لم تتحمل الإهانة والضرب والذل لم تجد ملاذًا يحميها من بطشه سوى الابتعاد عنه.. لم تطلب شيئًا سوى حريتها وكرامتها، فطلبت الطلاق بعدما يئست من إصلاحه، لكنها لم تعلم أن قرارها سيكتب نهايتها، فأبى أن يتركها حية.. خطط لجريمته ونفذها بكل قسوة وبشاعة، لم يفكر في أولاده الأربعة.. فالزوجة ماتت وهو الآخر تنتظره طبلية عشماوي وسوف تنتهي حياته بالإعدام، ويبقى الأبناء فقط يواجهون ظلمة اليتم وحدهم بلا أم وأب قاتل.. تفاصيل مثيرة ومأساوية عن القصة منذ البداية وحتى حكم المحكمة العادل نسردها في السطور التالية. الحكاية بدأت قبل 34 عاما من الآن، داخل إحدى قرى محافظة المنوفية، عندما نشأت جهاد بطلة قصتنا؛ فتاة جميلة يشهد لها الجميع بالأخلاق الحميدة والطيبة، ومثلها مثل أي فتاة كانت تنتظر ذلك الفارس الذي سيأتي ويأخذها من عالمها وتعيش معه أجمل قصة حب، حتى تقدم لها شاب من قريتها تزوجته رغم أنها لم تحبه، فوالدها أجبرها على تلك الزيجة، وعندما انتقلت لعش الزوجية صُدمت بواقع مرير عندما وجدته بلا شخصية لم تتحمل كثيرًا، وفي أقل من سنة عادت لبيت أسرتها مرة أخرى وهي تحمل لقب مطلقة.. جلست في بيت والدها تندب حظها، حتى لعبت الصدفة دورها في التعرف على شخص آخر يدعى أحمد، فمبجرد أن شاهدها أعجب بها، وقرر الزواج منها، اتخذ قراره سريعًا وذهب لطلب يدها من أسرتها، اعتقدت جهاد أن الحياة ابتسمت لها من جديد، وأن هذا الشاب سيعوضها عن كل اللحظات الصعبة والمريرة التي عاشتها، لم تكن تلك المسكينة تدري أن أحلامها ستتبخر وتتحطم على صخرة واقع أشد ألمًا وتعذيبًا.. وافقت جهاد على الزواج منه وانتقلت لتعيش معه في بيته بمنطقة السلام في القاهرة. عاش الاثنان حياة هادئة، سعيدة بعض الوقت، حتى رزقهما الله ب4 أطفال؛ أكبرهم طفل عمره 14سنة وأصغرهم طفلة لا يتعدى عمرها العامين ونصف، لكن فجأة تبدلت الحياة الهادئة بينهما إلى الأسوأ، وبدلا من الترف والسعادة تحولت الى القسوة؛ أصبح الزوج عاطلا في البيت يرفض العمل، هي تعمل في السوق لبيع الخضراوات، تحملت ما لم يتحمله أحد من أجل أطفالها الأربعة، وهو يعتدي عليها بالضرب والسب وفي كل مرة تترك البيت وتذهب لأهلها، تعود له مرة أخرى حتى لا تبعد عن أولادها فلذات كبدها.. جلسات صلح جرت بين العائلتين في محاولة للإصلاح بينهما، لكن حال الزوج لم يتغير بل يزداد سوءًا، حتى يئست جهاد من حياتها ووجدت الانفصال هو الحل النهائي، فاتخذت قراراها وتركت عش الزوجية وفكرت في رفع دعوى خلع بعدما رفض الانفصال عنها بهدوء، جن جنونه، تملك الغضب منه، فأعمى الانتقام قلبه وعقله وأصبح لا يرى سوى الدم والتنكيل، فكر وخطط وانتظر التنفيذ، قطع عشرات الكيلومترات وسافر من القاهرة للمنوفية حتى ينفذ جريمته. يوم الجريمة لم تكن جهاد تعلم حين خرجت من بيت والدها ذات صباح، أن خطواتها هذه المرة ستقودها إلى حتفها، وأن الزوج الذي عاشت معه 16 عامًا سيراقبها كذئب، لينقض عليها ويحولها لجثة هامدة في دقائق، فما أن شاهدها انقض عليها وذبحها من رقبتها ومزق جسدها ولم يتركها إلا وهي غارقة في بركة من الدماء، وسط صدمة وذهول من الكل، ثم حاول الهرب، فأمسك به الأهالي وأبلغوا الشرطة، ونقلوا جهاد سريعا للمستشفى في محاولة لإنقاذها، ظلت 20 يوما بين الحياة والموت، ترقد بلا حراك داخل غرفة الرعاية المركزة تحاصرها الأجهزة من كل جانب لا تتحدث، وفى الخارج تحيطها دعوات الأهل والأقارب بأن يمن الله عليها بالشفاء حتى تعود لأطفالها، لكن