«القاهرة الخديوية»..تفتنا حتى الآن بتصاميمها المعمارية الفريدة، وشوارعها الفسيحة، فقد كانت مركزا سياسيا واقتصاديا وسط العالم، وأيضا موطنًا للثقافة والفنون والترفيه - وبلغة العصر موطنا للقوى الناعمة - حيث سطعت بين أروقتها الأضواء، فشيدت الأوبرا الخديوية، وبنى مسرح الأزبكية، وفتحت الصالات الفخمة، والملاهى ، وتحولت ملاهى شهيرة مثل «الألِمبِيا» و«الكازينو دى باري» إلى مراكز جذب للنخب الفنية من كل انحاء العالم، فاستضافت عروضًا جمعت بين التأثيرات الغربية، والطابع الشرقى الأصيل ،مما هيأ لسطوع حقبة فنية، وثقافية شكلت ملامح المشهد الفنى المصرى ، والترفيهى لعقود طويلة، كلها صنعت ذاكرة لا تزال تنبض بالحكايات التى ألهمت أجيالاً متعاقبة. اقر أ أيضًا | محافظ القاهرة ومستشار رئيس الجمهورية للتنمية المحلية يترأسان اجتماع تطوير حديقة الأزبكية هذا الكتاب (مسارح وملاهى القاهرة الخديوية بين منتصف القرن ال19 ومنتصف القرن ال20) للباحث عادل سيف يرصد حوالى 43 مسرحا وملهى فى القاهرة الخديوية خلال تلك الفترة، تم اختيارها دون غيرها لتأثيرها فى مسيرة هذا القطاع وفنونه، وأيضا لذكرها فى كتب التاريخ أو المذكرات الشخصية، أو فى كتب رحالة زاروا القاهرة الخديوية. والكتاب يأخذنا فى رحلة عبر الزمن، ليكشف لنا تفاصيل المسارح، والملاهى التى كانت نبض المدينة، وأحد أوجهها البهيّة. ونتعرف على الحكايات التى دارت بين جدران المسارح، وأبرز الفنانين الذين أبهجوا الجماهير، ويرسم الكتاب صورة حية لهذه الفترة، ويعيد إحياء ذكريات زمن جميل، ليكشف لنا ماضى المدينة الساحر، حيث المسارح، والملاهى شكّلت جزءًا لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعى، وشهدت لحظات تاريخية صنعت مجد الفن المصرى. إنها عودة سريعة عبر تلك الأوقات، يستعيد فيه تفاصيلها ويستحضر أجواءها، فى محاولة لفهم كيف لعبت هذه المسارح، والملاهى دورًا محوريًا فى تشكيل الوجدان المصرى، وتطوره الفنى والثقافى. إنها ليست مجرد ذكريات، بل إرث حيّ ما زال يترك أثره فى المشهد الثقافى للقاهرة حتى اليوم. تنقيب فنى وعن خطة الكتاب يذكر سيف:«حاولت بأقصى ما أستطيع ألا يكون الرصد مجرد نقل، وتجميع لمعلومات من كتب وصحف ومجلات قديمة، أو من أرشيف من هنا وهناك، بل نتاج بحث، كنت فيه أحيانا أشبه بمستخدم لآليات عمل المنقب عن الآثار، سواء بجمع الصور ومعلومات جاء بعضها متناقضا، ومقارنتها، ودراستها وصولا إلى تصور مقنع للمكان وإحداثياته، وتطبيق ذلك التصور على خرائط متنوعة فى تاريخ إصدارها ثم البحث الميدانى بزيارة الأماكن رغم اندثار بعضها عدة مرات لعلنى أجد ما يؤكد تصورى، لذا أرفقت مع كل مكان صورا وخرائط توثقه بدقة، كما أرفقت معه مقتطفات لأحداث وقعت فيه منها الطريف والمأساوى والتاريخ والفنى. ويصارحنا الباحث قائلا: أعترف أنه لم يكن لدى اهتمام واسع بتاريخ المسرح رغم أننى من محبيه، إلا أن إعداد الكتاب أدخلنى فى عالمه، وكانت تجربتى مع البداية مربكة بسبب ما واجهته من «خلط» فى المسميات حول المسرح، فتارة تجده بمسمى مقهى، وتارة أخرى بكباريه، أو كازينو أو بار، يمكن للمتخصص