لم تتأخر مصر في الرد على التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي ألمح فيها إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة عبر معبر رفح، الرد المصرى جاء حاسمًا وصريحًا «مصر لن تكون طرفًا في أي مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه». هذا الموقف لم يقتصر على البيان الرسمى الصادر عن وزارة الخارجية، بل تفاعل معه سياسيون، وسفراء، وخبراء استراتيجيون، ونواب البرلمان والأحزاب المصرية، ليشكلوا جبهة داخلية وخارجية تؤكد أن «رفح خط أحمر» وأن أى محاولة للمساس بالثوابت الوطنية ستُواجه بحزم. ◄ «الخارجية»: التهجير جريمة حرب.. والهوية الفلسطينية ليست للبيع ◄ عبدالعاطي: التهجير الطوعي هراء سياسي وتطهير عرقي مرفوض الدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية وصف فى مؤتمر صحفى عقده في نيقوسيا، تصريحات نتنياهو بأنها «محاولة للهروب إلى الأمام»، مؤكدًا أن مصر لن تقبل تحت أى ظرف بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وأوضح أن الحديث الإسرائيلي عن «التهجير الطوعي» لا يعدو كونه «هراءً سياسيًا»، مُشددًا على أن القاهرة تعتبر أي مسعى من هذا النوع جريمة تطهير عرقى مكتملة الأركان، وقال عبد العاطى إن مصر ترفض بشكل قاطع أن تتحول إلى بوابة لتهجير الفلسطينيين، مؤكدًا أن هذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهو موقف ثابت منذ 1948 وحتى اليوم». وتزامن الموقف المصرى مع بيانات إدانة من الأردنوقطر، حيث وصف أيمن الصفدى وزير الخارجية الأردنى تصريحات نتنياهو بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولى، فيما شددت قطر عبر متحدث وزارة خارجيتها ماجد الأنصاري على أن أى محاولة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ستواجه برفض عربى شامل، كما نالت القاهرة دعمًا من الأممالمتحدة أيضًا، حيث دعا أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف فورى لإطلاق النار وحماية المدنيين، ورفض أى إجراءات تهدد بتهجيرهم. ■ معبر رفح بوابة لدخول المساعدات من مصر لأهل غزة وليس لتهجيرهم ◄ اقرأ أيضًا | نتنياهو: ولت الأيام التي كان فيها قادة «حماس» محصنين في أي مكان ◄ انتفاضة النواب نيابيًا، أكد المُستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب أن مصر التزمت دائمًا بدعم الحقوق الفلسطينية، وأنها ستظل تدافع عن بقاء الشعب الفلسطينى فى أرضه، بينما أكدت لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، برئاسة النائب كريم درويش، أن تصريحات نتنياهو تُمثل تهديدًا للأمن القومى المصرى قبل أن تكون اعتداءً على الشعب الفلسطينى، فيما أشار نواب الأغلبية والمعارضة على السواء إلى أن مصر لن تسمح بتكرار «نكبة جديدة»، مؤكدين أن قضية فلسطين ستظل فى صميم ووجدان المصريين، وأن أى محاولة لتصفية القضية ستسقط عند أبواب القاهرة. الدكتور أيمن محسب وكيل لجنة الشئون العربية بمجلس النواب شدد على أن تصريحات نتنياهو تمثل «استفزازًا فجًا» يكشف عن التوجهات الإسرائيلية القائمة على العدوان والتهجير القسرى، وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية تتعمد إطالة الصراع عبر الحصار والتجويع وتدمير البنية التحتية فى غزة، وهى ممارسات ترقى لجرائم ضد الإنسانية، مؤكدًا أن مصر قيادة وشعبًا ومؤسسات ترفض بشكل قاطع الزج باسمها فى أى مخطط يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، مشددًا