأحوال الأردن وأن الملك حسين مستعد لحل منفرد لوحده، فهل فى حالة قبول الملك حسين واذا استطاعت تبرير هذا الحل، فقال فوزى نحن من أنصار أن يحصل الملك حسين على كل الحق لكن نحن نرى أن هذا لا بد ان يتم فى إطار شامل لأنها فى النهاية قضية واحدة، وأنهم بالفعل فى جبهات مختلفة لكنهم مشتركون فى قضية واحدة هى قضية فلسطين إسرائيل فى هذه اللحظة كقوة الاحتلال.
وهنا نرى كسينجر شديد الوضوح ولم نكن نعرف أنه سيمسك ب99% من أوراق حل الشرق الأوسط، لكن هنا مبكرا سنة 1969 يتحدث مع ما يمكن ان نعطيه وان إسرائيل تحتاج إلى طمأنينة ولن تتحدث معنا جميعا وكل على حده، وكان يريد أن ينتزع الأردن ليحل المشكلة معها ولكن لم يتصور أحد فى الدنيا أن هذه البلد التى سيتم الحل معها بشكل منفرد ستكون مصر فى كل الأحوال.
وتحدث كسينجر بعدها عن نزع سلاح سيناء مبكرا لطمأنة اسرائيل وأن التقرير الذى كتب فى خمس أو ست صفحات كان فيه عنصر المواجهة مع الاتحاد السوفييتى، وشعر فوزى أن فى ذهن كسينجر باستمرار قضية الاتحاد السوفييتى وماذا يفعل مع الاتحاد السوفييتى، وما يراه كسينجر خاصة فى كتابه «عالم يعاد بناؤه» وكتبه عن فترة الحزب المقدس فى أوروبا سنة 1814 و1815 وتضمن اعادة رسم خريطة أوروبا وقيام ممالك وسقوط ممالك وتغيير حدود إلى آخره، وانا قرأت الكتاب ولم أتخيل أن يركز فى كتابه عن ميترنيخ الوزير الأول النمساوى فى ذلك الوقت وقد اعاد رسم خريطة أوروبا وكان شيئا بعيدا لا يخطر على بال أحد.
وتسير التقارير بوضوح وقابل فوزى نيكسون مرة أخرى وعاد وكان كسينجر موجودا ولم يكن روجرز موجودا، واجتمع فى المكتب البيضاوى فيه فوزى والرئيس الجديد وكسينجر، وموجود من الخارجية جوزف سسكو وكيل الخارجية ولكن وزير الخارجية لم يكن موجودا.
وتحدث فوزى فى التقرير الذى كتبه عن هذه المقابلة وسأل كسينجر عن معاهدات السلام وقال نحن لسنا فى عجلة لعودة العلاقات نحن نريدها ولكن نرجوكم التفكير بصورة شاملة، وفكروا فى التسوية الشاملة، وفى ماذا ستقدمون، ويبدو أن دور كسينجر أكبر مما تصور أى أحد.
وتحدث فوزى مع يودل ويعطيه تصوره للشكل للوصول إلى تسوية واقتراح فوزى أنه لا يمكن أن نجلس فى معاهدات مباشرة وأن الحل الوحيد فى رأى فوزى ويتحدث فيه مع سكرتير الأمم المتحدة أن نكتب ورقة تتضمن معنى السلام وتكتب إسرائيل ورقة تتضمن معنى الانسحاب، ونحن نضع تصورنا للتسوية السلمية وهم يضعون تصور للانسحاب الكامل من الأراضى وأننا نذهب كل واحد فى موعد وفى يوم مختلف ويوقع وثيقته فى مكتب السكرتير العام لأنه من المستحيل أن يجتمع الطرفان فى مفاوضات مباشرة.
وأجد فى آخر تقرير لفوزى يقابل ارين ريتشارد سونج وهو مساعد وزير الخارجية وأصبح وزيرا للخزانة وقال له الأخير أرجو أن تكون زيارتك ممتعة ومثمرة فرد فوزى أنه قد تكون ممتعا ولكنها لم تكن مثمرة لأنها لو كانت مثمرة قد تكون مفيدة وأنا لا أظن أنها كانت مفيدة من ناحية النتائج العلمية.
وعاد فوزى بعد أن قدم تقارير تفخر بها أى دبلوماسية فى العالم وأى سياسة لأن الخارجية لا تعنى علاقات عامة أو الدفاع عن سياسات راهنة وخطب وتصريحات ومؤتمرات، فالمهم هو كيف يمكن أن يطل على الطرف الآخر.
