د.محمد أبوالفتوح تعَدُّ المتاحف من أهم المؤسسات الثقافية التى تحفظ الذاكرة الوطنية، وتوثّق مسيرة الحضارة، وهى ليست مجرد أماكن لعرض اللُّقى الأثرية والقطع الفنية، بل فضاءات تربوية ومعرفية ومصادر اشعاع تاريخية وثقافية وفنية ووجود المتاحف فى مجتمع من المجتمعات دليل على ما يملكه هذا المجتمع من حضارة عريقة، وتاريخ كبير، كما يدل على رقى ثقافة هذا المجتمع، وحرصه على الحفاظ على تراثه الوطنى وموروثه الحضاري، وتقديره للفن والابداع الإنساني. وزيارة المتاحف وتجربة راقية تستدعى من الزائر قدراً من الوعى والاحترام، وتتطلب التزامًا بآداب الزيارة التى تكفل صون المعروضات، وتوفير مناخ حضارى يليق بقيمة المكان، فلا تكتمل قيمة المتحف بثراء مقتنياته فحسب، بل بتوفر بيئة تتيح التأمل العميق، والمعرفة المتأنية وكلما التزم الزائر بآداب الزيارة، ازدادت التجربة ثراءً وعمقاً، وشعر الزائر بأنه شريك فى حماية التراث الإنسانى لا مجرد متفرّج عليه. وكما أن للزائر حقوق عند المتاحف ينبغى توفيرها، ومنها: حُسن عرض المقتنيات المتحفية، وخلق أجواء من الراحة والهدوء والمتعة، وتوفير أنشطة ثقافية وتربوية ممتعة ومفيدة، وتوفير متاجر وكافيات، ومكتبات، وحديقة متحفية راقية، تسمح للزائرين بقضاء وقت يجمع بين المتعة والإفادة، فإنه وعلى الجانب الآخر، ينبغى أن يلتزم الزائر بآداب الزيارة لمثل هذه الأماكن ذات الطبيعة الخاصة، والقيمة العالية. والتزام الزائر بآداب الزيارة المتحفية ليس واجباً أخلاقياً فحسب، بل هو استثمار فى حماية التراث فمعظم المعروضات فى المتاحف قطع نادرة، وثمينة، وذات قيمة، وأغلبها قد يكون فى حالة من الضعف والحساسية، وأى لمس أو عبث بها قد يعرّضها للتلف، الذى لا يمكن إصلاحه كما أن التزام السلوك المتحضّر يخلق تجربة مريحة لجميع الحاضرين، الزائر وغيره من الزائرين، ويعكس صورة ثقافية راقية للمجتمع. وتتمثل آداب دخول المتحف والتجول فيه، بدايةً من احترام أنظمة الأمن والتفتيش، فمن المعروف أن المتاحف تشترط إجراءات تفتيش دقيقة، تستهدف حماية مقتنياتها، وضمان سلامة زوَّارها. ومن هنا، يصبح احترام التعليمات، واجبًا أخلاقيًا قبل أن يكون التزامًا تنظيميًا، فينبغى للزائر التعاون مع أفراد الأمن، وعدم إبداء تذمر من عمليات التفتيش، والالتزام بترك المتعلقات الشخصية، التى لا يُسمح بدخولها المتحف، فى الأمانات المخصصة لذلك هذه الإجراءات لم توضع للتضييق على الزائر، وإفساد زيارته، وإنما حرصًا عليه ولمنع أى ضرر محتمل قد يصل إلى المجموعة المتحفية. ولعل من السلوكيات الضرورية، التى يجب على زائرى المتاحف الالتزام بها طوال زمن الزيارة، الحرص على الهدوء وعدم احداث ضوضاء أو جلبة؛ حفاظًا على أجواء الزيارة، وعدم الإساءة إلى الآخرين من مرتادى المتحف وإفساد متعتهم وزيارتهم، فمن المفترض أن تكون المتاحف أماكن هادئةً تسمح بالتأمل والمعرفة لذلك يجب خفض الصوت أثناء الحديث، وتجنّب الصراخ أو الضحك المرتفع، كما يُنصح بإغلاق الهواتف أو ضبطها على وضع الصمت. ومن محظورات الزيارة المتحفية، عدم لمس المعروضات، فأغلب القطع المعروضة حسَّاسة للغاية، وبعضها يكفى أن يلمسها الزائر لتتعرض لتلف بطيء غير مرئي. تظهر آثاره بعد مدة من الزمن. فالمقتنيات المعروضة، مهما بدت صلبة للعين المجرّدة، قد تتأثر بأبسط الممارسات غير السليمة. لذلك يُمنع لمس المعروضات منعاً باتاً، إلا فى المتاحف التى تسمح بذلك صراحةً ضمن أقسام تفاعلية مخصصة. والمتاحف ليست أماكن للطعام والشراب، ولهذا ليس مسموحًا بإدخال الطعام والشراب داخل المبنى المتحفى المشتمل على قاعات وفتارين العرض وما تتضمنه من مقتنيات وقطع فنية وأثرية، فوجود الطعام داخل المتحف قد يعرّض هذه المقتنيات للتلف ولانتشار الحشرات الضارة، كما يمكن أن يؤدى إلى انتشار روائح غير مقبولة أو