بالصور والفيديو| الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك بمركز شباب بشتيل    بالصور.. شلالات البالونات ترسم البسمة على وجوه الأطفال في بورسعيد    محافظ القليوبية يوزع الورود ويلتقط الصور التذكارية مع المواطنين احتفالًا بعيد الأضحى.. صور    الألاف يصلون صلاة عيد الأضحى في مجمع أبو العباس بالإسكندرية    القنوات الناقلة لمباراة إنجلترا وصربيا في كأس أمم أوروبا يورو 2024    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباراة المقاولون العرب وطلائع الجيش    توافد آلاف المصلين على ساحة مسجد السلطان لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم على طريق بحيرة قارون السياحي بالفيوم    بالصور والفيديو.. توافد الآلاف من المصلين على مسجد خاتم المرسلين بالهرم لأداء صلاة العيد    عاجل - بث مباشر شعائر صلاة عيد الأضحى المبارك 2024 من مسجد السيدة زينب    بسبب صلاة العيد، زحام مروري بمصر الجديدة (فيديو)    بدء توافد مواطني الأقصر على ساحة أبو الحجاج لأداء صلاة عيد الأضحى (بث مباشر)    محمد رمضان يحقق 80 ألف مشاهدة بأغنية العيد "مفيش كده" في ساعات    الاحتلال يمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى قبيل صلاة عيد الأضحى (فيديو)    الرئيس السيسي يشيد بحسن تنظيم السلطات السعودية لمناسك الحج    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى فى مشعر منى    حماس: نتنياهو يراكم كل يوم العجز والفشل.. والحقائق تؤكد انهيار جيش الاحتلال    قوات الاحتلال تمنع مئات الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    محافظ جنوب سيناء يشارك مواطني مدينة الطور فرحتهم بليلة عيد الأضحى    ريهام سعيد: «أنا عملت عملية وعينيا باظت ومش محتاجة حد يصدقني» (فيديو)    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    الجمعية المصرية للحساسية والمناعة: مرضى الربو الأكثر تأثرا بالاحترار العالمي    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    ننشر موعد صلاة عيد الأضحى المبارك لعام 1445ه‍    تعرف على سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم في السعودية الاحد 16 يونيو 2024    متلازمة الصدمة السامة، ارتفاع مصابي بكتيريا آكلة اللحم في اليابان إلى 977 حالة    مع زيادة الطلب على الأضاحي.. تعرف على أسعار اللحوم اليوم الأحد    طقس أول أيام العيد.. أمطار وعواصف تضرب الوادي الجديد    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في القاهرة والمحافظات    93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة جرائم إسرائيل    «الغرف التجارية»: زيادة الاحتياطى يزيد من ثقة المستثمرين    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    أثناء الدعاء.. وفاة سيدة من محافظة كفر الشيخ على صعيد جبل عرفات    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    استقبال تردد قناة السعودية لمشاهدة الحجاج على نايل سات وعرب سات    عاجل.. رد نهائي من زين الدين بلعيد يحسم جدل انتقاله للأهلي    «التعليم العالى»: تعزيز التعاون الأكاديمى والتكنولوجى مع الإمارات    تأسيس الشركات وصناديق استثمار خيرية.. تعرف علي أهداف عمل التحالف الوطني    دعاء النبي في عيد الأضحى مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة كان يرددها الأنبياء في صلاة العيد    غرامة 5 آلاف جنيه.. تعرف علي عقوبة بيع الأطعمة الغذائية بدون شهادة صحية    تشكيل غرفة عمليات.. بيان عاجل من "السياحة" بشأن الحج 2024 والسائحين    كرة سلة.. عبد الرحمن نادر على رأس قائمة مصر استعدادا للتصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس    «المالية»: 20 مليون جنيه «فكة» لتلبية احتياجات المواطنين    إلغاء إجازات البيطريين وجاهزية 33 مجزر لاستقبال الأضاحي بالمجان في أسيوط    ملخص وأهداف مباراة إيطاليا ضد ألبانيا 2-1 في يورو 2024    خوفا من اندلاع حرب مع حزب الله.. «أوستن» يدعو «جالانت» لزيارة الولايات المتحدة    شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    تزامنا مع عيد الأضحى.. بهاء سلطان يطرح أغنية «تنزل فين»    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    حلو الكلام.. لم أعثر على صاحبْ!    بمناسبة العيد والعيدية.. أجواء احتفالية وطقوس روحانية بحي السيدة زينب    فحص 1374 مواطنا ضمن قافلة طبية بقرية جمصة غرب في دمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بديعة مصابني.. حققت الشهرة واعتزلت في قمة المجد
نشر في صوت البلد يوم 11 - 10 - 2017

في بدايات القرن الماضي تميزت الحياة الفنية في مصر بالنشاط والحيوية، وكان شارع عماد الدين في العشرينيات وحتى الأربعينيات يموج بالعديد من الفرق المسرحية، مثل فرق: "الكسار" و"الريحاني" وفرقة "رمسيس" ليوسف وهبي " و"فاطمة رشدي" و"عزيز عيد" و"جورج أبيض" و"عبد الرحمن رشدي.. وغيرها، كما كانت هناك صالات الرقص التي تديرها أجنبيات مثل صالة "ديناليسكا"، و"كازينو دي باري"، الذي كانت تديره مدام مارسيل، إضافة إلى صالات تديرها مصريات مثل ماري منصور وسعاد محاسن و ورتيبة وأنصاف رشدي .. أما أكبر صالات الفنانات العربيات، فقد كانت صالة بديعة مصابني بشارع عماد الدين، مكان سينما "ليدو" حاليًا بجوار مسرح الريحاني.
