في أواخر القرن الرابع عشر أهدي السلطان قايتباي قائد جيشه سيف الدين بن يزبك قطعة من الأرض ناحية بركة بطن البقر مكافأة له علي انتصاراته المستمرة.. وقف القائد امام الارض الجرداء من أمامه ضريح سيدي عنتر وعلي يمينه ضريح سيدي وزيري.. وبعد أن استقر سيف الدين حول المنطقة الي حي كامل يتوسطه الجامع الكبير وأقام ممشي للتنزهه وأعاد فتح البركة بإقامة سد كبير يفتح عند فيضان النيل فتندفع المياه اليها وحمل الحي اسمه »الأزبكية». بعد أربعة قرون عام 1912 جلست الفتاه الصغيرة وديعة تلعب الباتيناج بالممشي المقام بجوار حديقة الازبكية فتاة جميلة تحمل الملامح الغربية او الشامية ذات قوام جميل وشعر طويل بشكل ملفت.. تقدم إليها رجل متوسط العمر فؤاد سليم يعمل مع جورج أبيض بالمسرح القريب من المكان وعرض عليها العمل بالتمثيل ولكنها لاتجيد العربية وافقت وديعة وتعهدها فؤاد سليم وإلياس فياض في تعلم اللغة العربية والتمثيل والوقوف علي المسرح. وفي أول درجة من سلم مسرح جورج أبيض تذكرت وديعة رحلتها من الشام إلي مصر الاسم وديعة حبيب ومن فرط جمال الطفلة الصغيرة تحول الاسم إلي بديعة لجمالها البديع وحملت لقب عائلتها التي كانت تعمل في مصبنه ليتصدر اسم بديعة مصابني بعد ذلك أفيش المسرح الذي يحمل اسمها بميدان العتبة.. والدها ثري لبناني والأم من سوريا والابنه وسط أربع بنات وثلاث أولاد هاجرت بديعة مع امها الي امريكا الجنوبية بعد أن فقدت الأسرة العائل والثروة وفي الغربة تعلمت بديعة بعض اللغات وراحت تبحث في القاهرة عن عمها الثري الذي يسكن في الشرقية كما علمت بعد ذلك استقرت بالقاهرة وهربت من أمها في محطة القطار لرفض الأم عملها بالمسرح الاستعراضي والاشتغال بالفن.. تعرفت بديعة علي الشيخ أحمد الشامي وطافت مع فرقته أركان المحروسة تقدم الاستعراض لتكتمل موهبتها بالقاهرة وتسافر إلي سوريا لتعمل مع مدام جانيت وتشترط الحصول علي مبلغ 300 جنيه دهب عثماني أجرها وهناك تعرف عليها نجيب إلياس الريحاني وصبي صغير »12» عاما محمد عبد الوهاب كان يقدم وصلات غنائية بين فصول مسرحيات الريحاني لتعود مع فرقته تقدم فنها الاستعراضي.. وفي سبتمبر 1924 تنشر مجلة تياترو في عددها خبر زواج بديعة مصابني ونجيب الريحاني بصورة من عقد القران وتبدأ بديعة مرحلة هامة بالتمثيل في رواية الليالي الملاح أول مسرحية يعانق اسمها اسم الريحاني علي الافيش الخاص بالمسرحية يتقدم الاسم نجمة الاستعراض بديعة مصابني.. وبعدها بعام تشتري بديعة صالة بعماد الدين صيفي بمبلغ 5000 جنيه من رجل اسمه »سينديكس» كان يملك مباني الكازينو فقط وأصبح لها فرقتها الاستعراضية تعمل بها 50 راقصة والست بديعة تتقدم الراقصات بصاجات نحاسية تعزف عليها بمهارة عجيبة وترتدي فستان سواريه عاري الظهر فلم تكن تفضل بدلة الرقص أبداً.. وفي 1924 اشترت بديعة كازينو آخر حمل اسمها بميدان الأوبرا. كازينو بديعة بميدان الأوبرا وفي إبريل 1924 افتتحت الست بديعة مصابني مبني أنيقا يتوسط الميدان بالدور الارضي مطعما كبيرا وحديقة خاصة.. وبالدور الثاني مسرح وكازينو والروف مكان خاص يتوسطه بار وعدد من الشماسي بألوان مزركشة وأصبح المكان ملتقي فنيا ثقافيا وكان رواد الكازينو من الأدباء والفنانين يتخدون من الحديقة مكانا لندواتهم ولقاءاتهم وكان الأديب نجيب محفوظ يقيم ندوة أسبوعية فيه وأصبح الكازينو أكاديمية فنية خاصة عمل فيه معظم نجوم الغناء والتمثيل والكوميديا »بشارة واكيم ، محمد فوزي، سامية جمال، فريد الأطرش، إسماعيل ياسين، تحية كاريوكا، زينات صدقي، هاجر حمدي، حورية حسن، ببا عزالدين، محمد الكحلاوي، محمد عبد المطلب، حكمت فهمي.. سامية جمال.. تحية كاريوكا.. حورية عبده..». وقدمت بديعة الاستعراض بالكازينو والمسرحيات الفكاهية بالمسرح لتقدم حفلات نهارية كل يوم جمعة وأحد بنصف الأجر وتبدأ الحفلات العاشرة والنصف صباحا وفي الخامسة تقدم بأسعار مخفضة أما ميعاد الحفلات مساء فهي تبدأ من التاسعة والنصف.. نجحت فكرتها في استغلال ساعات النهار فقدمت في 30 