ظلت زينات تغني في محلات لبنان وتجوب شرقها وغربها شمالها وجنوبها وتصادف النجاح وتنحت في الصخر لتصنع اسمها، حتي حدثت الواقعة التي اجبرتها علي اعتزال الغناء وللأبد. ذات ليلة دعيت المطربة الشهيرة فتحية احمد للغناء في نفس المحل الذي تغني فيه زينات، كانت فتحية تجلس في الكواليس حينما صعدت زينات صدقي لتؤدي نمرتها أو فقرتها المعتادة، التي تؤديها كل ليلة، وكان الملحن الذي يعمل معها في فرقتها قد أعد لها هدية، وهي بعض الألحان التي جعلها تحفظها عن ظهر قلب وكانت هذه الألحان أحدث ما ظهر للنور في مصر، ولكن الحظ العاثر أنها لم تكن تدري أن صاحبة تلك الأغنيات تجلس في الكواليس انتظاراً لتقديم فقرتها التي تضم نفس هذه الأغنيات. مقلب غنت زينات الأغنية الأولي، فابتسمت السيدة المطربة فتحية احمد اعتقاداً منها بأن المطربة الناشئة زينات صدقي تحييها بغناء أغنية لها. ثم انطلقت زينات تغني الأغنية الثانية والتي هي أيضاً من ممتلكات فتحية أحمد الفنية فبدت علامات الغضب ترتسم علي وجهها، ولكن زينات لم تنتبه لأنها لم تكن تراها ولا تعرف أنها مالكة هذه الأغاني فاستمرت لتقدم الأغنية الثالثة، ولكن المطربة الكبيرة الشهيرة فتحية احمد لم تنتظر انتهاءها منها بل طارت خلفها لتضربها علقة ساخنة علي هذا الاعتداء علي حقوق الملكية الفنية وسط اندهاش رواد الصالة وضحكاتهم. بديعة كان حظ زينات في مكان آخر فبعد قرارها بمغادرة لبنان بعد تلك الواقعة تذكرت شخصية فنية تعرفت عليها في لبنان، وهي الراقصة الشهيرة بديعة مصابني، التي طلبت منها العودة إلي مصر للعمل في الكازينو الذي تملكه وتديره وترقص فيه ويرتاده مشاهير المجتمع والفن. كورس وفي القاهرة، وفي كازينو بديعة، طلبت بديعة مصابني من زينات صدقي العمل ضمن «الكورس» لتغني وراء المطربين في حين يقول بعض المؤرخين إنها اختارتها للعمل كراقصة في فرقتها. ولكن في كل الحالات شعرت زينات بأنها تلعب في غير ملعبها، ولم تتردد في أن تقول ذلك لبديعة مصابني، فعرضت عليها الأخيرة العمل في مسرح نجيب الريحاني الذي بدأت فيه ك «كومبارس». الصدفة ولأن الموهبة لا تموت، لعبت الصدفة دورها لتكشف عن موهبة زينات صدقي، عندما تركت الممثلة عزيزة زكي وهي ممثلة كوميدية لم تشتهر، فرقة الريحاني فجأة دون مقدمات ودون أن تعطي انذارا مسبقا لصاحب الفرقة ومديرها وبطلها نجيب الريحاني، فرأي الريحاني أن يسند دورها إلي زينات صدقي، التي قدمت الدور علي أفضل ما يكون، فالتفت إلي موهبتها كل من بديع خيري ونجيب الريحاني ووجدوا فيها ضالتهم في أداء أدوار العانس والفتاة سليطة اللسان. الملك فاروق وفي ذات ليلة عرض مسرحي أخبرها الريحاني بأن الملك فاروق ملك مصر وقتها سيكون من بين حضور الرواية فارتجفت ونسيت كل الكلام الذي تنطق به في الرواية، فما كان من الريحاني إلا أن لطمها علي وجهها لطمة قوية وهو يذكرها بدورها قائلا إن عليها عدم النظر إلي الحضور مهما كانت مراكزهم، وبالفعل استعادت زينات ثقتها بنفسها وأدت دورها علي أكمل وجه. سينما زينات صدقي وفي السينما بدأت زينات صدقي عملها بأدوار صغيرة للغاية مثل دورها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب والمخرج محمد كريم، ولكنها نجحت في اقتحام عالم السينما الذي كانت قد بدأت مشوارها معه من خلال فيلم مجهول اسمه «الاتهام» عام 1934 ثم فيلم »بسلامته عاوز يتجوز» عام 1936. تليفزيون إضافة إلي رصيدها المسرحي، كان لها نصيب من العمل في التليفزيون بعد إنشائه حيث شاركت في أول مسلسل للتليفزيون بعنوان «عادات وتقاليد». وكانت زينات صدقي عاشقة لعملها وللفن بصفة خاصة حتي أنه يوم وفاة والدتها التي كانت تلازمها كظلها، أبت أن تمتنع عن الذهاب إلي المسرح، قائلة وما ذنب زملائي الذين سيخصم من راتبهم ليلة عرض، بل ما ذنب الجمهور الذي تكبد المشقة لرؤية العرض، هل يعود دون أن يشاهدنا؟ ولكنها ما أن دخلت غرفتها في المسرح حتي أغلقت الباب خلفها وراحت تبكي بشدة، ثم ترتدي قناع الفنان عندما تفتح الستار، ومع اسدال الستار في نهاية العرض أخذها زميلها الفنان الكوميدي إسماعيل ياسين وفتح الستار من جديد ليقول للجمهور ما فعلته، وما تحملته زينات صدقي في هذه الليلة من أجل إسعادهم، فظل الجمهور يصفق لها واقفاً مدة لا تقل عن الربع ساعة. بدون عمل وبعد أن أغلقت فرقة إسماعيل ياسين التي كانت زينات تكن له كل الود والاحترام، بقيت في منزلها لمدة 16عاماً دون عمل وعانت ما عانت من ضيق ذات اليد. وأصيبت زينات بهبوط في القلب ومياه في الرئة حتي ساءت حالتها الصحية وكانت تتجرع الألم ولكنها ترفض مجرد الاستعانة بصديق. شائعة وأشد ما يزعج عائلتها هو الشائعة التي انطلقت بأن زينات صدقي يهودية الأصل، ولكن اسمها شاهد علي أصلها، وحبها لوطنها وعروبتها لم يكن خافياً علي أحد. الرحيل ورحلت زينات صدقي في يوم 2 مارس من عام 1978، ليسدل الستار عن حياة واحدة من أروع رائدات الكوميديا في السينما المصرية، ولكن تظل أعمالها حية لا تموت.