وكانت بديعة مصابني اللبنانية الأصل قد حضرت إلى القاهرة لأول مرة عام 1910، لتبدأ رحلة فنية ثرية، وتضع بصمتها التي لا تنسى على تاريخ الفن المصري بشكل عام، خاصة وأن عددًا من أكبر الفنانين المصريين برزوا من خلالها، مثل تحية كاريوكا، ومحمد فوزي، وزينات صدقي، وإسماعيل ياسين.
في عاصمة الفن
أطلت الطفلة بديعة على الدنيا في العام 1892 في بيروت، من عائلة مصابني المارونية، وسرعان ما شبت عن الطوق وأصبحت فتاة رائعة الجمال رشيقة القوام ، شغلت شباب الحي بجمالها ورشاقتها، كان والدها تاجرًا ميسور الحال لكن الدنيا لا تدوم على حال، فقد اضطرتها الظروف إلى أن تنزل إلى ميدان العمل وهي في مرحلة الصبا، فعملت في بعض حرف حياكة الملابس، ولكن موهبتها الفنية كانت قد بدأت الإعلان عن نفسها، وراحت تلح عليها. وفي عام 1910 قررت بديعة أن تطلق العنان لنفسها، فتركت لبنان وجاءت إلى القاهرة، ولم يكن عمرها قد تجاوز الثامنة عشرة، ووصلت مصر بصحبة والدتها ولم تكن تعرف فيها أحدًا، وراحت تتجول في شوارع القاهرة مع والدتها حتى وقع نظرها على حديقة الأزبكية بوسط القاهرة، التي كانت تموج بالصالات والمسارح التي تقدم الفن المصري، وكان أشهرها صالة "سانتي"، التي كانت تغني فيها "توحيدة" واحدة من أشهر مطربات مصر في ذلك الزمن، وهي نفس الصالة التي شهدت بداية شهرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
وأدركت بديعة أن هذا مكانها وأن شأنًا كبيرًا سوف يكون لها فيه، فذهبت أولًا إلى جورج أبيض وعملت معه في مسرحه فترة قصيرة، ولكنها سرعان ما تركته لتنضم إلى فرقة الفنان أحمد الشامي الذي كوّن فرقة تمثيلية يجوب بها مدن ومراكز مصر، يقدم مسرحيات فيها من الغناء والرقص ما يرضي ذوق المتفرج الشرقي، وفاقت بديعة مصابني كل بطلات الشامي برقصها وغنائها وتمثيلها لتكون هي البطلة الأولى في فرقته ، ورغم أن نجاح بديعة مع فرقة الشامي كان كبيرًا إلا إنها تركتها وعادت إلى بيروت، وفي لبنان وواصلت مشوارها الفني بنجاح، حيث غنت ورقصت وأصبح لها اسمها في بلدها .
مع الريحاني
ولكن عشقها لمصر التي وقعت في هواها من أول نظرة، جعلها تقرر العودة مرة أخرى، غير أنها هذه المرة أصبحت بطلة مسرح نجيب الريحاني الذي قدمها في عشرات المسرحيات الغنائية التي اشتهر بها مسرحه في منتصف القرن العشرين، فقد أثرى الموسيقيون المصريون هذا المسرح بألحان رائعة، ومنهم فنان الشعب سيد درويش وكامل الخلعي وإبراهيم رمزي وداود حسني ومحمد القصبجي وزكريا أحمد.. وغيرهم.
