ربما تتزامن اجتماعات الخريف هذا العام فى واشنطن مع ربيع يعيشه الاقتصاد المصرى خلال العام الأخير حتى إذا لم يشعر به المواطن.. برغم كل التحديات القاصمة التى تتعرض لها المنطقة بأسرها ومصر فى قلبها، إلا أن الوضع الاقتصادى المصرى أراه يميل أكثر إلى التوازن والاستقرار. نحو أسبوع فقط يفصلنا عن الحدث السنوى المهم الذى يجرى فى واشنطن، ويجمع صناع القرار والمؤثرين فى السياسات المالية والاقتصادية فى العالم، الاجتماعات المُرتقبة هى « اجتماعات الخريف» وهى اللقاء السنوى لمجلسى محافظى مجموعة البنك الدولى وصندوق النقد الدولي. تجمع هذه الاجتماعات كبار المسئولين الماليين والاقتصاديين فى الدول الأعضاء البالغة نحو 190 دولة، بين وزراء المالية والاقتصاد، محافظى البنوك المركزية، ورؤساء وممثلى البنوك الخاصة والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني. وتناقش اجتماعات الخريف هذا العام القضايا الأكثر إلحاحًا التى تواجه الاقتصاد العالمي، ومن أهمها: الآفاق الاقتصادية العالمية والتى يتم خلالها الإعلان عن توقعات النمو الاقتصادى العالمى وتقرير الاستقرار المالي، وقضايا الحد من الفقر والتنمية والجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتهدف هذه الاجتماعات فى العادة الى معالجة قضايا مثل: ارتفاع مستويات الديون، والتغيرات المناخية، التحول إلى الطاقة الخضراء، والاضطرابات الجيوسياسية، وهذه مسألة مهمة للغاية، إذ يقاوم الاقتصاد المصرى -بمرونة جمة- على مدى أربعة أعوام متتالية حالة التقهقر التى يشهدها الاقتصاد العالمى بفعل وباء مضى، وتغيرات جيوسياسية واسعة فى المنطقة والعالم. وظنى أن التجربة المصرية فى هذا السياق ينبغى لها أن تُوثق لئلا نحتاج الى الرجوع لها فى أوقات مماثلة لا قدر الله. المشاركون فى اجتماعات الخريف المُرتقبة سيناقشون السياسات النقدية العالمية، وتحقيق آليات تمويل مُبتكرة، وكذلك مستقبل العملات الرقمية، وهذه أيضًا مسألة أراها جديرة بالعمل عليها لحين الفصل فيها، « العملات الرقمية» فلست أرى حسمًا دقيقًا لهذا الملف لا بتطمين فى جدوى الاستثمار فيها أو منعه، كأنها شيء مقصود جدًا تركها مُعلقة هكذا بين الرفض البات والأخذ بها، ولا أفهم لمصلحة من لكن مؤكد هناك مصلحة ما لست أفهمها. المشاركون أيضًا سيناقشون سُبل التعاون الدولى لتعزيز الاستقرار الاقتصادى والنمو المُستدام فى جميع أنحاء العالم، وهذه واحدة أخرى مهمة، إذ أنه من الممكن لبلد بقرارات قاصرة النظرة أن تنجح فى تحقيق أرقام ومعدلاتٍ جيدة لكنها لا تستمر نتائجها طويلاً.. والأصعب فى هذا الملف هو الحفاظ على ما يتم تحقيقه وكما يقول الأجانب « ببطء لكن بثبات»، هكذا أرى مؤشرات الاقتصاد المصرى خلال العام الحالي، وإلا ما كان للبنك المركزى الاستمرار فى تخفيض سعر الفائدة بنسبة 1% خلال اجتماعه الأخير، لتكن المرة الرابعة هذا العام. ظنى أيضًا أن هذه الاجتماعات ستتعرض لفكرة تعبئة رءوس الأموال الخاصة لتحفيز استثمارات القطاع الخاص فى الأسواق الناشئة بدلاً من الاعتماد على التمويل الحكومى فقط، الذى هو جوهر التطور الاقتصادي، وأتمنى أن تحوز مصر حجماً أكبر من الاستثمارات فى هذه القضية. سيناقش المجتمعون أيضًا ملفاتٍ مهمة كالتشغيل وتحقيق فرص عمل أوسع فى جميع البلدان لا الناشئة منها فقط، إذ تتعرض الاقتصادات القوية فى البلدان المتقدمة الآن لحالة من التراجع والتجمد لأسبابٍ مُعقدة للغاية ولا مجال لذكرها لكن فرص العمل بها فى تدهور حاد. الاجتماعات القادمة ستكون مهمة جداً لمصر لا لعرض مشكلاتٍ وعقبات، ولكن لعرض تجربة ناجحة قاومت التحديات بمرونة كبيرة فى كل الملفات سواء على مستوى الاستدامة أو النمو أو مواجهة التضخم، وصمدت فى وجه تحديات لم يعرفها الاقتصاد المصرى من قبل.