فى تاريخ المسرح أن يتفهمه، أما القارئ العادى فسيشعر بالارتباك مثلما حدث لى فى البداية، لذا رأيت أن أوضح له خلفية هذا «الخلط» حتى لا يقع المتخصص عندما يقرأ هذا الكتاب فى نفس الارتباك، أوضح أن «الخلط» نتيجة أن المقاهى كانت أماكن لقضاء الوقت أو الترفيه فى وقت لم يكن فيه راديو أو سينما أو تليفزيون، لذا كانت المقاهى، وكما شاهدت بعض ما تبقى منها فى القاهرة حتى ستينيات القرن العشرين بمساحات كبيرة، وأحيانا تحتل المحلات كافة أسفل العمارة، وبعضها كان يطل على ناصيتين من خلال ما سمحت به مساحة العمارة المطلة على ثلاثة شوارع... أما داخل المقهى فكان بصفة عامة يُستقطع جزء منها بحاجز خشبى بسيط له باب على الصالة وأحيانا باب ثان على الشارع ليكون بارا شبه منعزل عن باقى المقهى فلا تقدم خمور خارجه فى أى مكان فى المقهى، حتى لا يشعر الجالس فى المقهى بحرج أنه يجلس فى بار، وفى محاولة لجذب الزبائن والترفيه عنهم أقيم فى بعض المقاهى ركن به مسرح يقدم عليه أغان أو مشاهد مسرحية، وأحيانا كانت المقاهى تتوسع وتصف الكراسى للمشاهدة لتتحول إلى ما يشبه قاعة المسرح بالشكل المعروف لدينا ومن هنا لعبت المقاهى دور المسرح وحمل بعضها سمته، ونفس النهج إليه بعض الكباريهات والكازينوهات ولعبت نفس الدور. ويحدد الكتاب مواقع المسارح والملاهى المرصودة من خلال الخرائط مع إرفاق صور تبين ما آلت إليه بعض هذه الأماكن من تحديثات، وتم تصنيف الأماكن إلى «أربع مجموعات» حسب انتمائها الجغرافى وليس تاريخها الزمنى، وذلك لتمكين الراغب من زيارتها ضمن المحيط الذى يجمعها، وتجنبا لتشتيته بين المواقع. والمجموعات هي: الأولى مجموعة «العتبة ووش البركة»، والثانية مجموعة «عماد الدين»، والثالثة» مجموعة فؤاد الألفي»، والرابعة «مجموعة المتفرقات». المجموعة الأولى «العتبة ووش البركة»: وتضم العديد من المسارح مثل (إلدورادو، ألف وليلة، سانتى، مسرح الأزبكية «القومى حاليا»، مسرح العتبة الخضراء «أبو خليل القبانى» المسرح المصري) ، وتتميز تلك المجموعة بأنها تقع مباشرة فى أحياء قديمة -«العتبة ووش البركة» - كانت على حدود القاهرة القديمة عند إنشائها، وهى الأقدم وتعتبر بدايات المسارح، والملاهى المؤرخ لها اعتبارا من حوالى منتصف القرن التاسع عشر، ومقهى «إلدورادو» ظهر كمسرح للغناء فى ستينات القرن التاسع عشر بحارة الرويعى، وهو أول شارع ضيق على اليمين عند دخول شارع كلوت بك من جهة الخازندار، ويعد أيضا أول صالة رقص كبيرة طويلة أنشئت فى منطقة «الأزبكية» منذ ستينات القرن التاسع عشر، ولا يعرف من ملاكها أو منشئوها سوى أنطوان أبو شنب، وبالرغم من أن بداية الصالة كانت أوربية فإن فن الغناء المصرى، والرقص أخذا مكانهما بالتدريج إلى أن سيطرا على عروضها كاملا. واشتهر «إلدورادو»بأنه المنافس لملهى « ألف ليلة وليلة» الذى ينسب إنشاؤه للخواجة اليونانى «يوانيدس» الشهير باسم «مانولى» فى العشرية الثانية من القرن العشرين، وموقعه بعد البحث والتنقيب بعد شق شارع الجيش وإعادة تخطيط المنطقة المحيطة به أصبح محصورا فى المبانى ما بين شارع العسيلى من جهة الغرب وشارع دسوقى من جهة