بور سعيد: أيمن عبد الهادي منذ نعومة أظافره، كان سيف عبد المنعم عبد النبي أحمد، ابن الثامنة والعشرين، مثالًا للشاب الخلوق الذي جمع بين الطيبة والاجتهاد، نشأ في أسرة بسيطة بحي المناخ في بورسعيد، كان والده يعمل في التجارة ليوفر لقمة العيش لأفراد أسرته، بينما كرّست والدته حياتها لعائلتها ولتربية ولدَيها، سيف وشقيقه الأصغر مالك، الذي لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، كان البيت عامرًا بالحب والتعاون، وسيف هو السند، الابن البار الذي حمل على عاتقه مسئولية دعم أسرته ومساندتها في كل خطوة، لكن الحياة لم تسر بالأسرة كيفما خطط لها الأب. كبر سيف وهو يحفظ كتاب الله، حتى نال شهادة من الأزهر الشريف، وكان يفخر دائمًا بلقب «حافظ القرآن»، ليس كشهادة فحسب، بل كهوية راسخة في قلبه، اختار الشاب المهذب أن يعمل «دليفري» ليساعد أسرته، كان سيف يحرص على إعطاء والدته يوميًا مبلغًا يتراوح بين 200 و300 جنيه لتدخرها له، مؤمنًا أن هذه المدخرات ستساعده في بناء بيت الزوجية وتحقيق حلمه بالاستقرار، لكن القدر كان يخبئ له نهاية مأساوية، جعلت اسمه حديث المدينة، وألقت بظلال الحزن على شوارع بورسعيد بعدما عرف الجميع بقصته. مشادة في مساء يوم الواقعة، كان سيف متواجدًا في منطقة النشار، وسط حركة الأهالي والباعة، لم يكن الابن البار بأسرته يتخيل أن مشادة كلامية عابرة مع أحد الأشخاص يمكن أن تتحول إلى جريمة قتل، تطورت الكلمات الحادة إلى اشتباك بالأيدي، قبل أن يباغته المتهم وزملاؤه، مسلحين بأسلحة بيضاء، وسط ذهول المارة، تلقى سيف ثلاث طعنات نافذة؛ إحداها في صدره من الناحية اليسرى، وأخرى قطعية في وجهه، وثالثة في ذراعه الأيسر. الأهالي صرخوا، النساء أطلقن صيحات الفزع، بينما تهاوى جسد الشاب على الأرض، لم يكتفِ الجناة بذلك، بل أظهر مقطع فيديو لاحق كيف قاموا بجره على الأرض وسط بركة من الدماء، قبل أن يلوذوا بالفرار. سباق مع الموت نُقل سيف إلى مستشفى السلام في حالة حرجة، والدماء لا تتوقف عن النزيف، الأطباء حاولوا بكل الطرق إنقاذه، لكن الطعنات كانت عميقة، والأعضاء الحيوية أصيبت إصابة قاتلة، ظل يصارع الموت لساعات، لكن روحه فاضت إلى بارئها، لتتحول المستشفى إلى ساحة بكاء وانهيار لوالدته وأسرته. الأجهزة الأمنية، بقيادة اللواء محمد الجمسي مدير الأمن، واللواء ضياء زامل مدير المباحث، نجحت في ضبط المتهم بعد دقائق معدودة من ارتكاب الجريمة، وتم التحفظ عليه لاستكمال التحقيقات. أمام مشرحة مستشفى السلام، جلست الأم المكلومة وسط جيرانها وأقاربها، تحكي بمرارة تفاصيل آخر لقاء جمعها بابنها، قالت وهي تمسح دموعها: «ابني كان حافظ لكتاب الله، قلبه أبيض، بيشتغل ليل نهار عشان يساعدنا، ومعاه أخ صغير هو كل ما لنا، ما كانش بيأذي حد، وبيحسب حساب ربنا في كل خطوة». ثم أضافت بصوت مخنوق: «اللي حصل دا غدر، خلاف بسيط ما يستاهلش القتل، لكنهم جابوا السلاح وقرروا ينهوا حياة ابني، أعدموا سيف في الشارع قدام الناس، وأنا انتظر القصاص، الذي سوف ينطق به القاضي جزاء فعلة هذا الشاب المجرم الذي انهى حياة ابني بكب خسة ونذالة». ورغم الحزن، أطلقت الأم زغاريد مرتين؛ الأولى حين خرج جثمانه من المشرحة بعد تغسيله، والثانية عند إنزاله القبر، مؤكدة أنه «عريس في الجنة»، وأنه كان يتلوا سورة الملك كل ليلة، تلك السورة التي تؤمن بأنها ستكون منجية له في قبره. مشهد الجنازة يوم الجنازة، خرج أصدقاء وجيران سيف الجميع كانوا في وداعه،عشرات المشيعين تجمعوا أمام مسجد الحسين، تتقدمهم أسرة الفقيد، كان المشهد مهيبًا، صرخات الأصدقاء، دموع الجيران، وانهيار الأقارب، فيما علت أصوات الدعاء له بالرحمة. شقيقه مالك، الطفل الذي لم يكمل الخامسة عشرة، سار بجانب النعش مرتديًا تيشيرت شقيقه، يحتضنه بيديه وكأنه يحاول أن يرد له الروح، لم يتمالك الصغير نفسه، فانهار في البكاء بين أحضان الأهل، بينما حاول والده، الذي أفنى عمره في التجارة من أجل أبنائه، أن يبقى ثابتًا، لكنه لم يستطع، وقال بمرارة: «كنت مستني اليوم اللي يشيلني فيه على كتافه، مش اليوم اللي أدفنه فيه». مع كل خطوة نحو المقابر، كانت صرخات النساء تزداد، والدعوات له تتعالى، حتى لحظة إنزال الجثمان إلى مثواه الأخير، كان الحزن يخيم على كل الحضور. تحقيقات عقب الجريمة، باشرت النيابة العامة التحقيقات، وأمرت بعرض الجثمان على الطب الشرعي، حيث أكد التقرير أن الوفاة نتجت عن طعنة نافذة بالقلب سببت نزيفًا داخليًا حادًا، بالإضافة إلى إصابات قطعية أخرى، وصرحت النيابة بدفن الجثمان، بينما لا يزال التحقيق مستمرًا لكشف ملابسات الواقعة كاملة. الأهالي من جانبهم قالوا بعدما اعتلى الحزن وجوههم: أن الجريمة رسالة خطيرة تستدعي ردعًا صارمًا لكل من تسول له نفسه حمل السلاح الأبيض في الشارع. سيف – وكما اضافوا؛ أحلامه التي ظل يحكيها لنا باستمرار هي بناء بيت صغير، وزوجة صالحة، وأطفال يربّيهم على حفظ القرآن، كل هذه الأمنيات المشروعى تحطمت في لحظة طيش وغدر بلا داعى، المجني عليه ترك خلفه أمًا تئن، وأبًا مكسور القلب، وأخًا صغيرًا سيكبر وهو يتذكر أن شقيقه رحل قبل أن يُكمل حلمه. وهكذ كانت النهاية، سيف عبد المنعم صار مجرد خبر في صفحات الحوادث، بعدما كان شابا نقيا بار بأسرته، فقد حياته في لحظة غدر بسبب مشادة الطبيعى أن تنهي في لحظات لكن كيف يحدث هذا وهناك من يضمر الشر في قلبه للمجني عليه. اقرأ أيضا: بغرض سرقته.. ضبط قاتل تاجر مواشي بإسنا