كان من المحتم أن يصاحب افتتاح المتحف المصري الكبير في الجيزة مطالباتٌ باستعادة عدد من أشهر القطع الأثرية التي نجت من أيام الفراعنة، غير أن هناك أصواتًا عالمية معارضة لهذه الخطوة. من أبرزها رأي ديفيد أبولافيا، الأستاذ الفخري لتاريخ البحر المتوسط في جامعة كامبريدج، الذي صرّح في مقالٍ نُشر يوم 5 نوفمبر الحالي في مجلة ذا سبيكتاتور البريطانية العريقة، تحت عنوان «حجر رشيد لا ينتمي إلى مصر»، بأنه يرفض إعادة الحجر إلى مصر. يشير أبولافيا إلى أن حجر رشيد، رغم أهميته التاريخية والثقافية، ليس قطعةً مصريةً بحتة، بل وثيقة مهمة في تاريخ العلم الأوروبي، حيث ساهم فى فكّ شفرة الهيروغليفية، ووضع حدًا للنظريات الخيالية التى كانت تزعم أن المصريين القدماء يمتلكون معرفةً سحريةً لصنع الذهب من المعادن الرخيصة. ويضيف أن الحجر يعود إلى عهد البطالمة عام 196 قبل الميلاد، إذ نُقش فى زمن بطليموس الخامس، ويضم نصوصًا بثلاث لغات: الهيروغليفية المصرية، والديموطيقية، واليونانية. لذلك يراه جزءًا من التراث الثقافى المتعدد الأبعاد، وليس مجرد قطعة أثرية مصرية أصيلة. ◄ اقرأ أيضًا | الإقبال الكثيف وراء نفاد تذاكر المصريين بالمتحف المصري الكبير تاريخ الحجر معقد؛ فقد اكتشفه مهندسو نابليون عام 1799 أثناء الاحتلال الفرنسي لمصر، ثم صادرت القوات البريطانية الحجر بعد طرد الفرنسيين، ليصبح جزءًا من متحفهم. هذه الرحلة الطويلة والمليئة بالأحداث جعلت الحجر أحد أهم الرموز الأثرية على مستوى العالم، بحسب أبولافيا، الذى يشدد على أن مكانه الأنسب هو متحف عالمي كبير، متاح للجمهور، كما هو الحال في المتحف البريطاني، الذى يتيح للزوار التعرف على أهمية الحجر ضمن السياق العلمي الأوروبي. ويشير المقال إلى أن ديفيد أبولافيا لا يطالب باستعادة كل القطع المصرية، وإلا لأصبح أكبر متحفٍ للآثار المصرية خارج مصر، وهو متحف تورينو في إيطاليا، خاليًا تمامًا من معروضاته. وتوضح تحليلات أبولافيا أن حجر رشيد قضى معظم حياته كقطعةٍ مهملة، ولم يكن عنصرًا جماليًا مميزًا، بل اكتسب أهميته من دوره في التاريخ العلمي الأوروبي. ومع ذلك، يرى المصريون أن الحجر جزء لا يتجزأ من تاريخهم، وأن استعادته تمثل حقًا وطنيًا وأخلاقيًا، خاصة بعد افتتاح المتحف المصرى الكبير، الذى يوفر البنية التحتية الحديثة للحفاظ على القطع التاريخية وعرضها بشكل لائق. لكن هذا الرأي لم يمر دون ردٍّ من مصر، حيث صرح الدكتور زاهي حواس، وزير السياحة والآثار الأسبق، بأن «حجر رشيد ليس مجرد قطعة أثرية، إنه رمز الهوية المصرية وجزء لا يتجزأ من تاريخنا. نحن لا نطلب إعادته من أجل الثرثرة أو بدافع الشعور الوطني فقط، بل لأن المتحف المصرى الكبير مجهز بأحدث المعايير لحفظ القطع وعرضها بطريقة تحافظ على قيمتها التاريخية والفنية». وأضاف حواس: «المتحف الكبير فى الجيزة يضع هذه القطع فى سياقها الحقيقي، محاطًا بأهم آثار الفراعنة، بما فى ذلك توت عنخ آمون والأهرامات، مما يمنح الزائر تجربة متكاملة لا يمكن أن يحصل عليها فى لندن أو باريس. استعادة حجر رشيد تمثل حقًا تاريخيًا وأخلاقيًا لمصر، تمامًا كما هو الحال مع تمثال نفرتيتى في برلين، وزودياك دندرة في اللوفر». يبقى الجدل حول حجر رشيد مثالًا حيًّا على التوتر بين المنظور الأوروبي التاريخي والعلمي، والمنظور المصري الوطني والثقافي، ويطرح سؤالًا جوهريًا حول حقوق استعادة التراث الثقافي المنقول خلال فترات الاستعمار: هل ستختار المتاحف الأوروبية العدالة، أم ستتمسك بالموروث التاريخى الغربى فقط؟!