اتساخ يسيء لمظهر المكان. وأن يتم تناول الطعام فى الأماكن المخصصة لذلك خارج المبنى المتحفى المخصص لقاعات العرض وفتارينه. وزيارة المتاحف تُعدّ فرصة تعليمية ممتازة للأطفال، لكن وجودهم يستلزم رقابة من الأهل لمنع الركض، أو لمس المعروضات، أو إحداث ضوضاء قد تزعج الآخرين. كما يجب الالتزام بمسار الزيارة، فكثير من المتاحف تعتمد مسارات محددة لضمان انسيابية الحركة، وتجنب الازدحام، ومن المهم السير وفق هذه المسارات، وعدم العودة للخلف بشكل يعرقل الزوار الآخرين. وكذلك يجب اتباع تعليمات التصوير، فقد يُمنع التصوير حفاظًا على القطع التى تتضرر بفلاش الكاميرا وما يخرج منه من أشعة. من هنا يجب الالتزام بالتعليمات المعلنة، وإن سُمِح التصوير، فيُفضَّل أن يكون بلا فلاش. وكذلك مراعاة الآخرين عند الوقوف أمام المعروضات، فمن غير اللائق الوقوف طويلاً أمام قطعة معروضة بطريقة تعرقل رؤية الآخرين. كما ينبغى تجنّب التجمهر. وعلى الرغم من وضوح هذه الآداب، إلَّا أن بعض الزوار قد يخالفونها عن قصد أو جهل، فتنتشر السلوكيات الخاطئة والتصرفات غير المقبولة، التى لا تؤثر فقط فى تجربة الزوَّار الآخرين، بل قد تؤدى إلى إتلاف مقتنيات لا تُقدر بثمن، وهو ضرر يمتد أثره إلى الإنسانية كلها. وفى مواجهة مثل هذه التصرفات داخل المتحف، يأتى دور الزائر الواعي، أو المثقف، الذى إذا صادف سلوكاً مسيئاً، فالأصل أن يتعامل معه بهدوء واحترام، فيقوم بتنيه، وتوعية، من يسيء السلوك دون عصبية وتوتر. وفى حال استمرار الشخص فى السلوك المسيء، أو إذا كان الأمر يتجاوز قدرة الزائر على المواجهة، فمن الأفضل التوجّه مباشرةً إلى موظفى المتحف المدرَّبون على التعامل مع هذه الحالات بطريقة رسمية وفعّالة دون تصعيد وفى حالة المجموعات السياحية ينبغى على المرشد السياحى توعية أفراد مجموعته قبل دخول المتحف بالالتزام بآداب الزيارة، والتعليمات والارشادات طوال مدة الزيارة. وعلى إدارة المتاحف توفير لافتات توعوية وارشادية واضحة وبلغات مختلفة، وتدريب الموظفين على التصرف فى حالات الإساءة، واستخدام كاميرات المتابعة لتوثيق المخالفات كما يمكن للمتاحف تنظيم حملات توعوية، أو تقديم نشرات صغيرة للزوار عند المدخل تتضمن أهم الإرشادات المطلوب الالتزام بها. ويمكن القول: إن زيارة المتاحف ليست مجرّد نزهة، بل هى تجربة تربوية وثقافية تتطلب قدراً من المسؤولية واحترام المكان والآخرين والالتزام بآداب المتاحف هو احترام للتاريخ، وللجهود التى تبذلها المؤسسات الثقافية لحماية التراث وعندما يلتزم الزائر بآداب المتاحف، فإن ذلك ينعكس إيجاباً على الجميع. فالزائر يصبح أكثر قدرة على الاستيعاب والتأمل، وتصبح الزيارة تجربة معرفية ممتعة، كما يشعر الآخرون بالراحة والطمأنينة. ولكى تكون الزيارة المتحفية نافعة وممتعة، يتطلب الأمر توعية حقيقية مسبقة بأهمية وقيمة الآثار، هذه التوعية هى التى ستشكل حماية حقيقة للآثار والتراث، والحفاظ عليهما، ويتأتى ذلك من خلال التعليم والإعلام، ومن خلال الزيارات التعليمية للمتاحف والمواقع الأثرية، والفعاليات المجتمعية، ونشر المحتويات الجذابة على مواقع وسائل التواصل وغيرها من الوسائل الجاذبة التى تعمِّق الانتماء وحب الآثار. كما أننا فى حاجة إلى تربية متحفية حقيقية، يتحول فيها المتحف من مكان للعرض إلى بيئة تعلّم نشطة تُحفّز على التفكير، وتُشرك المتعلم، وتبنى علاقة واعية بين الإنسان والتراث، وذلك من خلال رؤية واضحة عما يجب أن يتعلمه الزائر، وأن يتم هذا التعلم بالتجربة والاكتشاف لا بالتلقين، وربط المعروضات بحياة الناس وقضايا العصر، وخلق أنشطة تفاعلية، مثل: الورش، والألعاب، والتجارب، والتقنيات الرقمية. وكذلك من خلال مرشدين مؤهّلين يعرفون كيف يثيرون الحوار والتفكير. إضافة إلى الشراكة المجتمعية الواعية والتقييم المستمر.