ينتمى الفنان محمود ياسين إلى جيل مثقف شديد الوعى بما ينبغى أن يقدم من أعمال إذاعية وتليفزيونية ومسرحية وسينمائية، الأمر الذى عظم دور المنافسة بينه وبين أقرانه من زملاء ذلك الجيل، معتمدًا فى سرعة تحققه وانتشاره على موهبته اللافتة وقدرته على تجسيد الأعمال الروائية لكبار الأدباء والمخرجين، وأجادته اللغة العربية والإلقاء، ورسخت لديه وقائع العدوان الثلاثى 1956 أهمية الانتماء للوطن والإيمان بدور المقاومة الشعبية فى مناهضة المحتل، وعدم اليأس أو الاستسلام لمحاولته فرض إرادته بالقوة على الشعوب المتماسكة، التى كانت ولا تزال حائط الصد المنيع وحجر الزاوية ضد مؤامرات لا تتوقف. بمدينة بور سعيد ولد محمود فؤاد محمود ياسين فى 2 يونيو 1941، وعلى الرغم من كونه السادس بين عشرة أشقاء تمتع بعيش رغيد، نظرًا لعمل والده موظفّا بهيئة قناة السويس، وعلى مسارح مدينة الصمود تفتحت موهبته فى مرحلة الدراسة الثانوية، ومنها إلى المسارح الجامعية بالقاهرة بعد نزوحه للدراسة فى حقوق عين شمس، وقبل تخرجه عام 1964 التحق بالمسرح القومى، ووجد نفسه على خشبته وبين كواليسه فقرر التفرغ له على حساب مهنة المحاماة التى عمل بها لبعض الوقت، ولأن المسرح كان عشقه الأول اجتاز اختبارات المسرح القومى وكان ترتيبه الأول عبر ثلاث تصفيات، وأشركه الفنان الرائد عبد الرحيم الزرقانى فى مسرحية "الحلم" فى أعقاب نكسة 1967، واجتذبته السينما من خلال أفلامه الأولى: "الرجل الذى فقد عقله، القضية 68، 3 قصص" وكان لظهوره بفيلم "شيء من الخوف" 1969 عظيم الأثر على مسيرته السينمائية وانتقاله إلى تمثيل أدوار البطولة فى أفلام:"نحن لا نزرع الشوك، الخيط الرفيع، أختى، صور ممنوعة، شباب يحترق، حكاية بنت اسمها مرمر" وتهافت الجمهور والنقاد على متابعة أعماله، وقدمه المخرجون: حسن الإمام، حسين كمال، حسن رمزى، نيازي مصطفى، بركات، وعلى عبد الخالق من زوايا مختلفة بأفلام: "حب وكبرياء، أنف وثلاث عيون، العاطفة والجسد، الشيطان امرأة، الزائرة، أغنية على الممر" وفى عام 1973 حقق نجاحًا كبيرًا عبر أفلام: "ليل وقضبان، امرأة من القاهرة، امرأة سيئة السمعة، الحب الذى كان" إلى جانب الدراما التليفزيونية "الدوامة" إخراج نور الدمرداش، الذى يقول "إن محمود ياسين أعطى للفتى الأول ملامح وسمات جديدة بصوته وجديته وتكوينه كرجل". عن مرحلة البدايات يقول فتى فتيان الشاشة :"أول أجر حصلت عليه من الإذاعة عن العمل لمدة شهر بمسرح التليفزيون قبل التخرج 17 جنيهًا، وأول مسرحية شاركت فيها "حادثة طربوش" من الأدب الفرنسى بطولة أبو بكر عزت وإخراج محمد توفيق، واقتصر دورى على قول "ارفع ايدك أنت وهو"، وعن فيلم "شيء من الخوف" رشحنى المخرج حسين كمال لأمثل بالفيلم لمدة أربعة أيام، ولكن الدور امتد لنحو عشرين يومًا، وأجرى عشرة جنيهات عن اليوم الذى أنطق فيه، وخمسة عن التصوير الصامت، واكتسبت خبرات كثيرة، وأحببت السينما وندمت على ابتعادى عنها، وعملت أدوارًا قصيرة بأفلام "الرجل الذى فقد ظله" واقتصر دورى على بعض إشارات صامتة فى تترات الفيلم، وبعد نحو خمسة أدوار قصيرة مثلت فيلم "حكاية من بلدنا" عن قصة مجيد طوبيا، وفيه قال المخرج "حلمى حليم" أمام جميع الحضور وبصوت مرتفع: "هذا بطل السينما المصرية القادم" فيما وصفه المخرج "حسام الدين مصطفى ب "أعظم ممثل ظهر على الشاشة المصرية.. ولا مثيل له فى قدراته التمثيلية