تترقّب أنظار العالم اليوم الجمعة، الموافق 10 أكتوبر 2025، إعلان الفائز بجائزة نوبل للسلام. والسؤال الذي يُطرح هنا: هل يمكن أن يفوز ترامب بجائزة نوبل لهذا العام، كما كان يحلم منذ عودته إلى البيت الأبيض؟ وهل مساعيه الأخيرة، بالدفع بقوة نحو وقف الحرب التي استنزفت غزة قرابة عامين، تكفي، مهما بلغت أهميتها، لأن ينال أرفع جائزة في عالم السلام؟ في الواقع، كان بإمكان ترامب، خلال الأشهر الأولى من ولايته، أن يمنع كثيرًا من الإبادة البشرية التي وقعت على مرأى ومسمع من العالم. أقل ما كان يمكنه فعله، هو التوقف عن استخدام الفيتو المتكرر في مجلس الأمن، كلما طُرحت مبادرة دولية لوقف الحرب. لكن ترامب فضّل حينها الاصطفاف إلى جانب الآلة الحربية، ولم يسعَ لإيقاف الإبادة التي طالت شعبًا أعزل من الأطفال والنساء والعجائز. لكن الأنباء المتسارعة خلال الساعات الماضية عن وقف الحرب على الشعب الفلسطيني، بعد معاناة إنسانية استمرت قرابة عامين، تحت نيران جيش مدجج بأحدث الأسلحة، وبدعم مفتوح من أقوى دول العالم، تدفعني للقول: نعم، ربما يستحق ترامب جائزة نوبل للسلام — ولكن ليس هذا العام، وإنما في 2026. ولأسباب كثيرة. قد يكون ترامب قد تأخر قليلاً، وربما كان يستطيع أن يمنع كثيرًا من الدماء، لو أنه اتخذ خطوات مبكرة. فلجنة نوبل، حسب المعايير التي وضعتها منذ عقود، لا تمنح الجائزة لمجرد أعمال آنية أو رمزية، بل تُقيّم الاستمرارية، والتأثير طويل الأمد، ومدى مساهمة المرشح في حماية حقوق الإنسان وإرساء دعائم السلام المستدام. إذا استطاع ترامب أن يُثبت خلال الأشهر القادمة أن وقفه للحرب لم يكن لحظة عابرة، بل بداية لنهج سياسي جديد، فقد يكون ترشيحه أقوى وأكثر جدارة في 2026. أما الآن، فإن ما أنجزه، رغم أهميته، لا يزال غير محصّن ضد التراجع والانتكاسات. الأمر الأكثر إثارة للجدل هو القرار الذي اتخذه ترامب في سبتمبر 2025، حين أصدر أمرًا تنفيذيًا بتغيير الاسم الرسمي لوزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب" في الوثائق الرسمية والمواقع الحكومية. ما الرسالة التي يمكن فهمها من هذا القرار؟ هل يسعى إلى إعادة تعريف دور أميركا كقوة عالمية تعتمد على القوة أكثر من الدبلوماسية؟ وهل رئيس يغيّر اسم وزارة "الدفاع" إلى "الحرب"، هو فعلًا رجل سلام؟ على الرئيس ترامب أن يعيد حساباته، إن كان جادًا في سعيه لنيل نوبل للسلام. ثم جاءت الضربات الجوية الأميركية قرب فنزويلا، التي أسفرت عن مقتل مدنيين، بحجة أنها كانت موجهة لمهربي مخدرات. ورغم أن المعلومات الرسمية حول طبيعة الأهداف لا تزال غامضة، فإن استخدام القوة العسكرية خارج الحدود، دون تفويض دولي أو دليل واضح على تهديد وشيك، يُقوّض مبدأ السلم الدولي. وقد دفع ذلك أعضاء في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى خبراء في القانون الدولي، لطرح تساؤلات جدية حول شرعية هذه العمليات، وإن كانت تمهّد لانزلاق أميركا نحو تدخلات مفتوحة في دول أخرى. إن جائزة نوبل للسلام تُمنح، تاريخيًا، للأثر الطويل والمستدام، لا للنيات الطيبة أو القرارات المفاجئة. معظم من فازوا بها عملوا بصمت، لسنوات طويلة، من أجل قضايا إنسانية ومسارات سلام صعبة ومعقّدة. أما الرئيس ترامب، حتى الآن، فلا يمتلك سجلًا طويلًا أو متماسكًا في هذا المجال. بل إن تحركاته السابقة، خاصة خلال فترة رئاسته الأولى، كثيرًا ما وُصفت بأنها كانت تزيد من اشتعال النزاعات، لا إخمادها. قد تفاجئنا لجنة نوبل، كما فعلت أحيانًا في الماضي، وتختار شخصية مثيرة للجدل لتوجيه رسالة سياسية ما. لكن وفق العرف السائد، فإن من يستحق الجائزة هو من يخلق سلامًا حقيقيًا، طويل الأمد، ومبنيًا على العدالة. وفي النهاية، الحقيقة الثابتة أن فلسطين أصبحت هذا العام عنوانًا أخلاقيًا عالميًا، ومنحت جائزة نوبل بُعدًا إنسانيًا مختلفًا، حتى قبل إعلان اسم الفائز. الساعات القادمة ستكشف الكثير.