كشف ملابسات واقعة اعتداء أحد الأشخاص على طالبة وإصابتها بالقاهرة    الأوقاف: خطبة العيد لا تتعدى 10 دقائق وتوجيه بالتخفيف على المصلين    جيش الاحتلال: اعتراض هدف جوي مشبوه كان في طريقه للأراضي الإسرائيلية شرقا    أسامة رسلان بقناة الناس: عرفة يوم المباهاة الإلهية والمناجاة العلية    «الزراعة»: متبقيات المبيدات يستقبل ويصدر 1500 عينة منتجات غذائية اليوم    بعثة المجموعة الإنمائية «SADC» تطلع على التجربة المصرية في التعليم الرقمي    «من كل فجٍّ عميق».. السعودية تكشف عدد الحجاج هذا العام    85 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بمراكز الشباب والأندية ب كفر الشيخ    إيرادات فيلم اللعب مع العيال في 3 أيام عرض    تحذير مهم من «الإفتاء» بشأن تلويث البدن والثياب والممتلكات بدماء الأضاحي    مصدر ليلا كورة: سيراميكا كليوباترا يقترب من تجديد عقد محمد إبراهيم    بشرى سارة لجماهير الزمالك قبل مباراة القمة أمام الأهلي في الدوري (خاص)    البحيرة: اتخاذ كل إجراءات الحفاظ على سلامة المواطنين في عيد الأضحى    ما أسباب تثبيت الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة؟.. خبير اقتصادي يجيب    موعد صلاة العيد 2024 في الأردن.. اعرف الأماكن    أسقف جنوب سيناء ووفد كتدرائية السمائيين يهنئون المحافظ بعيد الأضحى    الهلال الأحمر الفلسطيني: الاستهدافات الإسرائيلية للمنشآت والمرافق تستهدف إبادة مقومات الحياة في غزة    جيش الاحتلال يؤكد مقتل 8 من ضباطه وجنوده في المعارك بجنوب قطاع غزة    عودة البريق لألبومات الصيف بموسم غنائى ساخن    مساجد الإسكندرية انتهت استعداداتها لاداء صلاة عيد الأضحى    لكل مشتاق لزيارة بيت الله الحرام.. شاهد| دعاء مؤثر لأزهري من جبل عرفات    د. أيمن أبو عمر: يوم عرفة فرصة للطاعة والتوبة    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    بعد تريند «تتحبي».. تامر حسين يكشف تفاصيل تعاونه مع عمرو دياب للأغنية 69    محمد رمضان يشوق محبيه بطرح «مفيش كده» خلال ساعات | صور    حزب المؤتمر يهنئ الرئيس السيسى والشعب المصرى بعيد الأضحى    قبل احتفالات عيد الأضحى.. احذر من عقوبات التنمر والتحرش والتعدي على الغير    عيد ميلاد صلاح.. عودة أوروبية وحلم إفريقي في عامه الجديد    هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل؟.. الإفتاء تُجيب    «الغذاء والدواء السعودية»: شرب الماء بانتظام وحمل المظلة يقي الحاج الإجهاد الحراري    إحالة مديري وحدتي الرعاية الأساسية بالميدان والريسة ب العريش للتحقيق بسبب الغياب    لا تتناول الفتة والرقاق معًا في أول يوم العيد.. ماذا يحدث للجسم؟    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحذر الحجاج من الوقوف في منطقة تقع على حدود جبل عرفات في السعودية ويشير إلى أنها "يفسد الحج".    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    ميسي يتصدر قائمة الأرجنتين النهائية لبطولة كوبا أمريكا 2024    عروض الأضحى 2024.. «يوم عاصم جدا» يعود من جديد على مسرح السلام    وفاة حاج عراقي علي جبل عرفات بأزمة قلبية    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الترجمة التخصصية باللغة اليابانية بآداب القاهرة    أخبار الأهلي : هل فشلت صفقة تعاقد الأهلي مع زين الدين بلعيد؟ ..كواليس جديدة تعرف عليها    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    بقرار من المحافظ.. دخول ذوي الهمم شواطئ الإسكندرية بالمجان خلال العيد (صور)    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    بقايا الجيل الذهبي تدافع عن هيبة تشيلي في كوبا أمريكا    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة المياه تدخل موسوعة "جينيس" بأربعة أرقام قياسية (فيديو)    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" هنا الوردة" لأمجد ناصر.. رواية الإرباك النقدي
نشر في صوت البلد يوم 15 - 01 - 2018

يربك أمجد ناصر تلقينا للرواية العربية في «هنا الوردة» الصادرة عن دار الآداب، ليس فقط من حيث طبيعة اللغة الروائية وشاعريتها، بل حتى في طرائق بناء المحكي في هذا العمل، الذي أتخيل كم سيكون صعبا بالنسبة إلى الناقد العربي الذي تعود نمطا معينا من الحكي.