وقدمت بديعة مع الريحاني عدة أعمال فنية ناجحة منها: "الشاطر حسن، الليالي الملاح، أيام العز، مجلس الأنس، ريا وسكينة، والبرنسيسة" وغيرها، وكانت نتيجة هذا التعاون الفني، شراكة إنسانية أيضًا، حيث تزوجت من نجيب الريحاني، وعاشا معًا أسعد أيامهما الفنية والإنسانية، غير أن السعادة لم تدم، وتم الطلاق في فبراير/شباط 1925.
وبعد الطلاق عرض عليها أحد الأصدقاء فكرة العمل بمفردها بعيدًا عن المشاركة في المسرحيات والأوبريتات الغنائية، فاقتنعت بالفكرة واستأجرت صالة في عماد الدين، وبدأت في تكوين فرقتها الغنائية الراقصة التي ولدت عملاقة، فقد ضمت إليها أشهر مطربي ذلك الزمن، مثل فاطمة سري التي لحن لها "صفر علي" أغنية "رنة خلخالي يا أمه"، كما انضمت إلى الفرقة الفنانة الناشئة في ذلك الوقت "نجاة علي" واشتهرت بطقطوقتها "سر السعادة في شفتيك"، وأيضًا انضم إلى الفرقة الشيخ سيد الصفتي، الذي كان يجيد غناء الأدوار التي صاغها الرواد عبده الحامولي ومحمد عثمان وإبراهيم القباني.. وغيرهم .
ومن أهم الفنانات اللاتي نجحت بديعة في ضمهن لفرقتها الوليدة مطربة القطرين "فتحية أحمد" التي كانت المنافسة الأولى لأم كلثوم عند ظهورهما معاً، ومن لبنان جاءت بالراقصة الشهيرة حينئذ في بلدها ببا عز الدين وشقيقتها شوشو عز الدين، كما جاءت بالمطربة ماري جبران التي كانت تجيد الموشحات والأدوار المصرية.
كوبري بديعة!
وغطت شهرة صالة بديعة على كل الصالات الأخرى في ذلك الوقت، ونجحت في جذب العديد من المطربين والمطربات والراقصات إلى صالتها، فتركت تحية كاريوكا صالة سعاد محاسن من أجل بديعة، وفريد الأطرش وأسمهان تركا ماري منصور من أجلها، وهجرت زينات صدقي صالات الإسكندرية كراقصة، وانضمت لبديعة قبل أن تعتزل الرقص وتصبح من نجمات الكوميديا، وتزاحم في الصالة عدد من المطربين الذين أصبح لهم باع طويل في عالم الفن مثل إبراهيم حمودة الذي كان مطرب الفرقة الأول، ثم جاء بعده محمد فوزي والملحن محمود الشريف الذي كان يغني ويلحن ، وتولى قيادة الفرقة الموسيقية واحد من ألمع الملحنين وعازفي القانون في ذلك الوقت وهو أحمد شريف ومعه زوجته سيدة حسن مطربة الأفراح، كما قدمت بديعة المطرب الناشئ أحمد عبد القادر الذي اشتهرت له أغنيته"وحوي يا وحوي" ، وقدمت أساطين فن المنولوج الفكاهي، وكان أشهرهم سيد سليمان وموسى حلمي، والدويتو الفكاهي، "حسين ونعمات المليجي" وإسماعيل ياسين وثريا حلمي وشقيقتها المطربة ليلى حلمي، وكان الملحن الأول للفرقة الفنان عزت الجاهلي، وكان والده الممثل عبد العزيز الجاهلي يمثل بعض المسرحيات وفيها تعرف إلى بديعة.
واستطاعت أن تشيد صالة فنية حديثة على أحدث طراز في ذلك الوقت في "ميدان الأوبرا" على بعد خطوات من دار الأوبرا الملكية التي بناها الخديوي إسماعيل. وقامت بعمل أول مسرح دائري ليرى كل المشاهدين ما يجري على المسرح وهم جالسون في أي مكان بالصالة، وفي الصيف كانت تنتقل بنشاطها إلى كازينو بديعة- مكان شيراتون القاهرة الحالي - حتى أصبح هذا المكان يشتهر باسمها، وكان العامة يسمون الكوبري الذي يوصل إليها، "كوبري بديعة" وأطلق عليه فيما بعد "كوبري الجلاء".
