قبل أن تنبض القاهرة بأنوارها وتبدأ الموسيقى في عزف سيمفونيتها التاريخية المنتظرة، تستعد مصر لحدثٍ استثنائي يُعيد تعريف العلاقة بين الماضي والحاضر، ويضعها مجددًا في صدارة المشهد العالمي. من عند سفح الأهرامات، حيث سكنت أرواح الملوك وحُفرت أسرار الخلود، يقف المتحف المصري الكبير شامخًا كأعظم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، ليُعلن أن حضارة مصر لا تزال قادرة على أن تُبهر العالم كما فعلت منذ آلاف السنين. في الأول من نوفمبر المقبل، تتجه أنظار العالم إلى الجيزة، حيث تُقام الاحتفالية الكبرى لافتتاح المتحف المصري الكبير بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من قادة وملوك وزعماء العالم، في مشهدٍ يُتوقع أن يكون من أضخم الأحداث الثقافية التي عرفها التاريخ الحديث. ليس افتتاحًا عاديًا لمتحف، بل هو ولادة جديدة للحضارة المصرية في ثوبٍ معاصر، يمتزج فيه المجد الفرعوني بعبقرية التصميم الحديث، والعراقة التاريخية بالتكنولوجيا المتطورة، لتعيش الإنسانية كلها تجربة لا مثيل لها. ◄ مصر تستعد لافتتاح المتحف المصري الكبير لم يتبق سوى أيام قليلة على الموعد المنتظر الذي طال انتظاره لعقود، حيث يبدأ العد التنازلي لانطلاق الاحتفالية العالمية لافتتاح المتحف المصري الكبير، المشروع الثقافي الأضخم في العالم، والواجهة الحضارية الجديدة لمصر الحديثة. كشف الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف، عن تفاصيل الاستعدادات النهائية للاحتفال التاريخي، مؤكدًا أن كل فريق العمل يعمل ليلًا ونهارًا لتقديم حدث يليق بمكانة مصر وحضارتها أمام العالم. ◄ القاعة الذهبية لتوت عنخ آمون.. قلب المتحف النابض من أبرز مفاجآت الافتتاح، عرض قاعة الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة على مساحة تبلغ 7500 متر مربع، لتضم أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية تمثل المجموعة الكاملة للملك الذهبي، في عرض فريد يروي قصة حياته منذ الطفولة وحتى ما بعد الموت والبعث. ويصف الدكتور غنيم التجربة قائلًا: طريقة العرض في القاعة مختلفة تمامًا، لن تكون مجرد مشاهدة للقطع الأثرية، بل رحلة غامرة تأخذ الزائر من لحظة اكتشاف المقبرة مرورًا بأسرار حياة الملك اليومية، وصولًا إلى عالم الخلود في المعتقدات المصرية القديمة. القاعة صُممت بأسلوب يجمع بين الإبهار البصري والتفاعل التكنولوجي، مع توظيف أنظمة إضاءة وصوت وتصميمات رقمية تحاكي المشاهد التاريخية بدقة متناهية. ◄ مراكب الشمس.. بين الأسطورة والواقع الافتتاح الرسمي سيشهد أيضًا افتتاح مراكب الشمس الخاصة بالملك خوفو، والتي تُعد من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين. المركب الأول يبلغ طوله نحو 44 مترًا وقد خضع لترميم دقيق، بينما المركب الثاني يخضع حاليًا لعملية ترميم معقدة ستُعرض أمام الزوار مباشرة داخل قاعة مخصصة، في تجربة فريدة تمتد لثلاث سنوات، تتيح للزائر متابعة مراحل الترميم لحظة بلحظة. يقول الدكتور غنيم: لم يشهد العالم من قبل عرضًا حيًا لعملية ترميم أثر بهذا الحجم. الزائر سيعيش تجربة تجمع بين العلم والتاريخ، بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة. ◄ الاستعدادات اللوجيستية.. ما وراء الكواليس في إطار الاستعدادات النهائية للاحتفال، قررت إدارة المتحف إغلاقه مؤقتًا في 15 أكتوبر، ضمن مرحلة التشغيل التجريبي التي بدأت منذ العام الماضي. ويُعاد فتح المتحف أمام الجمهور في 4 نوفمبر 2025، تزامنًا مع الذكرى ال103 لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون عام 1922، ليحمل الافتتاح الرسمي بعدًا رمزيًا عميقًا. اقرأ أيضا| صرح عالمي.. تفاصيل الافتتاح المرتقب للمتحف المصري الكبير خلال هذه الفترة، تعمل فرق متخصصة على تنفيذ أعمال تنظيمية ولوجيستية مكثفة، تشمل تجهيزات الحفل، وتحديث أنظمة الإضاءة والصوت، وتنسيق حركة الزوار والإعلاميين والوفود الرسمية. كما أُغلقت قاعة الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير في 20 أكتوبر استعدادًا لبدء عملية نقل آخر مقتنيات الملك الذهبي، وعلى رأسها القناع الذهبي والعرش، إلى المتحف الكبير. وأوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن عملية النقل تتم تحت إشراف متخصصين وباستخدام أحدث تقنيات التغليف والحماية، لضمان وصول القطع بأمان تام إلى قاعات العرض الجديدة. ◄ حفل أسطوري بحضور قادة العالم يوم