إن الرواية تعمل على نسج خيوط رفيعة في منطقة الاحتمال بين ما هو شعري وما هو سردي إلى درجة أن الشعر يصبح ملازما للجملة الروائية، وراصدا عميقا لنفسيات يونس الخطاط، الشخصية التي تعود لتظهر من جديد بعدما أربكتنا في الرواية الأولى «حيث لا تسقط الأمطار»، وما صاحبها من تشكيل لمتخيل الخط، وهوسه بالانفصام التاريخي لهذه الشخصية. هل هذه العودة مرتبطة برؤية عميقة في النفس البشرية من حيث طرحها لمفهوم الإنسان بمعناه الفلسفي؟ أم أن طبيعة السرد الروائي الذي يقترحه أمجد ناصر في تجربته الروائية يفجر الحدود بين ما هو شعري وما هو سردي، لصالح رواية يمكن أن نطلق عليها رواية النثر الحر، الذي يتطلب جهدا نقديا كبيرا من أجل تفكيك بنياته، لاسيما أن الكاتب خبير بهذه الحدود التي سبق أن جربها في دواوينه الشعرية؟ هذه الشاعرية تستقر في السرد المتواصل عبر تقريب الأحداث من القارئ، إلى درجة تصير أكثر حداثة من حيث اختراق الشعر لبؤرة السرد.
التخييل
إن التنويه الذي يصدر به الروائي روايته يفتح المتخيل على تمثيلاته المتعددة، خصوصا أن الإشارة تبعد أحداثها من الواقعي في أي بلد كان. كما لو أن الكاتب يصر على اعتماد التخييل بوصفه شكلا من أشكال كتابة هذا المحو، الذي يتهدد المجتمعات العربية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية، في ظل تحكم المؤسسات، ما يدفع إلى طبيعة التسميات التي تتنوع بتنوع البيئات المصاحبة لها. قد نفهم في السياق ذاته، أن المتخيل الذي يعمل على بناء تصوراته في هذا العمل الروائي لا يرتبط بالحكاية، بقدر ما يرتبط بطبيعة التأويلات التي يمكن أن تكون مفتاحا لهذه القراءة. ومن ثمة نجد أنفسنا وجها لوجه مع عنوان الرواية بعده كعتبة أساس، وخصوصا أنه مستوحى من عبارة لماركس «هنا الوردة فلنرقص هنا». هل هي وردة الثورة التي ذبل معها الإنسان العربي، وتحول بموجب رقصها إلى شظايا في جغرافيات المكان؟ أم هي الوردة التي تم قطفها من حديقة الإنسان العربي، وحول عطرها إلى سم قاتل لوأد الإنسان بكل أشكال الهيمنة؟ لهذا فالرقص الملازم لهذه الوردة هو حكي لتاريخها المنسي في زجاجات هذا الزمن الذي يحرم الرقص؟ إنه تعبير عن زمن ولى، ودعوة للتمسك باللحظة الحاضرة بما تختزنه من مفاجآت. هل هي وردة تموز؟ أم وردة تقول الممكن الذي يمكن استشراف مظاهره من خلال عودة شخصية يونس الخطاط مجددا إلى فضاء الرواية، بوصفه نقطة انطلاق تتمحور حولها الأحداث، عبر متخيل يجعل من العجائبي أداة لبلورة رمزية دالة على واقع غريب، سواء من ناحية مغامرات يونس الخطاط وعلاقاته بالشخصيات التي تتناوب معه حول الأفعال، وتخضع بموجب السرد إلى ردود قوية تجعل القارئ يشعر بقشعريرة جراء قوة الوصف الذي تتخلله شاعرية كاشفة لهذا الداخل الملتبس بالخيانات التي تعرض لها التنظيم السري، وما رافقه من تدمير وهتك لكل الشعارات التي كان يتم رفعها، عبر استراتيجيات سردية محكمة تسهم في معقولية السرد التي ينهجها أمجد ناصر، ليصبح معها يونس الخطاط فارسا حالما بزمن لم تعد فيه الفروسية تعطي للإنسان العربي وضعا اعتباريا معينا. إنها إدانة كاشفة للزائف الذي تم تغليفه في جسدية المناضل الثوري الذي استكان إلى عزلته بعد موجات النفي والاغتيالات والقتل الرمزي.
يحاول الكاتب أن تكون الشخصية نقطة محورية من خلالها تتوزع الرواية لترتبط ببعضها بعضا عبر هذا الخيط الذي يبدأ منذ بدايتها وحتى نهايتها تاركًا الفضاء الدلالي مساحة تتسع للأحداث المتشعبة والمتعاقبة زمنيا.
أسباب ومسببات
تجدر الإشارة إلى زوايا الرواية التي تتضمن ملامح لماضٍ اتخذ له مكانة مهمة في الذاكرة التي تعيد إلى الشخصية التمسك بهدفها وتوجهها نحو قرارات معينة، فيأخذنا الكاتب إلى عالم أكثر واقعية. ويجعلها تعيش حالات قلق وانتظار وتفكير. ولا ننسى الراوي الذي يتدخل فجأة في الرواية وكأنه يمد خيطًا يساعد القارئ على اكتشاف الأسباب والمسببات، ويعطي الأعذار للشخصية الرئيسة «يونس الخطاط» التي تتصرف بتسرع في معظم الأحيان، هذا الأمر يشكل لدى القارئ رؤية معينة أو توقعات تجعله مشاركًا في السرد وتدخله في العوالم السردية.
يمكننا ربط هذه الرواية على مستوى التجربة ب«دون كيشوت» من حيث التجربة الإنسانية التي تسكن عقلها عمارات من الأحلام وما تلبث أن تعود إلى حقيقتها وتتبدى كأوهام لا وجود لها من الأساس. فتعبر عن فلسفة حياتية لإنساننا المعاصر بوصفه عاجزًا تجاه الأحداث التي يعيشها وسط هذا الدمار الذي يغلفه سطح من الأوهام.
يبقى أن نذكر تميز الكتابة السردية لدى أمجد ناصر بالقدرة على بث العناصر الجمالية، بحيث لا يتوانى الكاتب في ربطها لثقل السياق الاجتماعي الذي يشكل المادة الأساسية للرواية. يعالج الكاتب حالات اجتماعية فرض عليها وضع معين كما يرصد تحولات هذا المجتمع فتمر الرواية بعدة أزمنة تتواكب والأمكنة. ويعود بنا الكاتب بالتاريخ إلى أصل يونس الخطاط ولقبه لينقلنا إلى أماكن تمثل فيها الشخصيات أدوارًا مختلفة بدون أن يخضع المتلقي إلى خواتيم متوقعة. كما تبتعد الرواية عما هو مألوف، فالكلام فيها مستحدث ويتسم بلغته السهلة والواقعية، ونجد فيها تلميحات لشعرية معينة إذ أن الكاتب قد صنع لنفسه عالمًا شعريا لا بد من أن تظهر آثاره في رواياته أيضًا.
