كعادة الوسط الفني الذي لا يكفّ عن البحث عن الجديد والمثير للجدل، ظهر في الآونة الأخيرة عدد من الفنانين الرجال بإطلالات غير مألوفة على الجمهور، بعدما ارتدوا حلقانًا في مناسبات فنية أو لقاءات عامة. الأمر الذي فجّر موجة واسعة من الجدل على السوشيال ميديا، بين من رأى فيها «حرية شخصية» أو محاولة لمواكبة الموضة العالمية، وبين من اعتبرها تقليعة مستفزة لا تتناسب مع العادات والتقاليد المصرية. فهل الحلق عند النجوم العرب مجرد موضة عابرة يحاولون بها تقليد الغرب؟ أم إنه أصبح أداة صادمة يلجأ إليها البعض لخلق ضجة وتصدر الترند، حتى لو جاء ذلك على حساب رضا جمهورهم وذوق مجتمعهم؟ ◄ آسر ياسين.. لمسة جريئة أم خروج عن الكلاسيكية؟! ◄ الهضبة والفيشاوي وسامي وحبيب في قلب العاصفة ◄ طارق الشناوي: الفنان كائن يبحث دائما عن الاختلاف مؤخرًا، أشعل الفنان آسر ياسين الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره بمهرجان العلمين في حفل مطرب الراب ويجز مرتديًا حلقًا بسيطًا ضمن إطلالة مختلفة عن المألوف. ورغم أن آسر يُنظر إليه دائمًا كرمز للأناقة الكلاسيكية، فإن هذه اللمسة «الغريبة» دفعت جمهوره للانقسام بين من اعتبرها جرأة عصرية، ومن رآها خروجًا غير مبرر عن حدود الذوق العام والعادات الشرقية. لكن آسر لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، فقد سبق أن ظهر عدد من الفنانين المصريين والعرب بنفس الإطلالة، ما جعل «الحلق الرجالي» يتحول إلى موضوع دائم للسخرية والانتقاد على السوشيال ميديا. ◄ من دياب إلى الفيشاوي الفنان عمرو دياب كان قد فاجأ جمهوره فى إعلان عطره عام 2018 حين ارتدى حلقًا أزرق صغيرًا، وقد اعتبرها البعض محاولة للتجديد، فيما رأى آخرون أنها لا تتناسب مع صورة «الهضبة» المتعارف عليها. أما أحمد الفيشاوي فقد اعتاد على الظهور بإطلالات صادمة، تتراوح بين الوشوم والحركات المثيرة أمام الكاميرات، وكان ارتداؤه للحلق أكثر من مرة سببًا فى هجوم شرس عليه بتهمة «استفزاز الجمهور». كما ظهر شادي شامل مؤخرًا مرتديًا حلقًا فى إحدى الحفلات، دون أن يلتفت لردود فعل الحضور الذين لاحقوه بسخرية طوال الأمسية. كما دخل المخرج محمد سامي مؤخرًا دائرة الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ظهوره مرتديًا «حلقًا» خلال مشاركته فى حفل توزيع جوائز القلم الذهبى الذى أُقيم فى الرياض. ظهور سامى بهذا الشكل أثار سيلًا من التعليقات المتباينة، ما بين السخرية والدهشة والإعجاب، حيث كتب البعض: «حلو الحلق يا فنان»، بينما علق آخرون: «هو لابس حلق بجد؟!» و«الحلق يجنن عليك»، لتتفاوت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض. وبذلك ينضم سامي إلى قائمة الفنانين الذين أثاروا جدلًا مشابهًا بسبب ارتداء «الحلق»، وعلى رأسهم المطرب أحمد سعد، فقد واجه الأخير انتقادات واسعة بعد ظهوره بالحلق خلال حفل Joy Awards في الرياض، وكذلك فى موسم جدة عام 2023. ولم يتردد سعد فى الاعتراف بندمه على تلك الخطوة، حيث قال: «أنا ندمان إنى لبست الحلق، بس دى موضة عند الغرب، ومش مقتصر على الستات، فى شباب كتير بيلبسوه. دلوقتى الدنيا اتغيرت وبقينا كلنا باصين على بعض». ولم يتوقف الأمر عند الفنانين والمخرجين، إذ اختار السيناريست تامر حبيب أن يطل على جمهوره فى لقاء تلفزيونى وهو يرتدى حلقًا مع ملابس ملفتة زادت من غرابة المشهد. ◄ اقرأ أيضًا | نجلاء بدر تدافع عن عمرو دياب : توت عنخ آمون كان يرتدي حلق ◄ تقليعة قديمة ولعل المفاجأة أن هذه الظاهرة ليست