ورغم ظهور السينما منذ عشرينيات القرن الماضي، وتقديم الأفلام الناطقة منذ عام 1927 فإن السينما لم تستهوها، وإن كانت قدمت أدوارًا قليلة في السينما مع بنت بلدها ماري كويني، أهمها فيلم "أم السعد" الذي أخرجه أحمد جلال، كما قامت ببطولة فيلم "ملكة المسارح" من إخراج الإيطالي أريو خولبي وبطولة مختار عثمان، وبشارة واكيم، لكن الفيلم فشل فشلًا ذريعًا فابتعدت عن السينما، ثم قامت بتمثيل عدة أفلام تسجيلية دعائية لشركات "بنك مصر"، خاصة شركة "غزل المحلة"، حيث قدمت في فيلم "المحلة" دور فلاحة تتعارك مع زميلتها التي تقوم بتمزيق جلبابها، ثم تقوم فلاحة أخرى بإهدائها جلبابًا من صنع "المحلة" فتغني وترقص مع المجموعة "جلابيتي حلوة محلاوي"، حيث كان الاقتصادي الكبير طلعت باشا حرب يبذل كل جهده من أجل تمصير الصناعة المصرية ويقوم بالدعاية لكل شركاته وبكل الوسائل، حتى نجح في إقامة صروح صناعية ضخمة.
وكان عام 1949 هو عام الأحزان لبديعة، حيث شهد رحيل زوجها السابق وحبيبها الفنان نجيب الريحاني، وفي العام نفسه طالبتها مصلحة الضرائب بمبالغ مالية كبيرة ، غير أن بديعة رفضت أن تدفع ورتبت عملية للهروب بأموالها من مصر، وبالفعل استطاعت عن طريق أصدقائها أن تهرب إلى لبنان بعد أن باعت مسرحها إلى تلميذتها ببا عز الدين.
وفي بيروت اشترت بديعة مزرعة في منطقة "شتورة" وشيدت بها مزرعة دواجن وابتعدت عن الفن تمامًا، كما أقامت مطعمًا لتناول المأكولات اللبنانية، مع تقديم بعض الفقرات الغنائية والراقصة، غير أنها لم تعد تشارك بالغناء أو الرقص، وظلت تباشر أعمالها حتى رحلت في 23 يوليو/تموز 1976 عن عمر يناهز 84 عامًا.
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )
في بدايات القرن الماضي تميزت الحياة الفنية في مصر بالنشاط والحيوية، وكان شارع عماد الدين في العشرينيات وحتى الأربعينيات يموج بالعديد من الفرق المسرحية، مثل فرق: "الكسار" و"الريحاني" وفرقة "رمسيس" ليوسف وهبي " و"فاطمة رشدي" و"عزيز عيد" و"جورج أبيض" و"عبد الرحمن رشدي.. وغيرها، كما كانت هناك صالات الرقص التي تديرها أجنبيات مثل صالة "ديناليسكا"، و"كازينو دي باري"، الذي كانت تديره مدام مارسيل، إضافة إلى صالات تديرها مصريات مثل ماري منصور وسعاد محاسن و ورتيبة وأنصاف رشدي .. أما أكبر صالات الفنانات العربيات، فقد كانت صالة بديعة مصابني بشارع عماد الدين، مكان سينما "ليدو" حاليًا بجوار مسرح الريحاني.
وكانت بديعة مصابني اللبنانية الأصل قد حضرت إلى القاهرة لأول مرة عام 1910، لتبدأ رحلة فنية ثرية، وتضع بصمتها التي لا تنسى على تاريخ الفن المصري بشكل عام، خاصة وأن عددًا من أكبر الفنانين المصريين برزوا من خلالها، مثل تحية كاريوكا، ومحمد فوزي، وزينات صدقي، وإسماعيل ياسين.