يربك أمجد ناصر تلقينا للرواية العربية في «هنا الوردة» الصادرة عن دار الآداب، ليس فقط من حيث طبيعة اللغة الروائية وشاعريتها، بل حتى في طرائق بناء المحكي في هذا العمل، الذي أتخيل كم سيكون صعبا بالنسبة إلى الناقد العربي الذي تعود نمطا معينا من الحكي.
إن الرواية تعمل على نسج خيوط رفيعة في منطقة الاحتمال بين ما هو شعري وما هو سردي إلى درجة أن الشعر يصبح ملازما للجملة الروائية، وراصدا عميقا لنفسيات يونس الخطاط، الشخصية التي تعود لتظهر من جديد بعدما أربكتنا في الرواية الأولى «حيث لا تسقط الأمطار»، وما صاحبها من تشكيل لمتخيل الخط، وهوسه بالانفصام التاريخي لهذه الشخصية. هل هذه العودة مرتبطة برؤية عميقة في النفس البشرية من حيث طرحها لمفهوم الإنسان بمعناه الفلسفي؟ أم أن طبيعة السرد الروائي الذي يقترحه أمجد ناصر في تجربته الروائية يفجر الحدود بين ما هو شعري وما هو سردي، لصالح رواية يمكن أن نطلق عليها رواية النثر الحر، الذي يتطلب جهدا نقديا كبيرا من أجل تفكيك بنياته، لاسيما أن الكاتب خبير بهذه الحدود التي سبق أن جربها في دواوينه الشعرية؟ هذه الشاعرية تستقر في السرد المتواصل عبر تقريب الأحداث من القارئ، إلى درجة تصير أكثر حداثة من حيث اختراق الشعر لبؤرة السرد.
التخييل
إن التنويه الذي يصدر به الروائي روايته يفتح المتخيل على تمثيلاته المتعددة، خصوصا أن الإشارة تبعد أحداثها من الواقعي في أي بلد كان. كما لو أن الكاتب يصر على اعتماد التخييل بوصفه شكلا من أشكال كتابة هذا المحو، الذي يتهدد المجتمعات العربية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية، في ظل تحكم المؤسسات، ما يدفع إلى طبيعة التسميات التي تتنوع بتنوع البيئات المصاحبة لها. قد نفهم في السياق ذاته، أن المتخيل الذي يعمل على بناء تصوراته في هذا العمل الروائي لا يرتبط بالحكاية، بقدر ما يرتبط بطبيعة التأويلات التي يمكن أن تكون مفتاحا لهذه القراءة. ومن ثمة نجد أنفسنا وجها لوجه مع عنوان الرواية بعده كعتبة أساس، وخصوصا أنه مستوحى من عبارة لماركس «هنا الوردة فلنرقص هنا». هل هي وردة الثورة التي ذبل معها الإنسان العربي، وتحول بموجب رقصها إلى شظايا في جغرافيات المكان؟ أم هي الوردة التي تم قطفها من حديقة الإنسان العربي، وحول عطرها إلى سم قاتل لوأد الإنسان بكل أشكال الهيمنة؟ لهذا فالرقص الملازم لهذه الوردة هو حكي لتاريخها المنسي في زجاجات هذا الزمن الذي يحرم الرقص؟ إنه تعبير عن زمن ولى، ودعوة للتمسك باللحظة الحاضرة بما تختزنه من مفاجآت. هل هي وردة تموز؟ أم وردة تقول الممكن الذي يمكن استشراف مظاهره من خلال عودة شخصية يونس الخطاط مجددا إلى فضاء الرواية، بوصفه نقطة انطلاق تتمحور حولها الأحداث، عبر متخيل يجعل من العجائبي أداة لبلورة رمزية دالة على واقع غريب، سواء من ناحية مغامرات يونس الخطاط وعلاقاته بالشخصيات التي تتناوب معه حول الأفعال، وتخضع بموجب السرد إلى ردود قوية تجعل القارئ يشعر بقشعريرة جراء قوة الوصف الذي تتخلله شاعرية كاشفة لهذا الداخل الملتبس بالخيانات التي تعرض لها التنظيم السري، وما رافقه من تدمير وهتك لكل الشعارات التي كان يتم رفعها، عبر استراتيجيات سردية محكمة تسهم في معقولية السرد التي ينهجها أمجد ناصر، ليصبح معها يونس الخطاط فارسا حالما بزمن لم تعد فيه الفروسية تعطي للإنسان العربي وضعا اعتباريا معينا. إنها إدانة كاشفة للزائف الذي تم تغليفه في جسدية المناضل الثوري الذي استكان إلى عزلته بعد موجات النفي والاغتيالات والقتل الرمزي.