الشمال والمؤدى إلى شارع الجيش، وبلغت شهرة صالة «ألف ليلة وليلة» عندما غنت على خشبتها المطرية «لطيفة إلياس فخر» ذات الأصول اللبنانية، والشهيرة باسم «توحيدة». وتذكر بعض المصادر أن سينما «رمسيس» يوسف وهبى سنة1932 فى العتبة احتلت جزءا من الملهى بعد حريقه الشهير. أما «المسرح المصرى» فقد تم إنشاؤه عام1891 على يد على باشا شريف، وعهد إدارة المسرح للأديب والشاعر والمسرحى اللبنانى المقيم فى مصر إسكندر فرح صاحب «جوق مصر العربي»، وافتتح المسرح بمسرحية «عائدة»، وتعتبر هذه الفرقة مع بداية القرن العشرين الفرقة المسرحية العربية الوحيدة الأبرز على الساحة الفنية فى مصر من فرق عربية وأجنبية كانت موجودة وقتها، ويرجع ذلك لوجود الشيخ سلامة حجازى مطرب لها. ومسرح «خليل قبانى» أو «مسرح سوق الخضار» وهو الاسم الذى أطلق عليه لبنائه خلف سوق الخضار بالعتبة و«القباني» أحد كبار رواد المسرح الغنائى القادم من سوريا بفرقته فى يونيو1884، ووصفته جريدة الأهرام بالكاتب المشهور المفلق (الآتى بالشىء العجيب)، وبلغ من اقبال كبار القوم عليه أن تكفل عبد الرازق بك عنايت أحد الموسرين ببناء مسرح خاص به عام1897 فى ميدان العتبة ، وقد احترق المسرح قبل وفاته خلال حريق طال أغلب الجهة بالميدان. و«مسرح الأزبكية» أبو العرائس والطليعة افتتح أعماله فى يناير1920 بعرض مسرحية «هدى» تأليف عمر عارف وتلحين سيد درويش وتمثيل فرقة عبد الله عكاشة بعد إعادة بنائه مكان «مسرح الخديو القديم» الذى تدهور مبناه تماما، على يد « تنتهى سنة 1967. وفى عام 1960 تم اقتطاع أرض ملاصقة لمسرح الأزبكية من حديقة الأزبكية لتنفيذ قرار الدولة ببناء أول «مسرح عرائس فيها بتكلفة مئة ألف جنيه، وفى منتصف الستينات تم عمل تعديلات موقع السينما والباتيناج ليكون مقرا لفرقة «مسرح الطليعة»، وعلى مدى مسرح الأزبكية سجلت للعديد من الشخصيات الفنية والصحفية أحداث مع هذا المسرح منها عن أم كلثوم.. « أنه فى عام 1932 عندما وضع الميكرفون أمام أم كلثوم فى مسرح الأزبكية، رمته بغضب، فهى لم تكن معتادة وقتها كباقى مطربى التخت أمثال عبده الحامولى على الميكروفون. وذات ليلة تأخرت أم كلثوم عن موعد الوصلة الأولى لحفلة للإذاعة من المسرح والمفترض تغنى «غلبت أصالح فى روحى «،فتم الطلب من نجاة أن تغنيها، وبالفعل غنتها، وبينما يصفق الجمهور ترتبك نجاة فجأة، وينتفض جسدها، وقد رأت أم كلثوم جالسة على مقعد فى الكواليس، تنصت لها وهى تغنى أغنيتها، فكادت أن تتوقف عن الغناء، لولا أنها رأت أم كلثوم تضم لها يديها مشجعة فاستعادت نفسها، ولما انتهت تركت الجمهور يصفق وجرت نحو أم كلثوم التى فتحت لها ذراعيها واحتضنتها ثم أجلستها على ساقيها وظلت تقبلها وهى تقول: » آه يابنت العفريته بقى تغنى أغنية الوصلة الأولى وأنت قد كده..أمال لما تكبرى هتعملى إيه؟!، أما روز اليوسف فبعد نجاحها الصحفى وأصبحت تمثل أكبر جريدة سياسية أصرت على العودة للمسرح ووقفت ليلتين على «مسرح الأزبكية» تؤدى دور «مرجريت جوتيه» العاشقة فى مسرحية غادة الكاميليا، خصص دخلها لصالح حملة للمنكوبين فى حريق هائل طال قرية «محلة زيادة» بمحافظة الغربية. ويروى محمود المليجى أنه عندما مثل مع فريق تمثيل مدرسته الخديوية مسرحية «الذهب» وشاهدت فاطمة رشدى المسرحية انزعجت وقالت لرئيس الفرقة «لماذا استعنتم بممثل محترف ليلعب دور ميكونين؟ فأجابها بأنه طالب واسمه محمود المليجى. الركن الهادى مطعم«سانتى» أو الركن البعيد الهادى انشىء عام 1872 أطلق عليه ذلك الاسم لوقوعه فعلا داخل حديقة الأزبكية بعيدا ومنعزلا عن شوارع القاهرة وضجيجها، وأحداثها، وتعود ملكيته لوزارة الأشغال العمومية، ويتم استئجاره للمستثمرين، وأول من استأجره «إرنست سانتى»، ومن العلامات الفارقة أن صالته تعد من أوائل الصالات فى مصر التى عرضت مقاطع أفلام صامته بواسطة فرانشيسكو بونفيلى وزوجته فى إبريل سنة 1900، وتراوحت أسعار الدخول بين قرش واحد، وثلاثة قروش، ولقى العرض نجاحا كبير لدى المشاهدين. وكان المقهى يقع بجوار الباب الشرقى لحديقة الأزبكية حيث يقع جراج العتبة حاليا. «دار التمثيل العربي» يفقد فردى لغته، مازالت المساحة الكبيرة الواقع عليها حاليا العقار بشارع الباب البحرى، بإطلالته على ثلاثة شوارع واحتلاله ناصيتين، تدل على ضخامة مسرح «فيردى» إذ يقال عنه بأن اتساع صالته لا يقاربها سوى مساحة صالة مسرح الأوبرا الخديوية، تخصص المسرح فى العروض الأجنبية ،ولم يعرف العربية إلا عندما استأجره الشيخ سلامة حجازى سنة 1905 لتقديم فرقته عليه عروضها المسرحية الغنائية ،ولتحقيق رغبته فى الاستقلال بمسرح ثابت له بدلا من التنقل بين المسارح، ودارت حكايات لمنع بعض العروض عليه يحكيها الكتاب. أما مقهى «نزهة النفوس» أسطورة منيرة المهدية، فقد ارتبط ببداياتها عندما انتقلت إلى القاهرة سنة 1905، ويروى الكتاب بعض الاساطير التى حامت حول فترة وجود منيرة المهدية بالمقهى، وموقعه كان بالعقار 26 شارع وش البركة»نجيب الريحانى حاليا». «الهمبرا» بنكهة نعيمة المصرية وسعاد محاسن بدأ ظهور الصالة بعدما مكنت الشهرة التى حققتها المطربة «نعيمة المصرية» على مسارح شارع عماد الدين وروض الفرج من افتتاح صالة خاصة بها سنة 1922 فى حى وش البركة بالأزبكية، واستمع الجمهور فيها لأغان كثيرة لحنها سيد درويش ومحمد القصبجى، وداود حسنى، وزكريا أحمد، وزكى مراد. وبعد إغلاق «الهمبرا» اشترتها المطربة سعاد محاسن» ونشرت عنها إعلانات تشير إلى أنها «الهمبرا»سابقا، وتشير مختصة للغناء وأنها ملتقى الطبقات الراقية حيث إنها تقدم خدمات ممتازة ومشروبات فاخرة وبها مراوح كهربائية. مقهى «إجيبسيان» يقع مكان العقار رقم 61 بشارع الجمهورية، وصف المقهى بأنه لم تر القاهرة له مثيلا فكل خدمه من النساء الجميلات، وكل مطرباته من النساء الجميلات أيضا. ويعود إنشاؤه الى سبعينات القرن التاسع عشر وهى الفترة التى أنشىء فيها حى وش البركة. «الشيشة قهوة وطنية واجبة التشجيع» مثل ظهور الشيشة فى ثمانينيات القرن التاسع عشر رمزا لما سمى «المقاهى الوطنية» أى التى يملكها المصريون فى القاهرة الخديوية تحديدا فى حى الأزبكية. «مسرح الابتهاج» كان فى حارة «النصارى» وهى شارع القبيلة» حاليا الذى يلى شارع نجيب الريحانى وتخصص فى عرض أعمال تمثيلية فكاهية مع تقديم