لا يمكن أن تغادرك بسهولة الحالة الوجدانية والفكرية التى يثيرها كتاب «الحالة السردية للوردة المسحورة»، فهو بمثابة تجل لجمال الوردة فى الفنون والآداب، تخلق الكاتبة الصحفية منى أبو النصر فى كتابها الصادر حديثًا عن دار الشروق رؤية بالغة الحساسية والتدفق لتأثير الوردة، وكيفية استنطاق الفنانين والأدباء لأسرارها ورمزيتها فى أعمالهم، من خلال معرفة واسعة وبحث متأن وإطلاع يشمل مجالات مختلفة، وكما تشير فى كتابها المرجعى «يسعى الكتاب لطرح رؤية تستند إلى أكثر من 100 عمل فنى، ما بين الأدب، والسينما، والميثولوجيا، والنقد، والقصيدة، والأغنية، والسير الذاتية، والباليه، والمسرح، فى محاولة لخلق سياق جديد يقدم الورود كأنساق سردية، تتقاطع فيها الأنواع الأدبية، والرؤى الفلسفية والوجودية، والحيل الدرامية، والمشهدية الحياتية والخرافية، واللغة السحرية».. فنحن أمام كتاب يدمج بين الكتابة السردية ذات النفس التحليلى وكذلك الإبداعى، فالرؤية التى تلتمس المقاربات والدمج بين الفنون المختلفة تنزع فى كتابتها إلى الحس القصصى، أو الشعرى أحيانًا، فيما يقترب فى لغته ومزاجه من عالم الورود وشاعريتها، وسحرها، ولعل حضور الحس النقدى ينبع فى الأساس من مقاربة المؤلفة لكتابات د. شاكر عبد الحميد التى تتكرر على مدى فصول الكتاب التى تبلغ أربعة عشر فصلاً، ففى فصل «وردة الفصول الأربعة عشر» تنطلق من معنى أثاره الناقد الكبير، وهو أن الزهور مبدأ أنثوى، ثم نجدها تعرج فى فصل آخر لمفهوم الجمال والفن من خلال الوردة، ثم تتابع الفصول بعناوين كاشفة عن منهجها، فمن الأساطير الإغريقية، وقاموس الزهور «الفيكتورى»، إلى عباد الشمس فى لوحات فان جوخ، واستخدام الورود في مشاهد سينمائية من السينما العالمية والعربية، إلى قصائد «درويش» و»قاسم حداد» ومسرحيات «شكسبير» و» أليس فى بلاد العجائب» و»الأمير الصغير»، فى تحليل يتنقل ببساطة بين العوالم والفنون متتبعًا أثر الوردة.. وكنموذج لمنهج المؤلفة فى فصولها، فقد أثارت فكرة فلسفية فى عنوان أحد الفصول «الوردة كفعل شرير» حيث انطلقت من سؤال الأمير الصغير عن فائدة أشواك الورد، وإجابة صديقه الكبير بأنها مجرد فعل شرير، إلى موت «ريلكه» من تأثير جرحه بأشواك الزهور، ومن قصة «العندليب والوردة » ل «أوسكار وايلد» توضح كيف مات العندليب بشوك الأزهار الحمراء، ثم تشير إلى موت «سقراط» بسم وردة الشوكران، لذلك سميت بزهرة الفيلسوف، لتربط ذلك باستخدام «شكسبير» سموم زهيرات نبتة «الهيبونا» سلاحا مميتا لهاملت، حيث طعن بسيف مغموس بسمومها، وانطلقت إلى «زهرة قاتل الذئب» التى استخدمت فى الأساطير وارتبطت بالمستذئبين، وظهرت فى «هارى بوتر»، وفى رواية «قتلة زهرة القمر» لديفيد جران نجد مشهد قتل الزهور العنكبوتية للزهور الصغيرة فى مشهد يعادل استعمار الرجل الأبيض للقارة الجديدة، وقضاءهم على السكان الأصليين، وقد تحول إلى فيلم سينمائى من إخراج «مارتن سكورسيزى» وبطلة «ليوناردو ديكابريو» «وروبرت دينيرو»، وفى «مسلسل نساء صغيرات» كانت أزهار «الأوركيد» الزرقاء تظهر بجوار القتيل كأنها تمثل القاتل، ما يوازى ما أثارته «رواية العطر»، وعلاقة البطل «جرينوى» بالأزهار، الذى ظل أسير امتلاك عطر الصبية التى وصفها بالزهرة، ثم تتابع عدة أفلام منها فيلم «قوة الكلب» وكيف أدت وردة ورقية صنعها صبى رقيق إلى تحوله إلى قاتل.. إننا أمام نصوص نقدية توازى جمال الورود على مر فصول تحمل الكثير من «طزاجة» الفكر وسلاسة السرد.