على أن معبر رفح سيظل معبرًا إنسانيًا لدعم الفلسطينيين. وتقول النائبة الدكتورة هالة أبو السعد وكيلة لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إن بيان وزارة الخارجية المصرية يجسد ثبات الموقف الوطني في رفض محاولات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وأشارت إلى أن التهجير القسرى جريمة تطهير عرقى تستوجب المحاسبة الدولية، مؤكدة أن مصر وضعت خطًا أحمر يتمثل في رفض أن تكون أراضيها أو معبر رفح بوابة للتهجير، وأوضحت أن الحل العادل يتمثل فى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. ■ الاحتلال يمحو معالم غزة ◄ اصطفاف حزبي الأحزاب المصرية بمختلف توجهاتها أعلنت اصطفافها خلف موقف الدولة، حيث أعلن حزب الجبهة الوطنية رفضه القاطع للتصريحات المنسوبة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة عبر معبر رفح، حيث أكد حزب الجبهة الوطنية أن هذه التصريحات تمثل انتهاكًا صارخًا لكل القوانين والأعراف الدولية ومحاولة مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية وطمس حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مُشددًا على دعمه الكامل للموقف المصري الثابت برفض أى محاولات لفرض التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية تحت أى مسمى، مشيرًا إلى أن مصر كانت ولا تزال في طليعة المدافعين عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ورفض كل محاولات العبث بأمن المنطقة واستقراره. وحذر حزب الجبهة الوطنية من خطورة مثل هذه التصريحات التى تكشف عن نوايا إسرائيلية للتصعيد وإطالة أمد الصراع، مؤكدًا أن التهجير القسرى لن يكون إلا جريمة إنسانية كبرى لن يسمح بها المجتمع الدولى. حزب مستقبل وطن، أكد أن مصر لم ولن تكون طرفًا في أي مخطط يستهدف العبث بالهوية الفلسطينية أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وشدد حزب الوفد على أن القاهرة ستظل درعًا واقية للقضية الفلسطينية، مُعتبرًا تصريحات نتنياهو محاولة للتغطية على جرائم الحرب فى غزة، أما حزب التجمع، فقد أكد أمينه العام سيد عبد العال أن الحديث عن تهجير الفلسطينيين عبر رفح يعكس إفلاسًا سياسيًا إسرائيليًا، وأن مصر بمواقفها التاريخية ستقطع الطريق على هذه المحاولات. الخبير الاستراتيجى اللواء هشام الحلبى المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، أوضح أن الموقف المصرى ثابت منذ النكبة الفلسطينية 1948، ولن يسمح بأى شكل بفرض واقع جديد عبر التهجير، مؤكدًا أن إسرائيل تحاول صناعة أزمة لتصفية القضية، لكن مصر تدرك أن الأمن القومى يبدأ من رفح، وأن أى مساس بها يهدد استقرار المنطقة بأسرها، واصفًا تصريحات نتنياهو بأنها إقرار علنى بمخطط تطهير عرقى، مُضيفًا: «استهداف البنية التحتية والمدنيين فى غزة ليس سوى محاولة منظمة لدفع السكان إلى الرحيل، لكن مصر تقف بالمرصاد، وتعلن أن هذا لن يمر». ◄ تصفية القضية القاهرة تعلمت من تجارب سابقة أن محاولات التهجير ليست إلا خطوات على طريق تصفية القضية الفلسطينية، هذا ما يؤكده السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق، والذى يُضيف أن مصر بخبرتها التاريخية لن تنجر إلى سيناريو يعيد رسم خريطة المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية، مؤكدًا أن القاهرة ليست فقط طرفًا إقليميًا، بل هى حجر زاوية فى معادلة الاستقرار، مشيرًا