جديدة تمامًا؛ فقد تداول رواد السوشيال ميديا صورة نادرة للفنان رشدى أباظة فى إحدى جلسات التصوير القديمة وهو يرتدى حلقًا، ما يشير إلى أن المسألة ارتبطت بالفن منذ زمن الأبيض والأسود، لكنها لم تكن مثار جدل كما هو الحال اليوم. الناقد الفني طارق الشناوي يرى أن: «الفنان كائن يبحث دائمًا عن الاختلاف، لكن المشكلة فى مجتمعاتنا أن أى محاولة للخروج عن المألوف تُقرأ باعتبارها تحديًا للقيم، بينما فى الغرب تُستقبل كجزء من حرية التعبير، والحلق الرجالى بالنسبة للبعض ليس مجرد زينة، بل رمز لاقتحام منطقة غير مألوفة فى صورة الرجل الشرقي. لذلك يُستقبل بالرفض والصدمة، خاصة عندما يصدر عن نجوم يمتلكون تأثيرًا واسعًا على الشباب». ◄ مقارنة مع الغرب في المقابل، يظهر نجوم عالميون مثل جوني ديب، هاري ستايلز، وحتى لاعبو كرة القدم مثل ديفيد بيكهام بالحلقان بشكل طبيعى ودون أى هجوم يُذكر، بل إن ارتداء الحلق هناك يُنظر إليه كجزء من الموضة أو الهوية الفنية، بينما فى السياق العربى غالبًا ما يُستقبل كفعل «استفزازي» أو «خارج عن التقاليد». ◄ الصورة الذهنية يرى الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، أن الحلق ليس مجرد موضة عابرة ارتبطت بالنجوم فى العصر الحديث، بل له جذور ممتدة فى ثقافات الشعوب منذ آلاف السنين. فأول رصد لرجل يرتدى حلقًا يعود إلى 1650 قبل الميلاد عند القدماء المصريين، حيث كان العبيد يُجبرون على ارتدائه لتمييزهم عن الأشراف والحكام. وعندما فُتحت مقبرة توت عنخ آمون عام 1923 وُجدت أذنه مثقوبة وبجوار موميائه أكثر من قرط، مما يشير إلى أن الرجال كانوا سباقين فى ارتداء الحُلي. ومع مرور العصور، تغيّرت الدلالات الثقافية للحلق؛ فبينما ارتبط فى زمن ما بالتمييز الطبقي، صار لاحقًا رمزًا للزينة الأنثوية، بل إن بعض العائلات فى الأرياف المصرية كانت تثقب أذن المولود الذكر خوفًا من الحسد. أما فى الزمن الحديث فقد أحدث ارتداء عدد من نجوم الوسط الفنى للحلقان، خصوصًا فى المناسبات العامة، جدلًا واسعًا ورفضًا شعبيًا، باعتباره خروجًا على الأعراف والعادات السائدة. ويُفسر د. هندى الظاهرة من منظور نفسى، قائلا أن الفنان يسعى دومًا لتكوين صورة ذهنية عن ذاته وجسده تمنحه الثقة، فبينما كان رمز الجاذبية قديمًا هو الشعر الأشقر أو العيون الملونة، تطور الأمر إلى إبراز العضلات، ثم استُكملت الصورة عبر الإكسسوارات مثل الحلقان والحقائب، حتى لو بدت «حريمي». ويضيف أن بعض الفنانين يلجأون لارتداء الحلق كنوع من التمرد أو الإحساس بالتحرر، «كأنه لا يرى أحدًا»، أو كوسيلة لمجاراة الشباب رغم تقدم العمر كما فى حالة عمرو دياب الذى ما زال يظهر بروح شابة فى السبعين من عمره. وهنا يتداخل الأمر مع الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعى وتذويب الحدود بين الثقافات، مما يجعلها ظاهرة عالمية وليست محلية فقط. ويشير هندي إلى أن بعض الفنانين يسعون من خلال هذه الممارسات إلى توكيد الذات وإثبات أنهم ما زالوا قادرين على العطاء والتجديد، أو لمحاكاة نجوم الغرب، كما أن ارتداء الحلق الباهظ الثمن قد يكون وسيلة لجذب الانتباه وإثارة الجدل، فيتحول إلى قيمة مضافة تضمن للفنان استمرار حضوره ولفت الأنظار لأكثر من حفل أو ظهور إعلامي. ومع انتشار الظاهرة بين أسماء مثل آسر ياسين، شادى شامل، المخرج محمد سامي، وأحمد الفيشاوي، يرى هندى أن الأمر أصبح مؤشرًا للمنافسة بين أجيال مختلفة، بل ورغبة لدى الجيل الجديد في الخروج عن النسق القيمي والتقليدى السائد.