في تطورات سياسية هزت اليابان أعلن رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا استقالته المفاجئة في 7 سبتمبر 2025، بعد أقل من عام فى المنصب، وجاءت هذه الاستقالة كرد فعل على الهزائم الانتخابية المدوية التي تعرض لها الحزب الليبرالي الديمقراطي، الحزب الحاكم، في الانتخابات العامة التي أُجريت في يوليو 2025، والتي أدت إلى فقدان الحزب أغلبيته المطلقة في البرلمان. ◄ «المرأة الحديدية» الأقرب لكرسي الحكم باليابان ◄ سابقة تاريخية.. تاكايشي تفوز بزعامة الحزب الحاكم وتنتظر التصويت البرلماني هذه الأحداث ليست مجرد تغيير في القيادة، بل تعكس أزمة عميقة داخل الحزب التاريخى الذي يسيطر على السياسة اليابانية منذ عقود، ومع اقتراب الانتخابات الداخلية لقيادة الحزب فى 4 أكتوبر 2025، برزت ساناى تاكايشي كمرشحة رئيسية، ففى تطور دراماتيكى فازت بمنصب رئيس الحزب الليبرالى الديمقراطى، مما يجعلها المرشحة الأولى لتصبح أول رئيسة وزراء يابانية فى تاريخ البلاد، حيث سيتم التصويت فى البرلمان لتعيينها رسميًا فى 15 أكتوبر الحالى، ومن المتوقع أن تحصل على دعم الأغلبية بفضل تحالف حزبها مع حزب كوميتو الشريك. ◄ أسباب الاستقالة تولى شيجيرو إيشيبا منصب رئيس الوزراء في أكتوبر 2024 بعد فوزه بانتخابات قيادة الحزب الليبرالى الديمقراطي، خلفًا لفوميو كيشيدا الذى استقال تحت ضغط الفضائح المالية. كان إيشيبا معروفًا بآرائه المحافظة المتشددة حول الدفاع العسكرى، حيث دافع عن زيادة الإنفاق العسكرى وتعزيز التحالف مع الولاياتالمتحدة، لكنه سرعان ما واجه تحديات داخلية وخارجية في الانتخابات العامة لمجلس النواب فى يوليو 2025، والتى مُنى فيها الحزب بهزيمة تاريخية بعد أن خسر أكثر من 60 مقعدًا، مما أدى إلى فقدان الأغلبية المطلقة لأول مرة منذ 2009. ونتجت هذه الهزيمة عن عدة عوامل، مثل الفضائح المستمرة المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية داخل الحزب، وارتفاع الأسعار المعيشية بنسبة 3% فى السنة، وانخفاض شعبية إيشيبا الذى لم يتمكن من تنفيذ وعوده الاقتصادية مثل إصلاح نظام الضرائب أو دعم الشباب فى سوق العمل الراكد. وأدت هذه الهزيمة إلى ضغوط داخلية هائلة من أعضاء الحزب الذين رأوا فى إيشيبا رمزًا للفشل. وفى 7 سبتمبر الماضى أعلن إيشيبا استقالته من رئاسة الحزب والحكومة، مشيرًا إلى أن ذلك يأتي في لحظة طبيعية بعد إنهاء مفاوضات تجارية مع الولاياتالمتحدة حول التعريفات الجمركية. ◄ اقرأ أيضًا | سول وطوكيو يؤكدان التزامهما بنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية ◄ ضغوط الجناحين ووصف المحللون هذه الاستقالة بأنها حتمية، حيث كانت الضغوط من الجناحين المحافظ والإصلاحي داخل الحزب قد بلغت ذروتها، ووفقًا للتقارير، أدت الاستقالة إلى فترة انتقالية قصيرة، حيث يتولى إيشيبا مهامه حتى يتم انتخاب خليفته، مما يعكس الاستقرار النسبى فى النظام السياسى اليابانى رغم الاضطرابات. هذه الاستقالة هى الرابعة فى خمس سنوات لقادة الحزب، مما يشير إلى أزمة هوية داخل الليبرالي الديمقراطى، الذى يواجه تحديات من المعارضة المتزايدة، خاصة من الحزب الديمقراطى الدستورى. ◄ انتخابات داخلية مع استقالة إيشيبا، أعلن الحزب عن انتخابات رئاسية داخلية سريعة فى أكتوبر الحالى لاختيار الرئيس الجديد، الذى سيكون تلقائيًا رئيسًا للوزراء. شارك فى الانتخابات خمسة مرشحين رئيسيين يمثلون طيفًا واسعًا من الآراء داخل الحزب، وهم: ساناى تاكايشى المحافظة المتشددة، وشينجيرو كويزومى الإصلاحى الشاب، وتارو أسو الدبلوماسى التقليدى، وتوشيهيتو هيجاشى الاقتصادى، وفوكوشيرو إينادا الداعمة للإصلاحات الاجتماعية. في الجولة الأولى حصلت تاكايشى على 183 صوتًا، متفوقة على كويزومى الذى حصل على 164 صوتًا، بينما توزعت