في عاصمة الفن
أطلت الطفلة بديعة على الدنيا في العام 1892 في بيروت، من عائلة مصابني المارونية، وسرعان ما شبت عن الطوق وأصبحت فتاة رائعة الجمال رشيقة القوام ، شغلت شباب الحي بجمالها ورشاقتها، كان والدها تاجرًا ميسور الحال لكن الدنيا لا تدوم على حال، فقد اضطرتها الظروف إلى أن تنزل إلى ميدان العمل وهي في مرحلة الصبا، فعملت في بعض حرف حياكة الملابس، ولكن موهبتها الفنية كانت قد بدأت الإعلان عن نفسها، وراحت تلح عليها. وفي عام 1910 قررت بديعة أن تطلق العنان لنفسها، فتركت لبنان وجاءت إلى القاهرة، ولم يكن عمرها قد تجاوز الثامنة عشرة، ووصلت مصر بصحبة والدتها ولم تكن تعرف فيها أحدًا، وراحت تتجول في شوارع القاهرة مع والدتها حتى وقع نظرها على حديقة الأزبكية بوسط القاهرة، التي كانت تموج بالصالات والمسارح التي تقدم الفن المصري، وكان أشهرها صالة "سانتي"، التي كانت تغني فيها "توحيدة" واحدة من أشهر مطربات مصر في ذلك الزمن، وهي نفس الصالة التي شهدت بداية شهرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
وأدركت بديعة أن هذا مكانها وأن شأنًا كبيرًا سوف يكون لها فيه، فذهبت أولًا إلى جورج أبيض وعملت معه في مسرحه فترة قصيرة، ولكنها سرعان ما تركته لتنضم إلى فرقة الفنان أحمد الشامي الذي كوّن فرقة تمثيلية يجوب بها مدن ومراكز مصر، يقدم مسرحيات فيها من الغناء والرقص ما يرضي ذوق المتفرج الشرقي، وفاقت بديعة مصابني كل بطلات الشامي برقصها وغنائها وتمثيلها لتكون هي البطلة الأولى في فرقته ، ورغم أن نجاح بديعة مع فرقة الشامي كان كبيرًا إلا إنها تركتها وعادت إلى بيروت، وفي لبنان وواصلت مشوارها الفني بنجاح، حيث غنت ورقصت وأصبح لها اسمها في بلدها .
مع الريحاني
ولكن عشقها لمصر التي وقعت في هواها من أول نظرة، جعلها تقرر العودة مرة أخرى، غير أنها هذه المرة أصبحت بطلة مسرح نجيب الريحاني الذي قدمها في عشرات المسرحيات الغنائية التي اشتهر بها مسرحه في منتصف القرن العشرين، فقد أثرى الموسيقيون المصريون هذا المسرح بألحان رائعة، ومنهم فنان الشعب سيد درويش وكامل الخلعي وإبراهيم رمزي وداود حسني ومحمد القصبجي وزكريا أحمد.. وغيرهم.
وقدمت بديعة مع الريحاني عدة أعمال فنية ناجحة منها: "الشاطر حسن، الليالي الملاح، أيام العز، مجلس الأنس، ريا وسكينة، والبرنسيسة" وغيرها، وكانت نتيجة هذا التعاون الفني، شراكة إنسانية أيضًا، حيث تزوجت من نجيب الريحاني، وعاشا معًا أسعد أيامهما الفنية والإنسانية، غير أن السعادة لم تدم، وتم الطلاق في فبراير/شباط 1925.
وبعد الطلاق عرض عليها أحد الأصدقاء فكرة العمل بمفردها بعيدًا عن المشاركة في المسرحيات والأوبريتات الغنائية، فاقتنعت بالفكرة واستأجرت صالة في عماد الدين، وبدأت في تكوين فرقتها الغنائية الراقصة التي ولدت عملاقة، فقد ضمت إليها أشهر مطربي ذلك الزمن، مثل فاطمة سري التي لحن لها "صفر علي" أغنية "رنة خلخالي يا أمه"، كما انضمت إلى الفرقة الفنانة الناشئة في ذلك الوقت "نجاة علي" واشتهرت بطقطوقتها "سر السعادة في شفتيك"، وأيضًا انضم إلى الفرقة الشيخ سيد الصفتي، الذي كان يجيد غناء الأدوار التي صاغها الرواد عبده الحامولي ومحمد عثمان وإبراهيم القباني.. وغيرهم .
ومن أهم الفنانات اللاتي نجحت بديعة في ضمهن لفرقتها الوليدة مطربة القطرين "فتحية أحمد" التي كانت المنافسة الأولى لأم كلثوم عند ظهورهما معاً، ومن لبنان جاءت بالراقصة الشهيرة حينئذ في بلدها ببا عز الدين وشقيقتها شوشو عز الدين، كما جاءت بالمطربة ماري جبران التي كانت تجيد الموشحات والأدوار المصرية.
كوبري بديعة!
