نظر القادة في إسرائيل إلى ثورة يوليو 1952 على أنها تحولٌ جذري في المشهد الإقليمي، يتجاوز الإطاحة بالنظام الملكي في مصر، ويعيد تشكيل التوازنات فى الشرق الأوسط، فقد أثار صعود قيادة عسكرية شابة تتبنى خطابًا قوميًا وتحمل موقفًا صريحًا مناهضًا للمشروع الصهيوني، مخاوف عميقة داخل إسرائيل من تغيير قواعد اللعبة، ومع قوة جمال عبد الناصر كرمز للرفض العربى لإسرائيل، رأت تل أبيب فى ثورة يوليو بداية مرحلة صراع مفتوح يهدد وجودها سياسيًّا وعسكريًّا. لم تكن إسرائيل تتوقع أن تؤدي ثورة يوليو إلى تغيير شامل فى السياسة المصرية، فتابعت تطور الأحداث بحذر، واعتبرت جمال عبد الناصر عدوًا استراتيجيًا بسبب خطابه القومى العربي، ودعمه لحركات المقاومة، ورفضه الاعتراف بإسرائيل. المؤرخ الإسرائيلى «يهوشع بورات» رأى أن الثورة نقلت مصر من حالة الركود إلى زعامة عربية نشطة، وآخرون مثل «بينى موريس» قالوا إن يوليو قلبت موازين القوة فى الشرق الأوسط، ومهدت لصراعات كبرى، أبرزها العدوان الثلاثي 56، وتزايدت تقارير الموساد وتحليلاته بعد الثورة، خاصة بعد تأميم قناة السويس 1956، واعتبروه «تهديدًا وجوديًّا» لمشروع الدولة اليهودية، فيما تحدثت صحف عبرية مثل «يديعوت أحرونوت» و«هآرتس» عن «خطر عبد الناصر»، يشير د. أحمد فؤاد أنور، الباحث فى الشئون الإسرائيلية، إلى أن الجانب الإسرائيلى كان يتخوف من جمال عبد الناصر وقدرته على حشد العالم العربى وبناء جيش قوي، وبدأ سباق تسلح بين مصر والجانب الإسرائيلى تمثل فى الصفقة التشيكية، وسبقها صفقة إسرائيلية وتشييد مفاعل ديمونة النووي، كل تلك الأمور كانت لها دلالتها، وهى أن الجانب الإسرائيلى يخشى من قوة مصر بعد ثورة يوليو وتناميها فى العلم والاقتصاد والناحية العسكرية وفى العلاقات مع الدول الإفريقية والعربية والدائرة الإسلامية، فكان هناك خشية من هذا التنامي. وأضاف: «فى 56 تمثل التآمر مع بريطانيا وفرنسا بالعدوان الثلاثي على مصر، وما صاحبها من قلق إسرائيلى من عدم التزام الجانب الفرنسى والبريطانى وترك الجيش الإسرائيلى فى مواجهة مصر بمفرده». ◄ اقرأ أيضًا | خط الدفاع.. د. محمد عفيفي يرصد تحالف الجيش والشعب من 23 يوليو إلى 30 يونيو وفى حرب 67 كان هناك نفس المخاوف عندما انتشرت أحاديث حول مقابر جماعية للإسرائيليين بجوار الاستاد الأكبر فى إسرائيل تحت إشراف الحاخامية وما إلى ذلك يتم تجهيزها إذا ما بادر الجيش المصرى بالهجوم. وكان هناك شاعر إسرائيلى كبير ومشهور كتب خطابًا لجمال عبد الناصر، وبالطبع بعد الحرب وظهور نتائجها حدثت سخرية من جمال عبد الناصر وتجربته... كل هذه الأمور تعد وسامًا على صدر ناصر وثورة يوليو؛ حينما يكون هناك غضب إسرائيلى ومحاولة لتشويه ناصر، فهذا يدل على مكانته وعلى قدر الألم الذى عانى منه الجانب الإسرائيلى بسبب ثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر. وتابع: تجاهلت إسرائيل أن أنور السادات هو ابن ثورة يوليو، وكان دومًا يتم السخرية منه ومن قدراته وخططه وتصريحاته، وهى أمور يمكن أن تدل على العقلية الإسرائيلية المتخبطة، ما أسفر عن خداع الجانب الإسرائيلى فى أكثر من واقعة، أشهرها حرب أكتوبر المجيدة.