الأصوات على الآخرين. وفى جولة الإعادة بين تاكايشى وكويزومى، فازت تاكايشى بفارق ضئيل، مدعومة بجناح آبى السابق (رئيس الوزراء الراحل شينزو آبى). ◄ انتخابات متوترة كانت الانتخابات مشحونة بالتوتر، حيث سعى الحزب إلى استعادة الثقة بعد الهزائم الانتخابية، مع التركيز على قضايا مثل الاقتصاد، والأمن الإقليمي، والإصلاحات الاجتماعية. وأشارت التقارير إلى أن فوز تاكايشى يعكس رغبة الحزب فى التغيير الجرىء، لكنها أثارت مخاوف من تصعيد التوترات مع الصين وكوريا الجنوبية بسبب مواقفها التاريخية. ◄ من هى تاكايشي؟! ساناى تاكايشى، البالغة من العمر 64 عامًا، سياسية بارزة شغلت مناصب عديدة فى الحكومات السابقة، وُلدت عام 1961 بمدينة ميشيمى، وتخرجت فى جامعة كيو فى 1987، وبدأت مسيرتها السياسية 2005 عندما انتُخبت عضوًا فى مجلس النواب، وسرعان ما أصبحت وزيرة للشئون الداخلية والاتصال 2014 تحت حكم شينزو آبى. كانت تاكايشى تلميذة مخلصة لآبى، وتدعم رؤيته المحافظة المتشددة، بما فى ذلك تعديل الدستور اليابانى للسماح بقوات دفاعية أكثر عدوانية، ورفض الاعتذار الرسمى عن جرائم الحرب اليابانية فى الحرب العالمية الثانية. وهى معجبة بمارجريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، وتدعو إلى سياسات اقتصادية ليبرالية صارمة، بما فى ذلك خفض الضرائب وتقليص الإنفاق الحكومى. في حملتها الانتخابية ركزت تاكايشى على استعادة الاقتصاد اليابانى من خلال دعم الشركات الصغيرة ومواجهة التضخم، مع التأكيد على تعزيز التحالف مع الولاياتالمتحدة ضد التهديدات الصينية. وأثارت آراؤها المثيرة للجدل انتقادات، خاصة زيارتها المتكررة لمعبد ياسوكونى الذى يُعتبر رمزًا للقومية اليابانية، مما يُغضب جيران اليابان، كما دعت إلى إصلاحات اجتماعية محدودة مثل زيادة مشاركة المرأة فى سوق العمل، لكنها ترفض الإجهاض الكامل أو قوانين المساواة الجنسية المتطرفة. ◄ فوز تاريخي يُعتبر فوزها تاريخيًا لأنها أول سيدة تتولى رئاسة الحزب، مما يفتح الباب أمام نقاش حول دور المرأة فى السياسة اليابانية، حيث لا يزال الرجال يسيطرون على 90% من المناصب القيادية. ◄ احتمالات الفوز مع فوزها برئاسة الحزب أصبحت تاكايشي المرشحة الرئيسية لمنصب رئيس الوزراء، ومن المتوقع أن يؤكد البرلمان تعيينها فى 15 أكتوبر بفضل التحالف مع حزب كوميتو الذى يضمن الأغلبية، واحتمالات حدوث ذلك عالية جدًا، حيث لا توجد معارضة قوية كافية لمنعها، على عكس الانتخابات السابقة. ومع ذلك، تواجه تحديات فورية؛ فاقتصاديًا، تعانى اليابان من ركود محتمل مع ارتفاع الديون العامة إلى 260% من الناتج المحلى الإجمالي، وتضخم يؤثر على الطبقة الوسطى، أما سياسيًا، فعليها توحيد الحزب المنقسم، خاصة بعد هزيمة يوليو، ومواجهة المعارضة التى تطالب بإصلاحات دستورية، وعلى الصعيد الدولي، قد تؤدى سياساتها المتشددة إلى توتر مع الصين، لكنها ستعزز الروابط مع أمريكا وأستراليا. وإذا أصبحت رئيسة وزراء اليابان، ستكون تاكايشى رمزًا للتغيير، مما يشجع على زيادة تمثيل النساء فى السياسة، حيث لا تزال اليابان في المرتبة 125 عالميًا في مؤشر المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، قد يُنظر إليها ك«رئيسة محافظة» لا تتجاوز الإطار التقليدى، مما يحد من إصلاحاتها الاجتماعية. فوز ساناى تاكايشى يفتح صفحة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، فهى أول امرأة تشغل المنصب، وقد تُعيد تشكيل السياسة اليابانية نحو المزيد من الجرأة، لكن نجاحها يعتمد على قدرتها على التوفيق بين المحافظة والإصلاح، ففى عالم متغير، ستكون "يابان تاكايشى" محور الاهتمام، خاصة مع الانتخابات العامة المقبلة العام القادم، وهذا التغيير ليس مجرد حدث داخلى، بل يؤثر على التوازن الإقليمى فى آسيا.