وغطت شهرة صالة بديعة على كل الصالات الأخرى في ذلك الوقت، ونجحت في جذب العديد من المطربين والمطربات والراقصات إلى صالتها، فتركت تحية كاريوكا صالة سعاد محاسن من أجل بديعة، وفريد الأطرش وأسمهان تركا ماري منصور من أجلها، وهجرت زينات صدقي صالات الإسكندرية كراقصة، وانضمت لبديعة قبل أن تعتزل الرقص وتصبح من نجمات الكوميديا، وتزاحم في الصالة عدد من المطربين الذين أصبح لهم باع طويل في عالم الفن مثل إبراهيم حمودة الذي كان مطرب الفرقة الأول، ثم جاء بعده محمد فوزي والملحن محمود الشريف الذي كان يغني ويلحن ، وتولى قيادة الفرقة الموسيقية واحد من ألمع الملحنين وعازفي القانون في ذلك الوقت وهو أحمد شريف ومعه زوجته سيدة حسن مطربة الأفراح، كما قدمت بديعة المطرب الناشئ أحمد عبد القادر الذي اشتهرت له أغنيته"وحوي يا وحوي" ، وقدمت أساطين فن المنولوج الفكاهي، وكان أشهرهم سيد سليمان وموسى حلمي، والدويتو الفكاهي، "حسين ونعمات المليجي" وإسماعيل ياسين وثريا حلمي وشقيقتها المطربة ليلى حلمي، وكان الملحن الأول للفرقة الفنان عزت الجاهلي، وكان والده الممثل عبد العزيز الجاهلي يمثل بعض المسرحيات وفيها تعرف إلى بديعة.
واستطاعت أن تشيد صالة فنية حديثة على أحدث طراز في ذلك الوقت في "ميدان الأوبرا" على بعد خطوات من دار الأوبرا الملكية التي بناها الخديوي إسماعيل. وقامت بعمل أول مسرح دائري ليرى كل المشاهدين ما يجري على المسرح وهم جالسون في أي مكان بالصالة، وفي الصيف كانت تنتقل بنشاطها إلى كازينو بديعة- مكان شيراتون القاهرة الحالي - حتى أصبح هذا المكان يشتهر باسمها، وكان العامة يسمون الكوبري الذي يوصل إليها، "كوبري بديعة" وأطلق عليه فيما بعد "كوبري الجلاء".
ورغم ظهور السينما منذ عشرينيات القرن الماضي، وتقديم الأفلام الناطقة منذ عام 1927 فإن السينما لم تستهوها، وإن كانت قدمت أدوارًا قليلة في السينما مع بنت بلدها ماري كويني، أهمها فيلم "أم السعد" الذي أخرجه أحمد جلال، كما قامت ببطولة فيلم "ملكة المسارح" من إخراج الإيطالي أريو خولبي وبطولة مختار عثمان، وبشارة واكيم، لكن الفيلم فشل فشلًا ذريعًا فابتعدت عن السينما، ثم قامت بتمثيل عدة أفلام تسجيلية دعائية لشركات "بنك مصر"، خاصة شركة "غزل المحلة"، حيث قدمت في فيلم "المحلة" دور فلاحة تتعارك مع زميلتها التي تقوم بتمزيق جلبابها، ثم تقوم فلاحة أخرى بإهدائها جلبابًا من صنع "المحلة" فتغني وترقص مع المجموعة "جلابيتي حلوة محلاوي"، حيث كان الاقتصادي الكبير طلعت باشا حرب يبذل كل جهده من أجل تمصير الصناعة المصرية ويقوم بالدعاية لكل شركاته وبكل الوسائل، حتى نجح في إقامة صروح صناعية ضخمة.
وكان عام 1949 هو عام الأحزان لبديعة، حيث شهد رحيل زوجها السابق وحبيبها الفنان نجيب الريحاني، وفي العام نفسه طالبتها مصلحة الضرائب بمبالغ مالية كبيرة ، غير أن بديعة رفضت أن تدفع ورتبت عملية للهروب بأموالها من مصر، وبالفعل استطاعت عن طريق أصدقائها أن تهرب إلى لبنان بعد أن باعت مسرحها إلى تلميذتها ببا عز الدين.
وفي بيروت اشترت بديعة مزرعة في منطقة "شتورة" وشيدت بها مزرعة دواجن وابتعدت عن الفن تمامًا، كما أقامت مطعمًا لتناول المأكولات اللبنانية، مع تقديم بعض الفقرات الغنائية والراقصة، غير أنها لم تعد تشارك بالغناء أو الرقص، وظلت تباشر أعمالها حتى رحلت في 23 يوليو/تموز 1976 عن عمر يناهز 84 عامًا.
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.