بورسعيد: أيمن عبد الهادى لم تكن فجرية الخميس عادية في حي الأمل الجديد بنطاق حي الضواحي بمحافظة بورسعيد؛ فقد استيقظ سكان المنطقة على جريمة هزّت وجدانهم، جريمة أغلقت أبواب البيوت داخل البناية التي شهدت الواقعة بالذهول والصدمة، بعدما تحولت شقة سكنية صغيرة إلى مسرح دموي، راح ضحيته سيدة في ريعان حياتها على يد زوجها، الذي أنهى أحلامها ومستقبل أبنائها بطعنات متتالية لم ترحم جسدها ولا صرخاتها. مروة داوود، 46 عامًا، اسم لن ينساه أهالي بورسعيد بسهولة، فهي السيدة الطيبة التي عُرفت بالهدوء والالتزام والتمسك بالمبادئ والقيم، لكن القدر شاء أن تُكتب نهايتها بيد رجل اختارت أن تمنحه فرصة ليكون سندًا لها بعد وفاة زوجها الأول، فإذا به يتحول إلى نقمة عليها وعلى أسرتها، ويترك خلفه جرحًا غائرًا في قلوب أبنائها الثلاثة الذين لم يعرفوا عن أمهم سوى الحنان والتضحية. بداية الجريمة وفقًا لروايات الأهالي، بدأ المشهد الدامي؛ حين هرع سكان العقار على صوت ارتطام وصراخ متقطع، ليلمحوا الزوج وهو يهرول خارجًا من المنزل ممسكًا بسكين كبيرة ملطخة بالدماء، عيونه زائغة وملامحه شاردة، قبل أن يلوذ بالفرار تاركًا خلفه مأساة تُنذر بكارثة، دقائق قليلة كانت كفيلة بقلب حياة أسرة بأكملها رأسًا على عقب، حين صعد الابن الأكبر للشقة ليجد والدته غارقة في دمائها وسط مشهد لا يحتمله بشر، قبل أن تُنقل إلى مستشفى الزهور لتلفظ أنفاسها الأخيرة، تاركة وصية غير منطوقة لأبنائها: «لا تتركوا حقي يضيع». التحريات الأولية كشفت أن الزوج القاتل لم يكن مدفوعًا بلحظة غضب كما ادّعى بعضهم، بل خطط مسبقًا لجريمته؛ إذ جهّز سكينًا كبيرة صنعها خصيصًا، وبدأ بطعن زوجته في الرأس لإسكاتها، وحين حاولت الهرب من غرفة لأخرى، لحق بها بلا رحمة، وانهال عليها بطعنات متتالية حتى تجاوزت الطعنات 22 طعنة في أنحاء متفرقة من جسدها، في واحدة من أبشع الجرائم التي عرفتها بورسعيد في السنوات الأخيرة. شهادة الجيران الجيران الذين هرعوا إلى المكان، وقفوا مذهولين أمام هول المشهد، وأجمعوا على أن الضحية كانت امرأة مسالمة، حافظة لكتاب الله، حريصة على تلاوة القرآن، لا تؤذي أحدًا ولا تدخل في مشكلات، وأنها كانت في قمة السعادة منذ أيام قليلة بعدما تمت خطبة ابنتها، لكن القدر خطفها في لحظة قاسية. في المقابل، أكدوا أن الزوج كان معتادًا على تعاطي المواد المخدرة، وخاصة مادة «الأيس»، وأنه كان دائم العصبية والانفعال، مشيرين إلى أنهم كانوا يخشون وقوع كارثة بينه وزوجته بسبب خلافاتهما المتكررة، لكن لم يتخيل أحد أن يصل الأمر إلى حد جريمة قتل بهذا القدر من الوحشية. الأجهزة الأمنية تتحرك ما إن تلقّت غرفة عمليات مديرية أمن بورسعيد البلاغ، حتى وجّه اللواء محمد الجمسي، مساعد وزير الداخلية لأمن بورسعيد، بتشكيل فريق بحث جنائي موسع برئاسة اللواء ضياء زامل مدير المباحث، لسرعة ضبط الجاني. فُرضت كردونات أمنية بمحيط المنطقة، وشُددت إجراءات التتبع، حتى نجحت القوات في تضييق الخناق على المتهم، وتمكنت من القبض عليه والسلاح المستخدم، ليُسدل الستار على هروبه في ساعات معدودة، وتبدأ مرحلة جديدة من التحقيقات لكشف ملابسات الجريمة كاملة. النيابة العامة بدورها انتقلت لمعاينة مسرح