فى كل مرة تطل علينا صورته بملامحه البسيطة وضحكته التى لا تُنسى، نشعر أن إسماعيل ياسين لم يرحل أبدًا، في ذكرى ميلاده ال113 نستعيد حكاية فنان وُلد من رحم المعاناة ليمنح الناس الفرح، ورجل جعل من الكوميديا مرآة للحياة بكل تناقضاتها.. لم يكن مجرد نجم شباك أو بطل لأفلام عابرة، بل صار جزءًا من وجدان أمة كاملة؛ ضحكت معه وبكت لرحيله، وما زالت حتى اليوم تردد إفيهاته كأنها أنغام خالدة، لم يكن إسماعيل ياسين ممثلاً فحسب، بل كان «الضحكة» التي وُلدت لتبقى. ◄ ابن السويس.. نجم السينما ولد إسماعيل ياسين في ميدان الكسارة بمنطقة الغريب بالسويس، لأسرة ميسورة تعمل في تجارة الذهب. فقد والدته صغيرًا، وعاش معاناة قاسية بعد زواج والده من أخرى كانت سببًا في ضياع ثروة الأسرة وتراكم الديون، حتى انتهى الأمر بسجن والده.. دخل عالم السينما 1939 على يد المخرج فؤاد الجزايرلي بفيلم «خلف الحبايب» إلى جانب أنور وجدي وعقيلة راتب. ارتبط اسمه بسلسلة من الأفلام التي حملت اسمه في عناوينها، منها «إسماعيل ياسين في الجيش.. في البوليس الحربي.. في الطيران.. في الأسطول».. وغيرها. ◄ زملكاوي يعشق التصوير تزوج ثلاث مرات، ولم ينجب سوى ابن واحد هو المخرج الراحل ياسين إسماعيل ياسين، من زوجته الأخيرة فوزية. وقالت حفيدته سارة ياسين إن جدها كان مولعًا بالتصوير، يوثق تفاصيل حياته بالصور، خاصة أعياد ميلاد ابنه ياسين التي كانت بمثابة «يوم عيد» بالنسبة له.. أحب الموسيقى، وتحديدًا صوت كوكب الشرق أم كلثوم، وكان أحيانًا يلحن بنفسه بعض المونولوجات التي اشتهر بها.. وعن انتمائه الرياضي، كشفت حفيدته أن جدها كان زملكاويًا متعصبًا، وصديقًا مقربًا من الكابتن حمادة إمام. ◄ اقرأ أيضًا | إسماعيل يس.. من المونولوج إلى قمة السينما ◄ بطل «إشاعة حب» الأصلي قليلون يعرفون أن إسماعيل ياسين كان المرشح الأول لتجسيد شخصية حسين في فيلم «إشاعة حب» 1961، الدور الذي ارتبط باسم عمر الشريف، بل إن الفنان الراحل عبد الفتاح القصري كان سيؤدي الدور الذي قدّمه في النهاية يوسف وهبي. لكن انشغال إسماعيل ياسين في تلك الفترة بسلسلة من أعماله الفنية جعله يعتذر عن عدم المشاركة؛ ليقرر المخرج فطين عبد الوهاب أن يخوض مغامرة غير متوقعة بإسناد الأدوار الرئيسية إلى نجوم لم يُعرفوا بالكوميديا من قبل، وكانت النتيجة أن قدّم عمر الشريف شخصية «حسين»، بينما أبدع يوسف وهبي في دور «عبد القادر النشاشجي»، ليصنعا معًا واحدًا من أهم كلاسيكيات السينما المصرية وأكثرها جماهيرية حتى اليوم. ◄ قصة حب مأساوية في بدايات شبابه أحب زميلة له في إحدى الفرق الفنية بكل صدق واندفاع، لكنه اكتشف أنها ارتبطت بعلاقة عاطفية مع شخص آخر. أحس بخيبة أمل قاتلة وإحباط شديد، وسيطر عليه شعور بعدم جدوى الحياة، وفكر في الانتحار حتى قابله رجل بالصدفة عرض عليه أن يعمل معه في كازينو يملكه. هذا اللقاء غير مسار حياته. ◄ اقرأ أيضًا | إسماعيل يس.. من المونولوج إلى قمة السينما ◄ ثلاثي النجاح 1954 تشكلت شراكة فنية جمعته بالمؤلف أبو السعود الإبياري والمخرج فطين عبد الوهاب، وأسفرت عن سلسلة أفلام شهيرة تحمل اسمه، وهي أفلام صنعت مجده السينمائي وأحبها الجمهور بمختلف الأعمار. كانت العلاقة بين إسماعيل والإبياري أعمق من مجرد تعاون فني، فقد جمعتهما صداقة منذ أيام عملهما في كازينو بديعة مصابنى، وإلى جانب السينما أسس إسماعيل مع الإبياري فرقة إسماعيل ياسين المسرحية التي قدمت أكثر من 65 مسرحية. ◄ سُمعة ل«آخرساعة»: «التليفزيون سرق جمهوري وضيّع ولدي» في أواخر الستينيات خصّ إسماعيل ياسين مجلة (آخرساعة) بحوار صريح كشف فيه عن غضبه الشديد من التليفزيون المصري، واصفًا إياه بأنه أصبح «خصمًا غير شريف» للمسرح والسينما، وقال إن ابنه الوحيد يس أصبح لا يفارق جهاز التليفزيون، حتى أهمل دراسته، معتبرًا أن هذه ليست مشكلته وحده، بل مشكلة كل أسرة مصرية لديها أطفال في المدارس. وأضاف ساخرًا: «ابني بقى صاحب التليفزيون الملعون.. والنتيجة إنه مش بيذاكر خالص». واقترح حلًا حاسمًا: أن يبدأ إرسال البرامج في السابعة والنصف مساءً بعد أن ينهي الأولاد واجباتهم ويلعبوا، وأن يتوقف البث عند الثامنة والنصف، حتى يكون معظم الأطفال في طريقهم إلى النوم، وانفعل قائلًا: «التليفزيون دخل معركة غير شريفة؛ بيسرق الجمهور من المسرح والسينما، يبث 12 ساعة في اليوم! واختتم حديثه: «التليفزيون لحد دلوقتي ما خلقش نجم واحد.. كل اللي بيعمله إنه يستعين بنجوم السينما والمسرح وكتابهم». ◄ ابن الوطن البار لم يكن «سمعة» مجرد نجم كوميديا يرسم البسمة على الوجوه، بل كان ابنًا بارًا لوطنه. تجلّى ذلك خلال العدوان الثلاثي عام 1956، حين قرر التبرع بمبلغ 2000 جنيه و750 مليمًا لصالح تسليح الجيش المصري، وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمن، وقد وجَّه له رئيس الوزراء حينها خطاب شكر رسمياً تقديرًا لموقفه الوطني المشرف. ◄ أضحك الملايين ورحل حزينا روت سامية شاهين، زوجة المخرج الراحل ياسين إسماعيل ياسين، في أحد اللقاءات التليفزيونية تفاصيل مؤلمة عن السنوات الأخيرة للفنان الكبير، فقد جلس إسماعيل في منزله لفترات طويلة بلا عمل، واضطر إلى السفر إلى لبنان بحثًا عن رزقه. هناك قدّم إعلانات ومسلسلات تليفزيونية سبقت عصرها، لكن هوجم بسببها، وعندما عاد إلى مصر، كانت الصدمة الأكبر.. رصيده البنكي الذي كان يبلغ نحو 300 ألف جنيه اختفى، ولم يجد سوى جنيهين فقط بعد أن حجزت الضرائب على أمواله. الصدمة أدت لإصابته بأعراض شلل نصفى استمرت أسبوعًا كاملًا، ومع ضيق الحال لجأ مضطرًا للعمل في الكباريهات ليكسب قوت يومه. أما آخر محطاته فكانت فيلم «الرغبة والضياع» مع رشدي أباظة، لكنه لم يتمكن من استكماله، إذ وافته المنية بعد أربعة أيام فقط من بدء التصوير، وفي 24 مايو 1972 أسدل «أبو ضحكة جنان» الستار، ورحل عن عمر ستين عامًا. لم يمتلك مدفنًا خاصًا، فدُفن في مدفن شوقي كوسة، صاحب كباريه «شهرزاد».