وحاول فوزى خلال مقابلته لعبد الناصر أن يضع انطباعات لاحقة بتقاريره التى أرسلها من واشنطن وقال فوزى انه لا يظن أن السياسة الأمريكية سوف تتغير فى المستقبل وفى ظل الأوضاع الراهنة، وأن الولايات المتحدة ستستمر فى إطلاق الأصوات الضرورية والإشارات الموحية وعلينا المتابعة باهتمام ولكن لا نتوقع تغييرات، ولفت نظره أيضا العلاقات مع السوفييت والتى هى الشاغل الاستراتيجى للإدارة الجديدة والشرق الأوسط يدخل فى دائرة الصراع، وهناك معركة دائرة فى الادارة عمن يتولى الشرق الأوسط، مع أن نيكسون وزع الاختصاصات من باب طمأنة العالم العربى أن يبعد كسينجر عن أزمة الشرق الأوسط ويحصرها فى روجرز فإن رأيه أن كسينجر وما يبدو من تصرفاته وبصرف النظر عن أى أقوال سمعناها هو الرجل الذى يريد الامساك بالشرق الأوسط ولكنه يريد ان يتحين الفرص، وأن قضيتنا مرهونة بما نستطيع أن نقدمه نحن من ورائها بقوة محسوبة ومن عوامل ضغط مؤثر.
وقال فوزى إنه لفت نظره فى كلام كسينجر أشياء لها معنى او قد يكون لها معنى وبالفعل لها معنى وكان هناك صراع محتدم بين كسنجر وروجرز، وكان الأول المساعد الرئيسى لدينسلون روكفدا الذى كان مرشحا للحزب الجمهورى ونيكسون فاز عليه بمعجزة، وهذا الرجل أخذ مستشار أول لخصمه وأخذه معه، وكسينجر كان كل ما فيه يعارض مشاعر نيكسون وأن يأخذه كمستشار مسألة غريبة، وكان نيكسون بطبيعته يكره المثقفين وكان يعتقد أن الجامعات فى الولايات المتحدة وحتى فى وقت هاور وكيندى وجونسون كانوا معادين له لأن نيكسون يمينى بقسوة.
والشىء الآخر أن نيكسون يكن عداء شديدا لليهود ففى إحدى تسجيلاته السرية والتى اخذت ضده فيما بعد حينما قال لمساعده فى المكتب البيضاوى سنة 1971 كل الناس الموجودين حولنا يهود، فرسلى جال، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، فى هذه اللحظة وهو رمز المؤسسة الحاكمة فى أمريكا، ومساعد وزير الدفاع مورتن يهودى وهونفن الذى يعمل فى التوجيه السياسى ووضع الخطط يهودى، وهنا يذكر الرئيس نيكسون اليهود فى الادارة دون ذكر اسم مساعده الأول وبعد ذلك قال فى تسجيل آخر هذا الولد اليهودى.
وقال نيكسون لمساعده كل اليهود مولودون جواسيس ويستغرب من كل هؤلاء اليهود فى الادارة، والغريب أن كسينجر كان أول تعيين فى ادارة نيكسون الجديدة كمال قال كسينجر فى مذكراته السنوات القلاقل وفوجئ بهذا القرار وقال نيكسون له إن روجرز للخارجية وكان متفوقا فى المحاماة والتفاوض ولكنه لا يعرف شيئا عن السياسة الخارجية، وأحضره معى وأقصد ذلك لعدم معرفته عن السياسة الخارجية لأنه يريد أن تكون فى البيت الأبيض وفى يد رئيسه وهو كسينجر، وتبدو تصرفات نيكسون غريبة كأنه رجل من خارج المؤسسة وتكرهه المؤسسة وكأنه كان راغبا فى إرضاء مجلس العلاقات الخارجية وكأنه كان راغبا فى ارضاء كل واحد فى مراكز القوى فى الولايات المتحدة فأحضر أحدا ليطمئن الجميع وهو يكرهه وأعطاه سلطات غير طبيعية فى البيت الأبيض، رغم أن روجرز وأنا كنت أعرفه لما كان محاميا للواشنطن بوست وعضو مجلس ادارة بها، وكان على خلق ومستعدا لممارسة سياسة بشكل متوازن.