مقطوعات غنائية، وارتبط بسيرة حياة المطربة «توحيدة» ففيه بدأت خطواتها الفنية وهى فى سن المراهقة وكان صوتها خلابا. المجموعة الثانية «مجموعة شارع عماد الدين»: وتعتبر الأكثر شهرة وزخما فى تاريخ المسارح والملاهى، وظهرت بقوة فى القرن العشرين، وتحديدا فى الجزء الشمالى من الشارع الواقع بين شارع 26 يوليو حتى يلتقى مع شارع رمسيس ،وكان هذا الجزء أرضا زراعية وبساتين قبل حوالى سنة 1895، إلا أنه فى خلال العشر سنوات الأولى من القرن العشرين بدأت المسارح والملاهى تزحف تدريجيا إليه قادمة من حى وش البركة القريب لتثبت وجودها فيه، وتحوله إلى شارع للترفيه بأنواعه كافة فى خطوة تمثل المرحلة الثانية لمرحلة ريادة القطاع فى القرن التاسع عشر التى ظهر بعض منها فى مجموعتى العتبة ووش البركة . وضمت المجموعة «كازينو دى بارى» انشىء1912 على ناصية شارع عماد الدين مع شارع نجيب الريحانى لصاحبته الفرنسية «القديسة مارسيل»، وكانت تختار أجمل البنات الأوربيات للعمل بالكازينو، وكان يقدم ثلاث فقرات بثلاث لغات الإنجليزية والفرنسية والعربية. تحية كاريوكا كومبارس أما مسرح «بيجوبالاس» المتخصص فى الغناء والمنولوجات والرقص أنشىء فى عشرينيات القرن العشرين، واستأجرته إنصاف رشدى سنة 1927، وعملت به تحية كاريوكا كومبارس بثلاثة جنيهات، قبل أن تتوجه إلى بديعة مصابنى فى صالتها المجاورة بشارع عماد الدين. صالة إنصاف ورتيبة رشدى المتنقلة ، افتتحت فى شارع عماد الدين وهى فى الأصل صالة «بيجو بالاس» وقدم فيها فنون الرقص والغناء والموسيقى حيث غنت إنصاف وشاركتها أختها رتيبة. ومسرح «إجيبسيان» ولد بهذا الاسم بناء على اختيار من نجيب الريحانى باعتباره مسمى معروفا لدى المصريين والأجانب، وافتتح المسرح الواقع فى 23 شارع عماد الدين، ومكانه سينما ليدو حاليا يوم 17 سبتمبر 1917 بعرض رواية «أم احمد»، استمر العمل بالمسرح تحت مسماه حتى عام 1920 ليتم تغييره بعد إعادة بنائه بمسمى «برينتانيا». ومسرح «ماجستيك» احتكر على الكسار العمل عليه لحوالى عشرين سنة، واشتهر بشخصية «عثمان عبد الباسط» النوبى طيب القلب، ومكان المسرح حاليا سينما«بيجال» 25 شارع عماد الدين ،وافتتحت الفرقة المسرح 6 يناير 1919 بمسرحياتها «ليلة14»، أبدع على الكسار على المسرح إلى درجة أن دينيس عميد الكوميديا قال لتلميذه زكى طليمات بعد حضور عرض للكسار: إننى على جهل تام باللغة التى يؤدى بها هذا الممثل الملون ..أرانى منجذبا إليه ولا أحس بسواه على المسرح..إن فى نبرات صوته وحركاته تعبيرا صادقا وواضحا عن المعانى التى يحسها جميع الناس، ولا يحتاج أمر التأثر بها إلى فهم اللغة التى ينطقها. وعن «صالة بديعة» قيل إنها ورشة تطوير «الرقص الشرقى» فى شارع عماد الدين، وكانت بداية انطلاق نجوم فنية، افتتحت الصالة عام 1926 بعد مشوار فنى كبير لبديعة، وأطلق عليها «عروس المراسح السورية» لتنضم إلى فرقة الريحانى وتتزوجه، وتصبح بطلة أغلب مسرحياته. ومن أشهر المسارح مسرح «تياترو عباس» انشىء عام 1906، وحمل اسم عباس تيمنا بعهده فى هذه الفترة، ووصف بأنه أفخم دور تمثيل فى مصر بعد الأوبرا، وقد وقفت عليه «سارة برنار» عملاقة المسرح الفرنسى بدعوة من الخديو فى 9 نوفمبر 1908. وعبرت سارة عن إعجابها بمصر والمصريين ودهشتها من ارتقاء البلد وتغير مناظرها عما كانت عليه منذ رأتها سابقا. ويفصل الكتاب عن تلاقى مسرحى «رمسيس والريحانى» النقيضان فى مكان واحد ، وعن بناء «مسرح كورسال» وسينما«كورسال» فى شارع عماد الدين وهما متجاوران. فؤاد الألفى المجموعة الثالثة «مجموعة فؤادالالفى»: تقع هذه المجموعة فى محيط جغرافى يجمع بين شارعى فؤاد الأول »26 يوليو حاليا» وشارع الألفى بك، وهما شارعان متوازيان جزئيا بوسط القاهرة فى المسافة الممتدة من شارع الجمهورية وحتى شارع طلعت حرب، وتتميز بأنها أقل صخبا، لأنه يغلب عليها طابع الضيافة وتضم العديد من المسارح والملاهى نذكر بعضها، يضم «برينتانيا القديم» وهو الاسم الذى يعرف به المسرح الأنيق وأحد أكبر مسارح القاهرة، ويقع على مساحة 2000 متر مربع، ما أهله ليمتلك ناصيتين يطل بهما على ثلاثة شوارع هى الألفى وزكريا أحمد وسراى الأزبكية، ويتكون من طابقين دون احتساب الأرضى. مطعم «بتروجراد الروسي» لصاحبه صمويل سفير ليك المستثمر الروسى المقيم فى مصر أوائل القرن العشرين الكائن فى شارع 26 يوليو «فؤاد سابقا»، وكان ينظم حفلين لفرقتين للموسيقى. وقد ارتبط صفوة المجتمع بمطعم «سولت» الذى ظهر عام 1909، وموقعه حاليا بنك فيصل الإسلامى بشارع 26يوليو»، وكان يفضله أمير الشعراء.. «مسرح أم كلثوم« على ناصية شارع فؤاد، جاء غناء أم كلثوم مساء الخميس 12 أكتوبر 1933 فى افتتاح موسمها على مسرحها الواقع على ناصية شارع فؤاد «26 يوليو حاليا» مع شارع عماد الدين «بداية محمد فريد من 26 يوليو بمثابة علامة فارقة فى تاريخ مسيرتها الفنية وأيضا فى تاريخ المكان الذى غنت فيه، إذ غنت ليلتها على مسرح يحمل اسم «أم كلثوم». ويفصل الكتاب فى تاريخ ملهى «سفنكس» وما نسب إلى منشئته وهى «كلارا وارد» الأمريكية الأبنة الصغرى للمليونير الأول فى ديترويت، ثم مطعم «سان جيمس» . المجموعة الرابعة مجموعة المتفرقات: يذكر الكاتب أنه اختار اسم المجموعة لأنها لم تكن كتلة وحدة كسابقاتها، بل موزعة ما بين داخل القاهرة الخديوية أو على أطرافها، وما استدعانى للحديث هو أنه كانت لها بصمات فى عالم الملاهى زمنها، وتضم المتفرقات «سيروس» الذى افتتح فى بدايات العشرينيات القرن العشرين وهو فرع من سلسلة ملاهى سيروس الدولية، وملهى «دولز» الذى يكاد حكرا على الراقصة سامية جمال، ومسرح ومقهى «الشانزليزيه» الذى انطبق عليه وصف «ملجأ الفنانين» فقد ذكرت فاطمة رشدى فى مذكراتها: كان مسرح «الشانزليزيه» هو ملجأنا الذى نهرع إليه عندما تلفظنا الفرق الأخرى وكان ثمن أغلى تذكرة 12 قرشا، وكازينو «البوسفور» قاهر الفتونة وارتبط اسمه بحادثة كان سببا فى نهاية عصر الفتونة، كما أن أم كلثوم توقفت عن الغناء وهى فوق مسرح «البوسفور» حدادا على وفاة الزعيم سعد زغلول. أخيرا من خلال عرض لأهم أفكار الكتاب ندرك كيف أصبحت «القاهرة الخديوية» خلال تلك الفترة الزمنية مدينة «كوزمبوليتانية» احتضنت كل فنون وفنانى الشرق والغرب حاملين رسالة حب وسلام من خلال القوى الناعمة.