مع اقتراب موعد الافتتاح العالمي المنتظر، تتجه أنظار العالم إلى هضبة الأهرامات حيث يقف المتحف المصري الكبير شامخًا كأيقونة جديدة على أرض الحضارة، ليحكي قصة مصر من فجر التاريخ حتى العصر الحديث. فهو ليس مجرد متحف، بل بوابة زمنية تعيد للأذهان عبقرية المصري القديم، وتجسد رؤية الدولة المصرية في تقديم ماضيها العريق بروح معاصرة، لتعلن من جديد أن مصر ما زالت قلب التاريخ النابض. من جانبه، قال الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، في تصريحات خاصة ل «بوابة أخبار اليوم»، إن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل لحظة تاريخية فارقة، مؤكدًا أنه ليس مجرد مشروع أثري، بل «أيقونة حضارية تجمع بين عبق الماضي وروعة الحاضر»، وتعيد لمصر وهجها الثقافي في أعين العالم. وأوضح عبد البصير أن المتحف المصري الكبير يُعد المشروع الثقافي الأكبر في القرن الحادي والعشرين، مشيرًا إلى أنه بُني على مساحة هائلة بجوار أهرامات الجيزة ليُكمل المشهد التاريخي في تلاحم بصري فريد بين الماضي والحاضر. اقرأ أيضا| المتحف المصري الكبير.. «الهرم الرابع» يستعد لاستقبال العالم وقال إن تصميم المتحف جاء ليُحاكي شعاع الشمس المنطلق من قمم الأهرامات، في تجسيد رمزي للعلاقة الأبدية بين الخلود والنور في العقيدة المصرية القديمة. وأضاف أن المتحف يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل جميع مراحل التاريخ المصري، بدءًا من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، مؤكدًا أن «مجموعة الملك توت عنخ آمون» ستكون مركز الاهتمام العالمي لحظة الافتتاح، إذ تُعرض كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922. وأشار عالم الآثار، إلى أن قاعات العرض الجديدة ستقدم تجربة تفاعلية غير مسبوقة باستخدام أحدث تقنيات العرض المتحفي، بما يسمح للزائر بالتحرك بين العصور، ورؤية التاريخ كما لم يره من قبل. كما لفت إلى أن المتحف يجسد رؤية الدولة المصرية في جعل الثقافة والتراث قوة ناعمة تسهم في تعزيز الهوية الوطنية وجذب السياحة الثقافية العالمية. وتحدث «عبد البصير» عن أبرز الكنوز المعروضة قائلاً إن تمثال الملك رمسيس الثاني الذي يتوسط البهو العظيم، يقف شامخًا بارتفاع يتجاوز 11 مترًا ووزن يزيد على 80 طنًا، ليستقبل الزوار في مشهد مهيب يرمز لقوة مصر الخالدة. كما أشار إلى تمثال سنوسرت الثالث الذي يعكس مزيج القوة والحكمة في ملامح الملك، وتمثال تحتمس الثالث الذي يجسد عبقرية القائد الذي أسس أول إمبراطورية مصرية. وأوضح أن قناع توت عنخ آمون الذهبي يظل القطعة الأيقونية الأشهر عالميًا، فهو من الذهب الخالص المرصع بالأحجار الكريمة، ويُجسد الفن الجنائزي المصري في أبهى صوره، إلى جانب العرش الذهبي الذي يُظهر مشهدًا إنسانيًا نادرًا بين الملك وزوجته «عنخ إسن آمون». ولفت «عبد البصير» إلى أن من القطع النادرة كذلك الخنجر النيزكي لتوت عنخ آمون المصنوع من معدن مصدره نيزك سماوي، ما يعكس معرفة المصري القديم بعلم الفلك والمعادن، إضافة إلى العربات الحربية الملكية التي تُبرز براعة المصريين في الصناعة والفن. وأشار إلى أن المتحف يضم أيضًا مركبي الملك خوفو اللذين أُعيد ترميمهما ونقلهما بعناية فائقة ليُعرضا في المتحف، حيث يمثلان أعظم ما أبدعته الحضارة المصرية في فنون البناء البحري منذ أكثر من 4500 عام. وأضاف أن المسلة المعلقة تعد من روائع التصميم الحديث، إذ تتيح للزوار المرور من تحتها لرؤية خرطوش الملك رمسيس الثاني بعد آلاف السنين، في تجربة بصرية فريدة. كما تضم القاعات الداخلية المقاصير الذهبية الأربعة لتوت عنخ آمون التي تُعرض مجتمعة لأول مرة، لتروي قصة الطقوس الجنائزية الملكية بأسلوب مبهر. واختتم «عبد البصير» حديثه قائلاً: «المتحف المصري الكبير ليس مجرد مكان لعرض الآثار، بل رحلة في قلب الزمن، تُمكِّن الإنسان من إعادة اكتشاف ذاته عبر حضارة عمرها سبعة آلاف عام. إنه رسالة من مصر إلى العالم تؤكد أن الحضارة المصرية لا تنتهي، بل تولد من جديد كلما فتحت أبوابها على المستقبل».