الموقف المصرى منذ بداية الأزمة يؤكد أن السلام لن يتحقق بالتهجير، وأن هذا السيناريو لا يعنى فقط إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية، بل يشكل خطرًا استراتيجيًا يهدد الأمن الإقليمى ويعيد المنطقة إلى أجواء الصراعات المفتوحة. وتستند الرؤية المصرية إلى اعتبارات أساسية، فى مقدمتها أن تفريغ غزة من سكانها سيمثل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام تكرار نفس السيناريو فى الضفة الغربية، بما يتيح لإسرائيل السيطرة الكاملة على الأراضى الفلسطينية، ودفن مشروع الدولة الفلسطينية إلى الأبد، وإغلاق باب التسوية السياسية. وإذا كانت إسرائيل تعتقد أن التهجير يحقق لها الأمن فكل الشواهد تؤكد أنها تهيئ المنطقة لموجات متصاعدة من العنف والعمليات الإرهابية، لن تقتصر على الأراضى الفلسطينية، بل قد تمتد لتطال إسرائيل نفسها ودولًا مجاورة، ما يضع الشرق الأوسط بأسره أمام مرحلة طويلة من عدم الاستقرار. وعلى المستوى الإقليمى يقوض التهجير معاهدات السلام القائمة، فضلًا عن إشعال حالة غضب شعبى عارم فى الدول العربية، تعرقل كل محاولات التطبيع أو إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل حرب 1967. وبين البعد الإنسانى والسياسى والأمنى، يتجلى الموقف المصرى باعتباره صمام أمان يسعى للحفاظ على استقرار المنطقة، والتأكيد على أن الطريق إلى السلام يمر عبر حل عادل للقضية الفلسطينية، لا عبر التهجير القسرى لشعبها. ومنذ عقود وإسرائيل تحاول عبثًا إلصاق فشلها على مصر، تارة بالحديث عن الأنفاق وتارة عن تهريب السلاح، وكأن مصر صاحبة الجيش الأقوى فى المنطقة ستسمح بأى اختراق لحدودها. ومصر ليست مجرد وسيط، بل هى الدرع الواقية للقضية الفلسطينية، وقالتها صراحة: لا تهجير، لا تصفية، لا تنازل عن الحقوق المشروعة، ومن يراهن على شبر من سيناء لاستيعاب مخططات الاحتلال فهو واهم، ومن يعتقد أن مصر ستتخلى عن دورها فهو يقرأ التاريخ بالمقلوب. أمن مصر القومى يبدأ من غزة، وحدودها تُؤمَّن بالدم والسلاح والعزيمة، فى الغرب مع ليبيا وفى الجنوب مع السودان، تبرز قدرة القوات المسلحة على السيطرة الكاملة، وفشلت إسرائيل فى إقناع العالم بأكاذيبها عن الأنفاق مع مصر، ولو عثرت على نفق واحد أو قطعة سلاح واحدة، لأقامت الدنيا ولم تقعدها، لكنها لا تملك سوى الدعاية السوداء. المشكلة الكبرى أن نتنياهو الغارق فى أزماته الداخلية والدولية، يحاول جرّ المنطقة إلى صراع أوسع، بحثاً عن طوق نجاة من مستنقع غزة، لكنه يصطدم كل مرة بالموقف المصرى الثابت: وقف الحرب لا توسيعها، حماية الحقوق لا تصفيتها، تهدئة لا ابتلاع للأرض. القاهرة تعرف وزنها جيدًا، وتعرف أن أى مغامرة إسرائيلية تمس معاهدة السلام ستجعل إسرائيل الخاسر الأكبر، وتكتفى تل أبيب بالصراخ الإعلامى، بينما تدرك فى قرارة نفسها أن مصر ليست دولة تُختبر، بل دولة تضع قواعد اللعبة. وفى النهاية، تبقى مصر الظهير الصلب للقضية الفلسطينية، والشريك الحقيقى لنضال الشعب الفلسطينى، والضامن أن تظل فلسطين حيّة فى وجدان الأمة، مهما ارتفعت وتيرة الأكاذيب.