السبت 1 نوفمبر سيشهد العالم لحظة تاريخية، إذ تُقام الاحتفالية الكبرى لافتتاح المتحف المصري الكبير بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من رؤساء وملوك وزعماء العالم، إلى جانب شخصيات دولية بارزة من مجالات الثقافة والفن والآثار والعلوم. الاحتفال تنظمه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي بدأت منذ أسابيع بروفات ضخمة للحفل، المتوقع أن يكون واحدًا من أعظم المشاهد البصرية التي تبهر الجماهير حول العالم، على غرار موكب المومياوات الملكية عام 2021، ولكن بطابع مختلف تمامًا. سيُبث الحفل مباشرة على القنوات المحلية والعالمية، ليشهد الملايين حول العالم لحظة الإعلان الرسمي عن افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يُعد الآن أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة. ◄ العالم يحتفل مع مصر لن يكون الاحتفال مصريًا فقط، بل سيشارك فيه عدد من دول العالم في الوقت ذاته من خلال فعاليات متزامنة تُبرز الروابط الثقافية بين الشعوب. الاحتفالية ستتضمن عروضًا فنية راقية، ومقاطع موسيقية حية، واستعراضات بصرية تحاكي تاريخ مصر عبر العصور، إلى جانب فقرات تُظهر جمال مصر الطبيعي والسياحي في مناطق لم تُسلَّط عليها الأضواء من قبل. ويضيف غنيم: هدفنا أن يرى العالم كله جمال مصر الحقيقي، من آثارها الساحرة إلى طبيعتها الفريدة، وأن يشعر الزائر بأن هذه الأرض هي مهد الإنسانية ومصدر الإلهام لكل حضارات العالم. ◄ برنامج الافتتاح والفعاليات التالية 1 نوفمبر: الحفل الرسمي بحضور الرئيس وضيوف مصر من القادة والزعماء. 2 و3 نوفمبر: زيارات خاصة للوفود الرسمية والشخصيات البارزة. 4 نوفمبر: فتح أبواب المتحف للجمهور من المصريين والسياح حول العالم، بالتزامن مع ذكرى اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون. ◄ متحف لكل العالم منذ بدء التشغيل التجريبي، استقبل المتحف ما بين 5 إلى 6 آلاف زائر يوميًا، ويتوقع أن تصل الأعداد بعد الافتتاح الرسمي إلى 15 أو حتى 20 ألف زائر يوميًا. وضعت الإدارة خطة دقيقة لتوزيع حركة الزوار ومنع التكدس، خصوصًا داخل قاعة توت عنخ آمون ومركب خوفو، مع توفير جولات افتراضية وتطبيقات ذكية تقدم الشرح بلغات متعددة. أما من ناحية الأسعار، فقد أكد الدكتور غنيم أن أسعار التذاكر للمصريين لن تتغير، بينما ستُضاف زيادة بسيطة قدرها 5 دولارات للأجانب فقط، رغم التوسعات الكبيرة والخدمات الجديدة، في إشارة واضحة إلى أن مصر تفتح أبواب حضارتها للجميع بأسعار رمزية مقارنة بقيمة التجربة. ◄ تجربة الزائر.. رحلة بين الماضي والمستقبل الزائر لن يدخل متحفًا تقليديًا، بل عالمًا متكاملًا من الفن والتاريخ والعلم. من لحظة دخوله ساحة الأهرامات، سيمر عبر بوابة ضخمة تُجسّد عظمة العمارة المصرية القديمة، ثم يسير بين التماثيل الملكية الهائلة في البهو العظيم، حيث يستقبله تمثال رمسيس الثاني شامخًا كما لو أنه يرحب بزوار مصر. داخل القاعات، تُروى قصة الحضارة المصرية عبر عروض تفاعلية رقمية، وشاشات ذكية تتيح للزائر استكشاف أسرار القطع الأثرية بالتفصيل. كما يحتوي المتحف على مركز أبحاث عالمي للترميم والدراسات الأثرية، ومناطق ترفيهية وتعليمية للأطفال، إلى جانب حدائق ومطاعم ومناطق استراحة تطل مباشرة على أهرامات الجيزة. ◄ مشروع القرن.. حلم أصبح حقيقة استمر العمل في مشروع المتحف المصري الكبير أكثر من عقدين من الزمن، بتكلفة تجاوزت مليار دولار، ليصبح اليوم أيقونة معمارية تجمع بين الأصالة والحداثة، تمتد على مساحة نحو 500 ألف متر مربع عند سفح الأهرامات. ويعد هذا المشروع تتويجًا لرؤية مصر في جعل الثقافة والآثار قاطرة للقوة الناعمة والسياحة المستدامة، ومنارة علمية وتعليمية للأجيال القادمة. يقول غنيم في ختام حديثه: المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى.. إنه رسالة مصر إلى العالم بأن حضارتنا باقية، وأننا نؤمن بأن الماضي هو أساس المستقبل. كل قطعة هنا تحكي حكاية الإنسان منذ فجر التاريخ وحتى اليوم. ◄ مصر.. حيث يبدأ التاريخ ولا ينتهي ومع اقتراب لحظة الافتتاح الرسمي، تستعد القاهرة لتكتب فصلًا جديدًا في كتاب الإنسانية، فصلًا يبدأ من أرضٍ علّمت العالم معنى الفن والعلم والإبداع. في الأول من نوفمبر، لن تضيء الأهرامات وحدها.. بل ستُضيء مصر كلها، معلنةً للعالم أن الحضارة التي أبهرت البشرية منذ آلاف السنين، ما زالت قادرة على أن تُدهشها اليوم.