بسمة ناجى مع اقتراب الموعد السنوى للإعلان عن جائزة نوبل فى الآداب، ينخرط عالم القراء والنقاد مجددًا فى لعبة التخمين المعتادة ومع التكتم المحيط بظروف الاختيار والترشيح ولجان تحكيم هذه الجائزة المرموقة، تظهر دومًا قوائم من المرشحين المحتملين، والضجة النقدية، وحتى الرهانات، والتى تطلِق تكهنات جريئة حول من سينضم «رسميًا» إلى آلهة الآداب. لا تزال جائزة نوبل فى الأدب، فى جوهرها، أكثر من مجرد تكريم أدبى؛ وبينما يترقب العالم إعلان الأكاديمية السويدية الخميس القادم أكتوبر، تتشابك التوقعات مع عدة اعتبارات استراتيجية فمع فوز كتاب من النرويج وفرنسا مؤخرًا، تتزايد التوقعات بأن تسعى الأكاديمية إلى تحقيق توازن جغرافى لتتجاوز الحدود الأوروبية وتُسلّط الضوء على مناطق يرى النقاد أنها طال بعدها عن اختيارات الأكاديمة، كأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط ومناطق أقل شهرة من آسيا. تُمنح جائزة نوبل فى الأدب «للشخص الذى أنتج فى مجال الأدب العمل الأكثر تميزًا فى اتجاه مثالى». هذه العبارة، المأخوذة من وصية ألفريد نوبل، تُشكل معيارًا للجائزة، وتُفسر الأكاديمية السويدية هذا التوجيه غير المحدد وتدرس من خلاله مجمل أعمال المؤلف عند اتخاذ قرارها فى سرية تامة. لا تُعد هذه العملية تقييماً أكاديمياً واضحاً، لكنها أكثر من مجرد اختيار عشوائى أيضًا، حيث أعادت الجائزة تفسير هذا «الاتجاه المثالى» الغامض على مدى تاريخها ليشمل كل شىء، من التدين المحافظ إلى النقد السياسى الراديكالى ومناصرة حقوق الإنسان العالمية، مما يمنح الأكاديمية السويدية حرية واسعة، وكثيرًا ما تُنتقد لميوعة تعريفها للاتجاه المثالى كمعيار لمنح الجائزة وافتقارها إلى التعريف الواضح لمفهوم الجدارة الأدبية الذى تستخدمه الأكاديمية. تاريخيًا، رَكّزت الجائزة بشكل كبير على الكُتاب الذكور الأوروبيين، مما أثار اتهامات بإعلاء المركزية الأوروبية والذكورية. وبينما سعت الأكاديمية مؤخرًا إلى تحقيق توازن عالمى وجندرى أكبر، فإن تاريخ من إغفال أعمال كتاب كبار مثل ليو تولستوى وجيمس جويس ومارسيل بروست من خارجاً المركز الأوروبى وآخرين من خارج القارة مثل الكينى نغوغى وا ثيونغو الذى ظل مرشحًا دائمًا للفوز بالجائزة حتى وفاته فى عام 2025، وغيرهم، يُبرز نمطًا يُعطى الأولوية لسرديات أيديولوجية أو إقليمية محددة على حساب الإبداع الأدبى المشهود له عالميًا. ومع اقتراب الإعلان يتكرر زعم النقاد بأن الجائزة بمثابة جائزة سلام مُقنّعة أدبيًا، حيث يمكن للمواقف السياسية أو المواضيع الإنسانية أن تتفوق على الإبداع الأدبى. كما ينظر الكثيرون إلى عملية الاختيار على أنها محاولة لتصحيح التحيزات التاريخية أو تعزيز موقف سياسى، مما قد يؤدى إلى اختيارات لا تتعلق بالكتابة بقدر ما تتعلق بسياق الكاتب وتعزز السرية التى تحيط بلجنة نوبل المكونة من خمسة أعضاء وتحيزاتهم الذاتية هذا التصور. هذا الافتقار إلى فئات أو معايير واضحة ومتسقة يُحوّل توقعات الجائزة من نقاش أدبى مُستنير إلى لعبة تخمين لتحديد الاتجاهات الجيوسياسية والموضوعية. وبرغم الاختيارات المفاجئة وغير المتوقعة للجائزة فى كل عام، يتصدر العديد من الأسماء قوائم النقاد ومراهنات القراء. لعام 2025، راهن القراء وبعض المواقع الثقافية على عدد من