صحيح أننى بدأتُ مساري المهني عقب تخرجي في كلية الإعلام إلى جريدة «الأخبار» حتى تشرفي حاليا برئاسة تحريرها، إلا أن لمجلة «آخر ساعة» في القلب مكانة خاصة. وقد أعادت الدعوة الكريمة من جانب رئيس التحرير الصديق العزيز أحمد هاشم لكتابة هذه السطور إلىّ فيضا من الذكريات الجميلة في رحاب «أميرة المجلات». أولى تلك الذكريات كانت خلال سنوات الدراسة، وكان يرأس تحرير المجلة العريقة الكاتب الصحفي الراحل محمود صلاح، وخلال إحدى زياراته لكلية الإعلام بجامعة القاهرة اقتربتُ منه، وكنتُ مبهورا – ولا أزال- بشخصيته وبما يكتب من إبداع لم يتكرر إلى اليوم في مجال صحافة الجريمة. طلبتُ منه فرصة التدرب في «آخر ساعة» فوافق شريطة الحصول على خطاب رسمي من الكلية. بدأت الإجازة الصيفية، فسارعتُ للحصول على طلب التدريب، وكان بصحبتى رفيق الدرب العزيز بسيوني الصبيحي، سألني عن وجهتي فأجبت بثقة: «مجلة آخر ساعة»، اقترح بود: ما رأيك أن أكون معك؟، فأجبت بثقة أكبر: طبعا. وقد كنا لا نفترق، حتى فرّق الموت بيننا. ■ ■ ■ سبقنى بسيونى إلى «آخر ساعة»، بينما انشغلتُ فى نشاط طلابى صيفى، وسبحان الله خلال تلك الأيام المعدودة تغيرت وجهتى إلى مجلة «الشباب» فى الأهرام زمن الراحل الكبير عبد الوهاب مطاوع، لكن بقيت خطوات الود لا تنقطع بين بسيونى وبينى تذرع المسافة القصيرة بين المبنى العريق ل»أخبار اليوم» حيث مقر «آخر ساعة» والمبنى الجديد فى الأهرام حيث مجلة «الشباب». بعد التخرج، قادتنى الأقدار إلى العمل فى جريدة «الأخبار»، فكانت «آخر ساعة» واحة أحن إليها كلما جئت إلى المبنى العريق، وبداخلى حنين وانتماء بقدر ما للمكان وأهله، وعقب الرحيل المفاجئ للعزيز بسيونى فى أوائل عام 2010، شعرتُ أن قطعة من قلبى ماتت معه، لكن حزنى على فراقه لم ينل من رصيد المحبة التى أستشعرها لمجلة «آخر ساعة» وأسرة تحريرها، خاصة مع توالى رؤساء تحرير ينتمون إلى جريدة «الأخبار»، ومنهم الأساتدة الأعزاء محمد بركات ومحمد الشماع ثم رفعت رشاد. ■ ■ ■ وخلال رئاسة الأستاذ والأخ الكبير محمد عبد الحافظ لتحرير «آخر ساعة»، سافرتُ فى أبريل من عام 2017 إلى الولاياتالمتحدة لتغطية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن. فى تلك الرحلة كلفنى الأستاذ عبد الحافظ بإعداد ملف شامل عن الزيارة، فتلقيت المهمة بسعادة غامرة، وكأن أمنية قديمة بالكتابة فى «آخر ساعة» توشك على التحقق. قضيتُ ليلة كاملة أجهز الموضوعات، وأذكر منها تقريرا بعنوان «أمريكا ترامب.. إمبراطورية القوة والخوف»، أحلل فيه أجواء فترة الرئاسة الأولى لترامب، ولماذا يراها الأمريكيون مختلفة، وقد سبق ذلك التقرير كتاب صدر فى واشنطن بعدها بشهور ويحمل تقريبا نفس العنوان. ومرة أخرى تشاء الأقدار أن تربط بين «آخر ساعة» وبيني، فقد فاز ذلك الملف بجائزة «محمد عيسى الشرقاوى» بنقابة الصحفيين، فكانت سعادتى بالجائزة مضاعفة، فهى تحمل اسم كاتب لطالما أحببت كتاباته فى الشئون الخارجية، ولأنها عن عمل منشور فى «آخر ساعة»، وكأن القدر يبتسم أخيرا لحلم ذلك الشاب الصغير الذى كنتُه يوما ما. ■ ■ ■ تمنياتى دائما ل«أميرة المجلات» بدوام التألق فى ظل قيادتها التحريرية الجديدة، ولطالما كانت «آخر ساعة» محظوظة بقياداتها وأسرة تحريرها المبدعة، بداية من المؤسس «أمير الصحافة المصرية» محمد التابعى، مرورا بكل رؤساء تحريرها السابقين وآخرهم الصديق العزيز عصام السباعي، وصولا إلى الكاتب المتميز أحمد هاشم، الذى أثق أن لديه الكثير ليضع به بصمته في تاريخ مجلة عريقة لا تزال شابة رغم أنها تجاوزت سن التسعين.