دقت عقارب الساعة كنبضات القلب المضطرب، استيقظت بطلة قصتنا من نومها المتقطع وهي مفزوعة، هكذا هو حالها كل يوم منذ أن رفعت قضية خلع ضد زوجها، تنام وهي غير مطمئنة، وتستيقظ وهي تشعر بالهلع، بسبب تهديده لها بأنه سيقتلها إذا رفضت العودة له، تظل تلك المسكينة جالسة أعلى سريرها شاردة الذهن تتذكر تفاصيل 13 عاما عاشتها مع هذا الشخص، كيف كانت الحياة قاسية بينهما، لم تتذكر أي لحظة سعيدة تشفع له حتى تعود لحياته من جديد، تفيق من شرودها وهي تمسح دموعها وتدعو بأن تنتهي من هذا الكابوس الذي يطاردها منذ انفصالها عنه وتركها بيته منذ 3 سنوات، لم تكن تلك المسكينة تدري أن الكابوس سينتهي بقتلها بدم بارد دون أي ذنب.. تفاصيل تلك الجريمة التي حدثت في الفجر وهزت أرجاء محافظة الإسماعيلية.. وحتى حكم المحكمة العادل نسردها في السطور التالية. الحكاية بدأت قبل 13 عاما من الآن، داخل بيت بسيط بقرية السلام، التابعة للتل الكبير بمحافظة الإسماعيلية، في هذا المكان نشأت سماح السيد، بطلة قصتنا، سيدة جميلة، تبلغ من العمر 30 عاما، من أصل طيب، يشهد لها الجميع بالأخلاق الحميدة والطيبة، حصلت سماح على دبلوم زراعة، ومثلها مثل أي فتاة كانت تنتظر ذلك الفارس الذي سيأتي ويأخذها من عالمها وتعيش معه أجمل قصة حب، بالفعل تقدم لها شاب يدعى إسماعيل، يكبرها بسبع سنوات، ومنذ الوهلة الأولى شعرت سماح بالراحة، ظنت أنه سيكون زوجا صالحا وسندا لها في الحياة، وافقت على تلك الزيجة، وتزوج الاثنان وأقامت الأسرة حفل زفاف كبير حضره الأهل والأصدقاء، وانتقلت سماح للعيش مع زوجها إسماعيل في بيتهما الجديد. عاش الاثنان حياة هادئة، سعيدة بعض الوقت، حتى رزقهما الله بطفلين، أحمد ونور، ولكن فجأة تبدلت الحياة الهادئة بينهما إلى النقيض تمامًا، من الترف والسعادة إلى الجفاء والقسوة، وذلك بعدما انجرف إسماعيل نحو طريق المخدرات – حسب كلام والدة سماح-، وأصبح ينفق أمواله عليها، والنتيجة جلوسه في البيت بلا عمل، فقررت سماح الخروج للعمل حتى تنفق على طفليها وبيتها، عملت داخل عيادة خاصة، لكن زوجها المدمن كان يعتدي عليها بالضرب ويأخذ راتبها، وعلى الرغم من كل هذا العذاب كانت لا تريد سوى أن تربي طفليها وألا تنفصل عن زوجها وتحرمهما من وجود الأب في حياتهما، فعلت أقصى ما لديها حتى تبعده عن هذا الطريق، إلا أن شيطان المخدرات كان متملكا من نفسه، لدرجة أنه لم يكتفِ بالاعتداء عليها وحدها بل طالت يده طفليهما أيضا، 13 عاما هي المدة التي عاشتها سماح مع هذا الشخص حتى قطف الحزن زهرة شبابها وعمرها، فأصبحت جسدًا بلا روح، مر بها العمر وهي في عذاب، وطفلاها يكبران أمام أعين أب دون أن يتحمل المسئولية ولا يعرف للأبوة معنى، حتى وصلت الأمور لحائط سد، بعدها قررت سماح الانفصال عنه ربما تحاول أن تلملم ما تبقى من شتات نفسها وتربي طفليها في بيئة مليئة بالحب والأمان. بالفعل منذ ثلاث سنوات انفصلت سماح عن زوجها، تركت له عش الزوجية المسموم بالمخدرات، قررت رفع دعوى خلع، اعتقدت أنها بذلك سوف تحصل على حريتها وستنعم بحياتها من جديد، لم تدر أنها ستبدأ فصلا جديدا بعد انفصالها عنه يمتلئ بالخوف والقلق والتوتر، عندما يظل هذا الشخص يطاردها في كل مكان حتى تعود إليه. اقرأ أيضا: بعد 20 سنة زواج.. «ستيرة» دفعت حياتها ثمنًا لإقامتها دعوى خلع مطاردات ظلت سماح مقتنعة بفكرة الانفصال نهائيا، عادت لحياتها الطبيعية، قررت العمل والاجتهاد والعيش فقط من أجل طفليها، بينما هو ظل يطاردها ويحاول إقناعها بأن تعود له مسترحمًا إياها، وعدها أنه سيقلع عن تعاطي المخدرات ويشتري سيارة للعمل عليه لكنها رفضت، شعر طليقها بالإهانة وتملكته مشاعر الكره والحقد، قرر الانتقام منها، جلس يفكر في طريقة للثأر لكرامته أخذت الأفكار السوداء تتقاذفه، وسيطر عليه الشيطان وقرر ارتكاب جريمة قتل في حق تلك السيدة المسكينة، تناسى المودة والرحمة وعشرة 13 سنة زواج حافظت خلالها على اسمه، ضرب بكل شيء عرض الحائط، فقبل جريمته بأيام ذهب إليها وهددها «يا ترجعي لي يا تكون نهايتك على ايدي»!