يحاول الكاتب أن تكون الشخصية نقطة محورية من خلالها تتوزع الرواية لترتبط ببعضها بعضا عبر هذا الخيط الذي يبدأ منذ بدايتها وحتى نهايتها تاركًا الفضاء الدلالي مساحة تتسع للأحداث المتشعبة والمتعاقبة زمنيا.
أسباب ومسببات
تجدر الإشارة إلى زوايا الرواية التي تتضمن ملامح لماضٍ اتخذ له مكانة مهمة في الذاكرة التي تعيد إلى الشخصية التمسك بهدفها وتوجهها نحو قرارات معينة، فيأخذنا الكاتب إلى عالم أكثر واقعية. ويجعلها تعيش حالات قلق وانتظار وتفكير. ولا ننسى الراوي الذي يتدخل فجأة في الرواية وكأنه يمد خيطًا يساعد القارئ على اكتشاف الأسباب والمسببات، ويعطي الأعذار للشخصية الرئيسة «يونس الخطاط» التي تتصرف بتسرع في معظم الأحيان، هذا الأمر يشكل لدى القارئ رؤية معينة أو توقعات تجعله مشاركًا في السرد وتدخله في العوالم السردية.
يمكننا ربط هذه الرواية على مستوى التجربة ب«دون كيشوت» من حيث التجربة الإنسانية التي تسكن عقلها عمارات من الأحلام وما تلبث أن تعود إلى حقيقتها وتتبدى كأوهام لا وجود لها من الأساس. فتعبر عن فلسفة حياتية لإنساننا المعاصر بوصفه عاجزًا تجاه الأحداث التي يعيشها وسط هذا الدمار الذي يغلفه سطح من الأوهام.
يبقى أن نذكر تميز الكتابة السردية لدى أمجد ناصر بالقدرة على بث العناصر الجمالية، بحيث لا يتوانى الكاتب في ربطها لثقل السياق الاجتماعي الذي يشكل المادة الأساسية للرواية. يعالج الكاتب حالات اجتماعية فرض عليها وضع معين كما يرصد تحولات هذا المجتمع فتمر الرواية بعدة أزمنة تتواكب والأمكنة. ويعود بنا الكاتب بالتاريخ إلى أصل يونس الخطاط ولقبه لينقلنا إلى أماكن تمثل فيها الشخصيات أدوارًا مختلفة بدون أن يخضع المتلقي إلى خواتيم متوقعة. كما تبتعد الرواية عما هو مألوف، فالكلام فيها مستحدث ويتسم بلغته السهلة والواقعية، ونجد فيها تلميحات لشعرية معينة إذ أن الكاتب قد صنع لنفسه عالمًا شعريا لا بد من أن تظهر آثاره في رواياته أيضًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.