ومن معايير الدبلوماسية هو كان يمكن أن نقيس دبلوماسيا وهل كانت له قيمة أو لم يستطع أن يفعل شيئا، ولما أجد ما قاله فوزى وأراجع الوثائق بعد ثلاثين سنة، ونرى لأى مدى بشأن ما كان جاريا فى الداخل ولكن كيف لمح فوزى الحقائق وكيف تطابقت مع الحقائق التى كانت تجرى أمامى ونحن نقرأ الوثائق فيما بعد، ولما نرى اجتماعات المجلس القومى وأول اجتماع أجد أن كل ما لمح مبكرا لفوزى كان موجودا فى مناقشات المجلس القومى وأجد هنا فى اجتماعات المجلس القومى وما رآه فوزى هو الذى يعنينى ونجد محاضر اجتماع الأمن القومى وهى قاطعة وأول وثيقة نجدها ويخشى كسينجر من أن يبدأ روجرز فى التصرف أو الخارجية فيطلب رأى وزارة الدفاع والمخابرات فى خمس أسئلة يطلب ماذا يريدون من الشرق الأوسط، وحددوا المناطق الحيوية والقوة النسبية لكل طرف الذى سنتفاوض معه ويحددون أين السوفييت والنقاط المهمة التى يجب المحافظة عليها.
وفى الوثيقة الثانية محضر اجتماع للمجلس وهو مثير لأن الرئيس الجديد يناقش كل أوضاع الشرق الأوسط والمنطقة مع الحضور ويسأل كسينجر هو من يوجه الأسئلة، ويسأل عن موقف السوفييت ودخولهم وهل يوجد احتمال من الأسطول السوفييتى أمام الأسطول السادس وهل يمكن أن يقدموا على مناورة أكبر، ويسأل كسنجر ماذا يحدث لو ضرب الاسرائيليون السد العالى ونسفوه، وطلب بالمحافظة على القواعد الأمريكية فى ليبيا والقواعد الأمريكية فى الخليج وحافظ على الأسطول السادس فى البحر الأبيض وقد نحتاج إليه فى وقت لاحق، ومعنى هذا كله اننا أمام رجل يحاول أن يحاصر ولا يحل وتحدث عن لبنان وعلاقة مصر بالجزائر وما هو الممكن قيام به فى الجزائر وهناك عدد من الخبراء موجودون فى القاعدة البحرية، والاتجاه فى القرارات أنه لابد أن ننتظر، وطلب كسينجر لتمهل ليروا بعض التغييرات فى مواقف الدول العربية كما جاء الملك حسين وطلب الصبر والانتظار لبعض التفاعلات.
وهنا الإدارة مختلفة والصراع السوفييتى مؤثر عليها أكثر من أى اعتبار آخر وحد فى الادراة الأمريكية مسئول عن توجيه الأمور ويلمحه فوزى وأجده فى الوثائق وهو كسينجر ويقوم بأشياء ملفتة للنظر.
أى رئيس جديد لا يأتى فارضا سياسة فالسياسة موجودة ترسمها مصالح وجغرافيا وتاريخ وأمن إلى آخره، وهذه المصالح ثابتة، وأى رئيس جديد يأتى يلقن دروسا وليس ليعلم لكنه يتعلم فى مجلس الأمن القومى وهذا يعلمنا شيئا عن أوباما، بعد تصورنا لأشياء فالرئيس الجديد لا يستطيع أن يفرض على الادارة شيئا وعلى السياسة أو الاستراتيجية الموجودة كما يشاء ويهوى وهو يتعلم، وأكثر ما يمكن تقديمه نظرته فى التعبير عن هذه السياسات المستمرة والدائمة، ونجد هنا برقية من السفير برجرز، والسفراء الأمريكان فى العادة أربع أنواع: هناك الدبلوماسيون الطبيعيون، وهناك السفراء المتصلون والذين قاموا بأدوار مع المخابرات، وهناك نوع مخابرات وهناك التعيينات السياسية، وكان النموذج للسياسى الدبلوماسى المحترف السفير رجويف باتر والنموذج المتصل بالمخابرات برجس .
وهنا برقية من برجس أجد أن مطلوبا من برجس وهو قائم بالأعمال مقيم فى القاهرة وكان موجودا ايام جونسون وبعده نيكسون فقال لهم من القاهرة أننى اعتقد أنه سوف يكون هناك وقت طويل لنستعيد مع عبد الناصر الثقة وربما لا نستطيع تحقيق ذلك مع نظام ناصر وربما علينا انتظار خليفته، أظن أن الصورة تبدو واضحة لإدارة تبدو فى أول عهدها بها واضح تماما عوامل الاستمرار والتغيير.
اقرأ أيضا:
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.