عهدتها «صفية» النفس «أمينة» على أحلام البسطاء، وهو ميراث أبت أن تُفرِّط فيه، تركه لها أبوها وعمها العملاقان مصطفى وعلى أمين، مؤسسا دار «أخبار اليوم». دون الحاجة إلى حقيبة، أو تذكرة سفر، ستسافر وأنت بحضرتها عبر زمن جميل، تُعانق التاريخ، وتتخيل أجمل جغرافيا، عبر حكيها عن ماضٍ عظيم، حققت فيه مؤسسة أخبار اليوم خبطات صحفية وإنجازات إنسانية لم يسبقها إليها أحد من الجرائد عبر تاريخ الصحافة المصرية. لا تهتم صفية أمين ب «سعر» الأفعال، وإنما بقيمتها، وذلك يعكس جوهر فلسفتها فى الحياة، وتؤكد أن المال مجرد وسيلة، وأن الخاسر «الحقيقي» هو من يعتبره غاية، وأن ثراءها الذى تعتز به هو خزانة كبيرة مكتظة بدعوات بسطاء كانت مؤسسة مصطفى وعلى أمين الخيرية، برعايتها، طوقَ انتشالهم من الغرق فى بحور المعاناة. لم تكتفِ «ابنة الأصول» بالتفاعل مع البسطاء من نافذة دفع المبالغ لهم، ولكنها آنستهم بالجلوس معهم فى ديارهم، وبالورقة والقلم وقلبٍ يفيض بالعطف، كانت ترصد معاناتهم، وتلبى طلباتهم من أموال أهل الخير. قالت لى على استحياء: من فضلك.. أنا لا أحب لقب «هانم»، رغم أنها برُقيها وإنسانيتها هى «هانم» فعلاً، وابنةُ بيه «حقيقي»، وهو موقف يُدرَّس لأهل الغرور والنرجسية فارغى القيمة، الذين لا يشعرون بهيبتهم دون هذا اللقب وغيره! قبل أيام، كانت تقلب فى أوراق قديمة، فوجدت «كارت» شخصيًا لوالدها مكتوبًا فيه: «مصطفى أمين» فقط، دون أى لقب! رغم أنه مؤسس دار أخبار اليوم، وأشهر صحفيى الشرق الأوسط فى القرن العشرين. فعل الرجل ذلك إيمانًا منه بأن أسمى منصبٍ يحوزه أى مشهور هو أن يكون إنسانًا. لم أسمع من الأستاذة أبدًا وصفًا يُقلل من احترام العاملين فى منزلهم، مثل «خادم» أو «خادمة»، بل دائمًا تصفهم ب «الذين يُعاونوننا». حكت لى ذات مرة أنها كانت فى جلسة أسرية مع والدها مصطفى أمين، وطلبت من أحد الذين يُعاونونهم فى البيت كوب ماء، ولكن حين سمع والدها طلبها انتفض من مقعده، وقال له: لا تُحضر الماء لصفية! فتعجبتْ، وحين سألته عن السبب، قال: لأنك لم تقولى له: من فضلك! وهو موقف يؤكد أن أفراد هذه الأسرة العريقة أناسٌ مؤدبون، فطرتهم الرُقى وحسن الخلق. ورثت الأستاذة عن أبيها سحر القلم، واختارت أن تسطر مواقف حياتية، تسكب فيها عصارة خبراتها وتجاربها الإنسانية، حتى عندما تنتهى من قراءة عمودها الماتع، تُعيد ترتيب سلوكيات كثيرة بداخلك، وترى هى أن هذه الرسالة هى أنبل الأغراض من الكتابة والصحافة بمجملها. حين تأتي، يستقبلها الجميع بفيض من المحبة، فتوزع ابتسامتها على محبيها بالعدل، وتسأل عن أحوالنا، ولم نرها يومًا منفعلة أو مكفهرة فى وجه أحد. أقول للأستاذة صفية ولكل أهل الخير: لا شيء يهون على المتعبين مآسى هذا العالم الموحش إلا وجودكم فيه، شكرًا لأنكم بيننا.