، وعلى الرغم من أنها تمالكت نفسها أمامه وأظهرت قوتها بأنها لا تخشى تهديده، إلا أن الرعب ملأ قلبها وكانت تطاردها الكوابيس كل ليلة.. لكن لم يخطر ببال أحد أنه سينفذ تهديده ويقتلها. الجريمة عقارب الساعة تشير للرابعة فجرًا، إسماعيل داخل بيته، تتطاير من عينيه شرار الحقد والغيظ، شارد الذهن، لا يفكر سوى في رفض سماح العودة له، ودعوى الخلع التي اقامتها ضده، انتفض من مكانه وهو يقرر ويصمم على الانتقام منها، ذهب لشقتها وتسلل في الخفاء وكأنه لصا، فتح باب الشقة بالمفتاح الذي كان يحتفظ به، وما أن دخل الشقة وجدها نائمة، وقف ثوان معدودة ينظر إليها ولم يتفوه بكلمة واحدة ممسكًا بالسكين وغافلها بأول طعنة، فتحت سماح عينيها وهي تتأوه من الطعنة وكأنها تسأله «ليه ذنبي ايه.. ده أنا عشت نصف عمري معاك.. تحملت القسوة وكنت صابرة ومحافظة عليك وعلى بيتنا»، لكن طليقها القاتل لم يستمع إليها بعدما تحول في هذه اللحظة الى شيطان رجيم ظل يسدد لها من الطعنات حتى وصلت إلى 25 طعنة بحسب تقرير الصفة التشريحية حتى فارقت روحها الحياة، وألقى بالسكين فوق جثتها وفر هاربًا مختبئًا عند أحد أقاربه بمركز فايد معتقدًا أنه سيفلت من العقاب. تسللت أشعة الشمس الدافئة عبر النافذة وألقت بخيوطها الذهبية فوق جسد الطفل أحمد، الذي كان غارقًا في أحلامه لينهض ينادي على أمه، فهي من عاداتها أن تستيقظ مبكرًا لتحضر لهما وجبة الافطار، سار الطفل خطوات لغرفة أمه فوجدها على سريرها غارقة في بركة من الدماء، ظل ذلك المسكين يصرخ بأعلى صوت حتى فزع الأهالي من نومهم وأسرعوا له، واتصل الطفل بجدته مستغيثًا بها: «الحقي يا تيتا.. بابا قتل ماما»، لتسرع الجدة المصدومة كالتي فقدت عقلها، تمنت أن تكون في كابوس وأن ما سمعته غير صحيح لكنها الحقيقة المرة، سماح قتلها زوجها بدم بارد، لحظات قاسية عاشتها وشاهدتها تلك الأم المكلومة، ومشهد لن يمحوه الزمن من ذاكرتها عندما وجدت ابنتها غارقة في دمائها، لتسقط الأم مغشيا عليها من هول الصدمة، وأبلغ الأهالي مركز الشرطة. تلقى مركز شرطة التل الكبير بلاغا يفيد مقتل سيدة داخل شقتها بعدة طعنات، على الفور انتقل رئيس المباحث لمكان الحادث، وتبين من المعاينة الأولية طعن الزوجة بعدة طعنات في أنحاء متفرقة من جسدها، وأن القاتل هو طليقها بعدما رفضت العودة له، تشكل فريق بحث وتمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على المتهم بعدما هرب عند أحد أقاربه، واعترف بجريمته. حزن ودع الأهالي سماح لمثواها الأخير في مشهد جنائزي مهيب حضره الكبير والصغير، الكل حزين على تلك المسكينة التي عاشت أصعب أيام حياتها وتحملت الكثير من أجل طفليها، الكل أصبح لا يتمنى سوى القصاص العادل وإعدام المتهم حتى يعود حقها، فهي ماتت بدم بارد وبدون أي أسباب تذكر، وتيتم طفلاها اللذان سيعيشان في ظلمة اليتم يحملان عار أب قاتل ومدمن لم يفكر سوى في نفسه فقط، وأم فقدت حياتها على يديه. تحولت القضية للجنايات وظلت متداولة داخل ساحات المحكمة، وبعد 16 شهرًا من ارتكاب تلك الجريمة أسدلت محكمة التل الكبير الستار عليها وأحالت أوراق القاتل للمفتي.