إرادة الله نفذت، ماتت جهاد وتركت أربعة أطفال في ظلمة اليتم، يحملون عار والدهم وما فعله. وفي مشهد جنائزي مهيب شيع أهالي جهاد جثمانها لمثواها الأخير، وسيطرت حالة من الحزن على الجميع، وأصبحت مطالبهم هي القصاص العادل، حتى يعود حق تلك المسكينة التي قتلت بأبشع طريقة وبدم بارد. اعتراف وأمام النيابة وقف المتهم ليعترف بتفاصيل جريمته؛ فقال: «سافرت المنوفية وقابلت العمدة، هو اللي جابها عشان نرجع لبعض قالها: ارجعي بيتك، لكنها ماقبلتش، فضلت تحكي عني قدامه قالت إني بضربها ومابصرفش عليها ولا على العيال.. سكت يومها، بس فضلت النار جوايا.. قولت خلاص، هستناها في البلد وأتكلم معاها لوحدنا الصبح وهي رايحة شغلها.. وقفتها وقولت لها: عايزين نرجع لبعض.. عيالنا ملهمش ذنب، لقيتها بتزعق وبتصوت.. حسيت الدنيا بتلف بيا، طلعت السكينة من جيبي وأنا مش واخد بالي ضربتها وفضلت اطعن فيها وهي بتصرخ قدامي مكنتش شايف غير إنها لازم ترجع بالعافية.. بعدما ما قتلتها حاولت أهرب لكن الأهالي مسكوني وربطوني في شجرة لحد ما الشرطة جت». تولى عبداللطيف نعيم المحامي الدفاع عن حق المجني عليها، فقال أمام المحكمة: «نحن أمام جريمة قتل بشعة؛ عندما تجرد الزوج من كل معاني الإنسانية والرحمة، وتناسى عشرة 16 سنة عاشها مع زوجته التي ساندته ووقفت بجانبه، ضرب بكل ذلك عرض الحائط وخطط لجريمته ونفذها دون أن يهتز له رمش». وأضاف: «المتهم جاء من القاهرة للمنوفية لارتكاب جريمته، ذبحها من رقبتها وسط الشارع وأحدث بها جرحا قطعيا نافذا بالفك الأيمن بطول 18سم و23 جرحا قطعيا نافذا بالبطن بعمق 3سم ويوجد جرح قطعي نافذ بطول 35 سم بالكتف الأيمن من ناحية الظهر وجروح متفرقة بالظهر، وقطع بأصابع الأقدام.. فالصور المرفقة بمحضر الشرطة أبشع من ذلك؛ فالجريمة استغرقت من خمس لعشر دقائق، المتهم تربص وخطط يوما قبل الواقعة وتخفى في أرض زراعية ونفذ جريمته بدم بارد». أما عن سبب ارتكاب الزوج لجريمته، فقال محامى المجني عليها: «جهاد رحمها الله تعرضت للضرب والسب أكثر من مرة، وجلس أهل الزوجين مع كبار بلد كل منهم لفض النزاع القائم بينهما، لكن الزوجة لم تتحمل معاملته وتعديه عليها وفرت إلى بيت أهلها بالمنوفية وتخلت عن بيت زوجها القائم مسكنه بالقاهرة، فتوجه إليها واشترى سكينا من سوق بمدينة شبين الكوم ونفذ المخطط الذي بذل كل جهده ليظهر الواقعة بالشكل البشع الظاهر في محضر جمع الاستدلالات، ولم يكتف ذلك فبعدما عرف أنها ماتت راح يلوث سمعتها ويطعنها في شرفها وهي بين يد الله». العقاب ظلت القضية متداولة داخل ساحة محكمة جنايات شبين الكوم، وشهدت جلسة المحاكمة مرافعة قوية من المحامي عبد اللطيف نعيم، الذي طالب بتوقيع أقصى العقوبة على الزوج القاتل، مؤكدًا أن الجريمة وقعت مع سبق الإصرار والترصد. وفي محاولة بائسة للنجاة من مصيره، حاول دفاع المتهم الزعم بأن المجني عليها كانت على علاقة غير شرعية بأحد الأشخاص، لكن المحكمة رفضت هذه الادعاءات التي لم يستطع الدفاع إثباتها، وقضت المحكمة بإحالة أوراق المتهم لفضيلة المفتي لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه. هذه هي التفاصيل الكاملة لتلك القصة المأساوية؛ ربما ارتاحت جهاد من بطش زوجها وعذابها معه.. لكن من يعيد لأطفالها حضنها ونبضها وحنانها الذي حُرموا منه للأبد؟ وحده القصاص العادل يداوي ولو قليلًا من وجعهم الذي لن يزول. اقرأ أيضا: حجز قضية مقتل الطفل أدهم للنطق بالحكم في 27 يوليو