الجريمة، حيث وجدت آثار الدماء منتشرة في المطبخ وغرف النوم والصالة، في مشهد مروّع يجسّد لحظات الرعب الأخيرة للضحية. أمرت النيابة بنقل الجثة إلى مشرحة مستشفى الزهور، وانتداب الطبيب الشرعي لتشريحها وبيان الإصابات بدقة، كما أمرت بسرعة تحريات المباحث حول الواقعة وظروفها ودوافعها. ووسط هذه الأجواء الكئيبة، خرجت مريم، ابنة الضحية، لتكشف حجم المأساة الإنسانية التي عاشتها والدتها قبل موتها. بدموع لم تجف بعد قالت: «أمي تزوجت المتهم بعد وفاة والدي، كانت تبحث عن سند، عن رجل يحميها ويقف بجوارها، لكنها فوجئت بمن يسرق أموالها، ويهددها، ويضيّع شقتها وتجارتها، حتى قتلها بدم بارد. أمي عاشت بائسة وماتت مظلومة، حقي وحقها أن نشوف القصاص العادل من القاتل». شهادة الشقيق شقيق مروة أكد هو الآخر أن الجريمة لم تكن وليدة لحظة، بل امتداد لمسلسل طويل من الاستغلال والإيذاء، قال: إن المتهم استولى على 200 ألف جنيه من شقيقته واشترى سيارة باسمه، واستمر في تعذيبها وإهانتها، حتى قرر إنهاء حياتها بتلك الطريقة البشعة، وأضاف: «اللي عمله مش قتل بس.. دي سلسلة من العذاب والإذلال انتهت بجريمة تهز أي قلب، وأكيد القانون سوف يأخد مجراه ويكون القصاص هو الرد المناسب على جريمته». مشهد آخر لا يقل قسوة عن مشهد الجريمة كان في وداع مروة داوود إلى مثواها الأخير. خرجت الجنازة من مسجد الكريم، وسط حضور حاشد من الأهالي والأقارب والجيران، الذين لم يتمالكوا دموعهم، ابنتها الشابة التي لم تزل مخطوبة حديثًا انهارت باكية وهي تردد: «أمي راحت ضحية لمدمن مخدرات»، فيما التفّ حولها النساء لمحاولة تهدئتها. الجثمان حُمل على الأكتاف وسط صيحات «لا إله إلا الله»، وانطلق الموكب الجنائزي حتى مقابر باب 1 كسري، حيث وُري الجثمان الثرى في أجواء مشبعة بالحزن والدموع، لم يكن المشهد عاديًا، بل جنازة مهيبة تليق بامرأة تركت في قلوب جيرانها وأقاربها ذكرى طيبة وسيرة عطرة، فيما علت أصوات بالدعاء على القاتل والمطالبة بالقصاص العاجل. صدمة في بورسعيد المؤلم وكما قال لنا جيران المجني عليها، أن مدينة بورسعيد المدينة الهادئة وجدت نفسها أمام جريمة أسرية غادرة لا تقل فداحة عن أي اعتداء خارجي، فجريمة قتل مروة داوود بوحشية تترك جرحًا لا يلتئم في وجدان أبنائها وكل من عرفها. الحديث عن الضحية لا ينقطع في شوارع بورسعيد، من الأسواق الشعبية وحتى المقاهي الصغيرة، الجميع يستعيد ذكرياته مع السيدة الطيبة، والجميع يطرح سؤالًا واحدًا: «كيف لإنسان أن يخطط بهذا البرود لقتل زوجته التي لم تقصر في حقه يومًا»؟ بين مشهد الدماء داخل الشقة، وانهيار الابنة عند الجنازة، وصيحات الجيران التي تطالب بالقصاص، تظل جريمة مقتل مروة داوود جرحًا مفتوحًا في ضمير ابناء بورسعيد، هي لم تكن مجرد واقعة قتل عابرة، بل حكاية عن استغلال وخيانة وانهيار أسرة بأكملها بسبب الملعون وهو المخدرات، حكاية ستظل عالقة في الأذهان حتى يلقى القاتل جزاءه العادل. العدالة وحدها قادرة على تضميد جراح أبنائها الثلاثة، والقصاص وحده كفيل بأن يكون رسالة رادعة لكل من تسوّل له نفسه أن يحول عش الزوجية إلى ساحة دم. اقرأ أيضا: أسرة زوجة قاتل أولاده: طلبت الطلاق فطعنها 13 مرة.. وعاملت أطفاله كأبنائها