المرشحين. أشارت بعض الاستطلاعات بشكل مفاجئ إلى مرشحين متوقعين جدد، مثل الصينية كان شيو، والتى تُعرف برواياتها السريالية، وتحظى بإشادة عالمية لأسلوبها التجريبى الطليعى. كما أنها تُمثل الأدب الآسيوى (خارج اليابان) بجماليات جريئة وغير تجارية، يتطلع المتوقعون أن تتماشى مع تركيز الأكاديمية أحيانًا على الجرأة الشكلية، وتوافِق اختياراتها لكتّاب يتحدون أساليب السرد القصصى التقليدية. كما يرى البعض أن، شيو بصفتها كاتبة بارزة غير غربية، فإن فوزها قد يتماشى مع التوجهات الحديثة نحو التنوع الجغرافى والجندرى. اسمٌ آخر ظهر فى توقعات هذا العام وهو المجرى لازلو كراسناهوركاى، الحائز على جائزة بوكر الدولية والذى يشتهر بنثره الكثيف والمتدفق وعمقه الفلسفى، وهو صوتٌ بارز فى الأدب الأوروبى المعاصر، وفوزه سيُتوِج مسيرةً حافلةً بالإنجازات العميقة والحداثية. ولا يخلو النقاش من اسم هاروكى موراكامى كالعادة، لشعبيته العالمية التى تضعه فى قوائم التوقعات دومًا، رغم تفضيل الأكاديمية لكتاب أقل شهرة. إلى جانب هؤلاء، ظهرت الكندية آن كارسون، وهى شاعرة وكاتبة مقالاتٍ وكاتبةٌ كلاسيكية، تحظى أعمال كارسون بإشادة عالمية لتجربتها الشكلية القوية وعمق الأفكار فى نصوصها. الكاتب الرومانى ميرسيا كارتاريسكو أحد الأسماء التى ظهرت فى الترشيحات لهذا العام أيضًا، وهو صوتٌ بارزٌ من أوروبا الشرقية، وقد شهد كارتاريسكو شهرة عالمية فى السنوات الأخيرة لأعماله الروائية المتشعبة ذات الطابع الباروكى والخيالى. من بين الأسماء التى تكررت ضمن استطلاعات الرأى أيضًا الاسترالى جيرالد مورنان الذى اكتسب، بصوته الهادئ والمتميز، قاعدة جماهيرية واسعة بفضل نثره الأصيل والعميق. ومن بين المرشحين المتوقعين، يبرز اسم كريستينا ريفيرا جارسا وهى مكسيكية أمريكية نالت جائزة بولتزر وتعتبر صوتاً مرموقاً فى الأدب الإسبانى، معروفة بأعمالها التجريبية فى مجالى الأدب والكتابات الفكرية قد يُلبى اختيارها من قبل اللجنة التوقع بمراعاة التوازن الجغرافى والجندرى، بفائزة من أمريكا اللاتينية (إذ لم تذهب الجائزة لكاتب من المنطقة منذ عام 2010). بالإضافة إلى ذلك، يتوقع المتابعون النظر فى أسماء شعراء أو كُتَّاب المقال لدعم تنوع الأنواع الأدبية، والتوسُع فى الاعتراف بالإنجازات المتميزة فى أشكال أدبية أخرى. قد تواصل الأكاديمية فى عام 2025 جهودها لتسليط الضوء على اللغات والمناطق التى غالبًا ما تُهمّش فى سياق النشر الأوروبى الأمريكى، وأظهر اختيار جون فوسِه (2023) وعبد الرزاق قُرنه (2021) استعداد الأكاديمية للاحتفاء بشخصيات ذات قيمة فنية هائلة، أقل ترجمةً أو أقل شهرة. ونظرًا لطبيعة الجائزة غير المتوقعة، غالبًا ما يكون الفائز كاتبًا يتمتع بجدارة لا تُنكر، ولكنه قد لا يظهر فى قوائم التوقعات. ورغم كل التحليلات، يبقى عنصر المفاجأة هو السمة المميزة لجائزة نوبل؛ إذ أثبتت التجارب السابقة أن الفائز قد يأتى من خارج قوائم المرشحين الأكثر شيوعًا. وإلى أن تُقدِّم الأكاديمية السويدية معايير شفافة ومتسقة وتركِز على تقييم الأدب وحده فى المقام الأول، ستظلّ لعبة التنبؤات السنوية مُجرّد محاولة مُحبِطة لربط التميز الأدبى بمسار الاختيار العشوائى، والذى يرى الكثيرون أنه غالبًا ما يكون بعيدًا عن التقديرات الأدبية.