الخارقة". رشحه المخرج يوسف شاهين لفيلم "الاختيار" ووقع عقدًا وأخذ عربونًا قيمته 27 جنيها من أجر 350 واستبدله بالفنان عزت العلايلى بعد علمه بتوقيعه عقدًا مع "رمسيس نجيب" والمخرج حسين كمال لتمثيل "نحن لا نزرع الشوك" الذى كان انطلاقته الحقيقية، يقول محمود ياسين: "أبحث دائمًا عن الجديد وهو أمر صعب، خاصة إذا كان الفنان له اسم وحقق شهرة ويريد الحفاظ على مكانته لدى الجمهور" ويرى أن الحياة تتجدد دائمًا والمجتمعات تفرز أنماطًا متباينة من السلوكيات، والتقاط الفنان لهذه الأنماط والسلوكيات يدل على وعيه وثقافته وما ينبغى تقديمه لتجاوز التنميط فى أداء الشخصيات" ويعتز بأفلام: "سونيا والمجنون، أين عقلى، وثالثهم الشيطان، قاهر الظلام، أيام الرعب" ويدين للنقد الفنى الجيد بالكثير الذى جعله يشتغل على نفسه ويواصل نجاحاته، ومن أبرزها فى مجال المسرح:"عودة الغائب، الزيارة انتهت، وا قدساه، بداية ونهاية، الخديوي" ومن أفلامه التى صححت مسار الثورة ومهدت لانتصار أكتوبر 1973: "أغنية على الممر، الرصاصة لا تزال فى جيبى، بدور، الوفاء العظيم، الصعود إلى الهاوية، حائط البطولات، فتاة من إسرائيل" أما حرصه على تغيير جلده وتقديم أدوارًا متباينة فيتجلى فى أفلام: "مولد يا دنيا، جفت الدموع، الكداب، سنة أولى حب، دقة قلب، العذاب امرأة، أفواه وأرانب، انتبهوا أيها السادة، اذكرينى، ولا يزال التحقيق مستمرًا، الشك يا حبيبى، الباطنية، وكالة البلح، العربجى، الشيطان يغنى، الحرافيش، الجلسة سرية، الوعد، الجزيرة". المال لديه أداة لتوفير حياة طيبة ميسرة دون انتقاص من كبرياء الإنسان وقدره ووعيه، ونظرًا لإجادته قيادة السيارات نجده فى أعماله الفنية يظهر بسيارة "فيات" 1100 إيطالية الصنع موديل 1964، فضلًا عن السيارة اليابانية "تويوتا كورونا مارك 2" وظهرت بفيلم "الوهم" 1979، إلى جانب السيارة الأمريكية "شيفروليه فيجا" بطرازها المميز وظهرت بفيلم "الثأر" 1983، وتعد السيارة الألمانية "مرسيدس" (Mercedes-Benz W115) وظهرت بفيلم "على من نطلق الرصاص" من أجمل تلك السيارات بتصميمها الكلاسيكى الجذاب ومحركها القوى، ومن طقوسه أثناء القيادة غلق النوافذ والاستمتاع بالطرب الأصيل لمحمد عبد الوهاب، وفى المشاوير الطويلة يحلو له الترنم منفردًا بأغنيات العندليب الذى يعد مطربه المفضل والمعبر عن أحلام وطموحات جيله، ويصرح محمود ياسين بأن أغنيته "حلوة يا زوبة" بمسلسل "غدًا تتفتح الزهور" سجلها له عمار الشريعى دون أن يشعر، ويقول أنه يخصص يوم الجمعة للأسرة -فى غير أوقات العمل- للخروج والتنزه، وتبقى القراءة هوايته المفضلة لاسيما الأعمال الأدبية والروايات والدراسات المسرحية والفنية. تألق محمود ياسين فى مجال الدراما الإذاعية والتليفزيونية مخلفًا تراثًا كبيرًا أبرزه: "سلطان العلماء، الأفيال، اليقين، نقطة تحول، سور مجرى العيون، السحت، الطوفان، أيام المنيرة، ضد التيار، أبو حنيفة النعمان، خلف الأبواب المغلقة، رياح الشرق، حلم آخر الليل، سوق العصر، حكاوى طرح البحر، التوبة، السماح، وعد مش مكتوب، ماما فى القسم، العصيان" واستحق عبر مشواره الفنى الممتد لنصف قرن العديد من الجوائز وتم تكريمه فى مصر وخارجها وأطلق اسمه على أهم شارع بمدينة بور سعيد، فيما كان رحيله فى 14 أكتوبر 2020 يومًا مشهودًا عبر فيه عشاق فنه عن مشاعرهم الفياضة تجاه فنان قدير وإنسان مبدع عصى على التكرار.