تحاول الكاتبة والباحثة مني أبو النصر إضافة مفاهيم جديدة حول الزهور داخل قاموس متخصص في الورود من خلال كتابها "الحالة السردية للوردة المسحورة". ترصد الزهور التي ظهرت في الأعمال الإبداعية والسينمائية، وتحليلها. اقرأ أيضًا| مكتبة 6 أكتوبر العامة تحتفل باليوم العالمي للشطرنج وتطلق صالوناً ثقافياً عن حضارات الشرق يعد الكتاب، تاريخ قصصي حول الزهور، يطرح تساؤلات عديدة : هل الزهرة من أصل انسان؛ حين ابتكرت إفروديت الزهرة من جسد الانسان أو هل الزهرة مرايا الانسان، كيف يبحث الانسان عن زهرته كأنها توأمه أو هل الزهرة جزء من الانسان من خلالها يبث منها رسائله المشفرة. كيف كانت رحلتك أثناء كتابة هذا الكتاب؟ امتدت رحلتي في كتابة هذا الكتاب على مدار نحو أربع سنوات، وهو زمن طويل نسبياً، ربما لأنني في بدايته لم أكن أعي تماماً أنني أضع لبنة أولى لمشروع كتاب. لكن مع مرور الوقت، ومع كل اكتشاف جديد للورود المختبئة بين ثنايا الأعمال الفنية، بدأت أشعر بمتعة خاصة تتجدد في كل محطة؛ ما بين دهشة، وإيمان مُتزايد بأن ثمة حكاية طويلة تستحق أن تُروى هنا . -كيف جاءت فكرة الكتاب؟ تطوّرت فكرة هذا الكتاب بطريقة تراكمية، دون تخطيط مُسبق. لم أكن أعي في البداية أنني أقترب من مشروع كتابي الأول، لكن شيئًا فشيئًا بدأت ثيمة الوردة تتشكّل أمامي كمحفز بصري وفكري يدفعني للتأمل. بدأت ملاحظتي لها في السينما كموتيفة بصرية لافتة، ومنها انطلقت إلى الأدب ثم إلى بقية الفنون، حتى تحوّل هذا التأمل التدريجي إلى مشروع بحثي منظّم. يمكنني القول إن الوردة نفسها هي من قادتني في هذه الرحلة، نحو مشاهدات وقراءات واكتشافات جديدة وواسعة. - ما هي العوائق التي واجهتها أثناء الكتابة؟ كان أكثر ما يشغلني أثناء كتابة هذا الكتاب هو كيفية بناءه الأسلوبي، خصوصًا بعد تراكم المشاهدات والقراءات بشكل كثيف. أصبح الهاجس الأساسي: كيف أقدّم وجهة نظري دون أن يغرق النص في الطابع البحثي الجاف، وفي الوقت نفسه دون أن يقتصر على الانطباعات السريعة والخفيفة. كنت أبحث عن صيغة تجعل القارئ شريكًا حقيقيًا في الأفكار والأسئلة التي تطرحها الورود، وأن أخلق من خلالها سياقًا فكريًا تنعكس فيه تمثيلات الإنسان من خلال هذه الورود. ولهذا، حرصت أن تكون فصول الكتاب بمثابة محاولات لاستكشاف هذه التمثيلات بأسلوب جذاب وسلس. -هل كتاب "الحالة السردية الوردة المسحورة" محاولة لإضافة مفاهيم داخل قاموس الزهور؟ ربما كان هذا المشروع أقرب إلى محاولة تقديم قراءات ثقافية معمّقة حول الورود، ومع تراكم هذه القراءات وتجاورها، بدأت تتولد دلالات ومعانٍ متعددة، لم أكن أبحث في الرمزية النمطية المعتادة التي تعزل الوردة في بُعدها الرومانسي، بل حاولت أن أستكشف المعنى الغائب أو غير المتوقع. كيف تم توظيف الوردة فنيًا في سياقات نفسية، عاطفية، وجودية، بل وأحيانًا كابوسية، وكيف تحوّلت في بعض الأعمال إلى رمز كبير للمقاومة. كانت الرحلة بالنسبة لي تتعلق بتفكيك هذا الرمز وإعادة النظر في حضوره عبر مختلف الفنون. -كتبت أن افروديت -إحدي الشخصيات الاغريقية- حولت أجساد البشر إلي زهور، فكيف يصبح الإنسان وردة؟ الأسطورة الإغريقية حضرت بقوة في هذا الكتاب، بما تحمله من طاقة تخييلية باذخة، تجعلها مصدر إلهام لا ينضب. وقد استوقفني على نحو خاص ما رُوي عن ارتباط الورود بإلهة الجمال أفروديت، التي تحوّلت في بعض السرديات إلى قوة قادرة على تحويل أجساد البشر إلى زهور. هذا التصوّر الساحر وجد أصداءه في الفنون لاحقًا، حيث تكررت فكرة تحوّل الإنسان إلى وردة، أو أنسنة الورود، في سياقات فنية وفانتازية، كأنها محاولة لفهم الذات من خارج قوالبها المعتادة، أو للهروب من التأويلات المباشرة التي يفرضها الواقع. فالفن هنا لا يكتفي بمحاكاة الإنسان، بل يعيد تخيّله من خلال رموز أكثر شاعرية، كما فعل الكاتب والمخرج الأمريكي تشارلي كوفمان في فيلم Adaptation، حين قدّم تقاطعات ذكية بين الإنسان والوردة، في مقاربة متمردة وجريئة على كلا الرمزين. - تحدثت عن النساء حين تصبح أسمائهم علي اسم الزهور أن حياتهم نسبة حياة الزهرة، فمتي تصبح المرأة كزهرة؟ كنت أحاول في الكتاب أن أستكشف كيف يوظف العمل الفني أسماء الزهور كمدخل دلالي أوسع، خصوصًا حين تحمل النساء في هذه الأعمال أسماء مستوحاة من معجم الزهور. رأيت أن هذا الاستخدام يشبه لعبة ضمنية في الكتابة، تُحمّل الشخصية شيئًا من مصير الزهرة نفسها، ومن هنا، تصبح المرأة زهرة عندما يُحمّل اسمها ومصيرها معًا بدلالات رمزية وفنية، تتجاوز الاسم إلى تمثيل لحياة كاملة. - حين حكيت عن الوردة في فيلم الجميلة والوحش، كتبت " الوردة الحمراء فيصير تلاشيها التدريجي موازيا لموت أمل الوحش في العثور علي الحب، استعادة نفسه من جديد"، تذكرت رواية "صورة دوريان جراي" لأوسكار وايد، فكيف تري هذا الارتباط؟ سؤالك لفت انتباهي لهذا التقاطع العميق بين رمزية الوردة في "الجميلة والوحش" و"صورة دوريان جراي"، كلاهما يطرح تأملات حول الجمال الظاهري باعتباره نعمة ولعنة في آنٍ واحد، وكيف يمكن أن يتحول إلى عبء ثقيل على صاحبه. دوريان، المفتون بصورته، يشبه الوحش الذي كانت مهووسًا بوسامته وسلطته، لينتهي به الأمر إلى لعنة حولته إلى كائن مشوه لا يُرى فيه سوى القبح، وربما يمكن أن نجده أيضًا في مرآة "نرسيس" المفتون بجماله فيكون أيضاً سببًا في لعنته، وهي من الحكايات التي توقف عندها الكتاب بشكل أكثر استفاضة. - تكلمت عن الورود في روايات جابريل جارثيا ماركيز، فكيف رأيت الزهور في عالم ماركيز؟ كان ماركيز متعلقًا بالورود في حياته اليومية، يحرص على وجود ورود صفراء في مزهرية مكتبه، ويشعر بالانزعاج إن خلت منها، وكان لحضور تلك الورود في أعماله وهجاً لافتاً في واقعيته السحرية، توقفتُ في الكتاب عند تمثلاتها تحديدًا في "مائة عام من العزلة"، حيث وردت ضمن مشهد جنائزي بالغ الرقة، وفي "الحب في زمن الكوليرا" كانت الوردة معادلاً للحب المستحيل، وشيئا من الحنين، والنقص، والجمال. - تحدثت عن الزهرة في قصة "زعبلاوي" لنجيب محفوظ، فهل كان نجيب محفوظ مهتما في إظهار الورود كموتيفة في رواياته؟ توقفتُ في الكتاب عند أكثر من مرة استخدم فيه نجيب محفوظ الزهور كموتيفة، وتظل قصة زعبلاوي واحدة من أبرع وأعمق ما كُتب في تاريخ القصة القصيرة، وفتح "عقد الياسمين" الذي ظهر في تلك القصة أمامي أفقًا من التأويلات الروحية والرمزية، كأن الياسمين هنا يحمل أثرًا من حضور الغائب، والبحث عن المعنى. - الورود التي ظهرت في السينما، فهل كانت تعبر عن الحب والجريمة؟ فعلا ظهرت الورود في كثير من ساحات الجريمة في السينما، أحياناً كإنذار أو كدليل أو لغز كما في سينما ألفريد هيتشكوك، أحياناً أخرى كمادة للقتل كما في استخلاص السموم، أو تدريب على القتل كما في فيلم "العطر" المأخوذ عن رواية باتريك زوسكند، تلك الاستخدامات كانت ملهمة بشكل كبيرتنتقل الوردة من كونها رمزًا متوقّعًا للجمال إلى عنصر غير متوقّع يهدد الحياة، في مساحة فنية مشحونة بالإثارة والتوتر، تكشف عن الوجه المظلم للجمال حين يخرج عن طبيعته ويُوظّف في سياقات قاتمة ومقلقة.