إلى أن رفض مصر للتهجير لا يُعبر عن موقف وطنى فقط، بل عن موقف إقليمى ودولى يرفض التطهير العرقى ويدعم الشرعية الدولية، مُعتبرًا أن الحديث عن إقامة ما يُسمى «مدينة إنسانية» فى رفح هو غطاء زائف لمخطط تهجير قسرى، مُشددًا على أن القاهرة تُدرك أن الأمن القومى العربى يبدأ من حدود فلسطين. ◄ رسائل سياسية الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية يؤكد أن بيان وزارة الخارجية المصرية جاء واضحًا وكاشفًا، وفى توقيت بالغ الأهمية من حيث دلالاته ورسائله السياسية المباشرة، حيث لم تكتف القاهرة بإرسال رسائل سياسية ودبلوماسية فحسب، بل أعلنت رسائل أمنية بليغة، في مقدمتها «إذا عدتم عدنا»، فى إشارة إلى أن استمرار إسرائيل فى طرح خطط التهجير، سواء القسرى أو الطوعى، سيمس بشكل مباشر طبيعة العلاقات القائمة بين البلدين، مُشيرًا إلى أن مصر ترد على المواقف المُتضاربة والمُتناقضة لرئيس الوزراء الإسرائيلى، لافتًا إلى ما كشفته استطلاعات الرأى الأخيرة، وعلى رأسها استطلاع صحيفة معاريف، من تراجع حاد في شعبيته وتدهور وضع ائتلافه الحاكم، وقال إن عودة نتنياهو لطرح ما يسميه «مدينة إنسانية» فى رفح جنوب قطاع غزة، تعكس خطة واضحة المعالم تستهدف تفريغ الأرض من سكانها الأصليين تحت شعارات إنسانية زائفة، وشدد على أن مصر، التى تجمعها بإسرائيل معاهدة سلام، تمتلك العديد من الأدوات والإجراءات الرادعة القادرة على تصحيح السلوك الإسرائيلي، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الإدارة الأمريكية، الداعمة لحكومة تل أبيب، تتحمل مسئولية مباشرة فى ردع إسرائيل وضمان استقرار المنطقة. ◄ جريمة حرب الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى يُشير إلى أن التصريحات الإسرائيلية تمثل خرقًا جسيمًا للقانون الدولى الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف التى تحظر بشكل قاطع التهجير القسرى للمدنيين. موضحًا أن سياسة التهجير، سواء تحت غطاء «طوعي» أو عبر «الإكراه»، تُعد وفق نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية جريمة حرب تستوجب المساءلة، وقال إن البيان المصرى الذى استهجن تصريحات نتنياهو جاء ليؤكد موقف القاهرة الراسخ من تلك المُخططات، ورفضها أن تكون معبرًا أو شريكًا فى أى عملية ترحيل للفلسطينيين من أراضيهم، فى انسجام تام مع المبادئ الدولية التى تكفل حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، مُشيرًا إلى أن التصريحات الإسرائيلية تعكس استمرار سياسة تل أبيب فى عرقلة الجهود الإنسانية، فى تحدٍ لقرارات محكمة العدل الدولية التى شددت في يناير 2024 على رفض هذه الممارسات، ولفت إلى أن شهود عيان، بينهم مسئولون دوليون وزعماء عالميون زاروا معبر رفح، وأكدوا أن إسرائيل هى الجهة المسئولة عن فرض الإغلاق على الجانب الفلسطيني من المعبر، وهو ما فاقم الأزمة الإنسانية فى غزة. أضاف، أن تصريحات نتنياهو حول التهجير لا تكشف فقط عن غياب النيات الحسنة تجاه أى تسوية أو وقف دائم لإطلاق النار، بل تُقوض أيضًا فرص حل الدولتين، منبهاً إلى أنها تمثل محاولة مكشوفة لتغيير التركيبة الديموغرافية في غزة بما يخالف قواعد القانون الدولى، مُشددًا على أن مصر جددت رفضها المطلق لمثل هذه المخططات، داعيًا المجتمع الدولى إلى تحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية فى مواجهة هذه الانتهاكات الصارخة ومُحاسبة مُرتكبيها.