لا أحد يعلن أنه لا يريد السلام، حتى أولئك الذين يرون الحرب أسلوبًا مثاليًا لتحقيق أهدافهم، يزعمون أنهم يحاربون من أجل الوصول للسلام. الاقتحام الإيجابى لهذه الإشكالية يتطلب اجتياز اختبارين غاية فى الأهمية: أولهما حد أدنى من الاتفاق على تعريف للسلام المأمول، ثم امتلاك إرادة السلام. حين يقول الرئيس ترامب، إن اتفاقية السلام «الموقعة فى شرم الشيخ» تتجاوز حدود غزة، لتشمل منطقة الشرق الأوسط كلها، يتبادر إلى ذهنى مقولة موازية للرئيس اللبنانى: نتساءل إن كان هناك من يفكر بالتعويض عن غزة فى لبنان؟ ويمكن توسيع النطاق ليشمل سوريا مثلًا! سواء كان الأمر يتعلق بتعريف السلام، أو امتلاك الإرادة اللازمة لخوض الطريق الصعب، باتجاه تحقيق السلام الفعلى والإيجابى، فإن صدامًا منتظرًا يرتبط ببنية العقلية الصهيونية، الجامعة بين تناقضين غاية فى الحدة: ميل فطرى للعدوان، وممارسة فعلية للعنف فى أبشع صوره، ثم يتخلل ذلك رفع شعار التسوية السلمية، ولكن بما يتوافق «فقط» مع رغبات وتطلعات، بل وأطماع الكيان الصهيونى! من ثم فإنه يستحيل التقدم نحو صياغة تعريف للسلام، بغير امتلاك الإرادة الصادقة والحقيقية لصناعة السلام عمليًا! نستطيع أن نؤكد أنه دون إرادة السلام، لا يمكن تجسيده واقعيًا، بل يظل مجرد أمنية أو حلم، يداعب ويراوغ دون أن يثبت قدميه على أرض صلبة! ماذا يفعل الراغبون فى السلام؟ وكيف يتعاملون مع واقع معقد؟ ومن أى نقطة ينطلقون؟ وأى آليات تكون أكثر ملاءمة لإنجاز السلام الفعلى؟ تتناسل الأسئلة لتشكيل ما يشبه المتاهة، ومن قلبها يتم اقتناص الفرص للمراوغة، والهروب مرة للأمام، وأخرى للخلف، وثالثة للإيهام بالحركة، بينما هى فى المحل! امتلاك إرادة السلام تقتضى تعبيرًا مخلصًا عن القدرة على العمل الخلاق، ووضع منهج لتنفيذ هذا العمل، لخوض غمار عملية شاقة وطويلة وجادة لإنجاز الأهداف النبيلة التى يتوجها سلام عادل ودائم، يقود بالتالى لبيئة إقليمية مستقرة تحرسها القوة، لا تهددها وتخصم من أمنها. الجنوح لرؤى تشاؤمية أو تفاؤلية لن يقود لقراءة صحيحة للمشهد، فالمطلوب رؤية واقعية، لا يغيب عنها البعد الأخلاقى من جهة، ولا تتحول إرادة السلام فيها لمجرد شعار براق. وحتى تعمل إرادة السلام فى الاتجاه السليم، لابد أن يستهدف الجميع سلامًا دائمًا، يتم تشييد دعائمه على العدل، حتى لا يصبح معناه التهديد «فى أى لحظة»باستخدام القوة .