نوفمبر 1940 المسرحية الاستعراضية »ساعتين حظ» من تأليف أبو السعود الابياري عبارة عن 7 مناظر استعراضية راقصة وموسيقي فريد غصن »إلياس نعمة الله شلالا» المسرحية بطولة فهمي امان وتحية كاريوكا والمنولوجست إسماعيل ياسين ونجح العمل بشكل كبير. ومن كازينو بديعة تكونت فرقة بديعة مصابني من 40 ممثلا وممثلة وراقصة وبدأت الفرقة في تقديم عروض مسرحية بالوجه البحري والقبلي يوم الاثنين 4 إبريل 1934 بمسرح البلدية بدمنهور والثلاثاء بطنطا والاربعاء بالمحلة الكبري بالسرادق الفخم المقام خصيصا للفرقة وكانت التذاكر تشتري من مقر الفرقة أو من محمود علي صاحب اللوكاندا السورية مقر سكن الفرقة.. ويوم الخميس والجمعة كانت الفرقة تقدم الاستعراض والمسرحية بالمنصورة بتياترو عدن وتطلب التذاكر من متعهد الجرائد محمد افندي عبد الوهاب وأحمد أفندي محمود صاحب قهوة رمسيس أو من صاحب سينما بلاس نجيب أفندي نصر. بعدها تشتري بديعة كازينو جديدا بالجيزة بجوار الكوبري الانجليزي الذي أطلق عليه كوبري بديعة لأنه الموصل إلي كازينو الست »مكان الشيراتون الآن» وتقدم عليه في مايو رواية »نينتي وخالتي» من فصل واحد تلحين عزت الجاهلي »ملحن موسيقي وُلد سنة 1901 وهو ابن الممثل عبد العزيز الجاهلي ، وجده الموسيقار حسن الجاهلي أول عازف آلة كمان مصري» ومن إخراج بشارة واكيم ويبقي كازينو بديعة بالأوبرا هو الجامعة الفنية لنجوم الفن والبداية قبل الانطلاق وإن كان طال الكازينو بعض الانتقادات كتقديم الرقصات الماجنه وبعض الشائعات ولكن بديعة ظلت تعمل علي تطوير الكازينو تسافر سنويا إلي أوربا لزيارة المسارح العالمية وشراء الملابس الخاصة بالمسرحيات بعد انتهاء عرضها. فاطمة هانم عز الدين رقصت فاطمة هانم عز الدين بكازينو بديعة حتي اختارت لها اسم »ببا» وأصبحت راقصة مشهورة تنافس الست بديعة حتي تزوجت من ألفريد أنطوان عيسي ابن شقيقة بديعة والزوج الأول لتحية كاريوكا طموح الراقصة ببا قادها إلي الانفصال عن بديعة وافتتحت صالة باسمها في شارع عماد الدين، وبعدها امتلكت ببا كازينو بديعة بميدان الأوبرا وغيرت اسم الكازينو إلي شهرزاد واجتذبت العديد من الأثرياء الذين جاءوا للتقرب إلي الراقصة الجميلة. بعد فترة باعت ببا الكازينو إلي فتحية محمود »ممثلة ومطربة وراقصة ومنولوجست مصرية»، اسمها بالكامل »فتحية محمود محمد»، ولدت في مدينة القاهرة في عام 1913، وحصلت علي شهادة البكالوريا في عام 1930. تعلمت فتحية فن التمثيل والغناء وهي في سن الخامسة عشرة من عمرها، وقد عاصرت في وقت ظهورها الفنانين إسماعيل يس ومحمود شكوكو وغيرهما وقامت بالعمل معهم في بعض الفرق التي كانت تتجول في المحافظات للغناء وتعليم فن المونولوجات، وبعد ذلك قامت بالغناء في صالة بديعة مصابني بالإضافة لتقديمها المونولوجات ومشاركاتها في بعض المسرحيات، ومن هنا توجهت إلي السينما، وشاركت في بضعة أفلام، منها: »كنز السعادة، صباح الخير، بلبل أفندي». توفيت في عام 1981 عن عمر يناهز الثمانية والستين عامًا» تغير معالم الميدان وراح الكازينو ليحل محله مول كبير وهدمت عمارة متتيا والأوبرا وسادت العشوائية والقبح لارقي ميدان بالعاصمة وتبدل صوت فريد الأطرش بصوت بائع متجول وراحت الموسيقي وجاءت الكلاكسات تصدع أركان المكان. ضرائب الست بديعة بعد فترات النجاح والفشل في حياة بديعة والكازينو جاء المانشيت الرئيسي بيد الخطاط رأفت »بديعة مصابني تهرب من مصر.. والضرائب تطالبها ب 80 الف جنيه» هربت بديعة بعد أن عجزت عن سداد الضرائب ونقلت ماتبقي من أموال إلي لبنان وكانت قد لجأت الي حيلة بالزواج من رجل اعمال شامي اسمه إلياس استخدمت جواز السفر الخاص به وخرجت باسم مدام إلياس وراح اسم بديعة وظهرت كسيدة تجلس في حديقة بيتها في ضيعة صغيرة بلبنان تعمل في أعمال بسيطة تعيش منها وبعد غياب طويل تعود بمسرحية الكافيار والعدس في عام 1974 وهو نفس العام الذي تعود روحها لتسكن قبرها البسيط وتبقي حكاياتها تروي وتسمع صوتها »البدر طلع غنواله» ونغني لها ذكريات حنين رائعة.