في ليلة 17 يناير 2022، شهد التاريخ لحظة محورية في الدفاع الصاروخي، حيث أثبت نظام THAAD (الدفاع عن المنطقة عالية الارتفاع الطرفية) فعاليته في أول اعتراض عملياتي له في بيئة قتالية، حيث نجح النظام في اعتراض وتدمير صواريخ باليستية أطلقها الحوثيون استهدفت منشأة نفطية قرب قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات العربية المتحدة، مؤكدًا بذلك قدرته على "ضرب رصاصة برصاصة أخرى" بالاعتماد على الطاقة الحركية فقط. - نظام «ثاد»أو THAAD أولاً نظام THAAD هو اختصار ل«Terminal High Altitude Area Defense» ويعني الدفاع عن المنطقة عالية الارتفاع الطرفية (ثاد)، وهو نظام دفاع صاروخي باليستي متنقل، مصمم لاعتراض وتدمير التهديدات الصاروخية الباليستية قصيرة ومتوسطة ومحدودة المدى (حتى 5000 كيلومتر/3107 أميال) خلال مرحلتها النهائية "الطرفية" من الطيران. يتميز بقدرته على العمل داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض. يحتل THAAD "الطبقة الوسطى" ضمن نظام الدفاع الصاروخي الباليستي الأمريكي الأوسع (BMDS)، ويكمل أنظمة مثل Patriot الأقل ارتفاعًا وAegis Ballistic Missile Defense (BMD) الأعلى ارتفاعًا، بالإضافة إلى نظام Ground-based Midcourse Defense (GMD). هذا التصميم متعدد الطبقات يوفر تكرارًا وفرص اشتباك متعددة، مما يعزز المرونة الشاملة ضد الهجمات المعقدة. ◄ اقرأ أيضًا| الأهم في ترسانتها العسكرية.. 4 أنظمة إسرائيلية دفاعية أمام ضربات إيران - تاريخ من التحديات الأولية إلى النجاح العملياتي بدأ برنامج THAAD في عام 1992، بتعاقد من الجيش الأمريكي مع شركة لوكهيد مارتن. واجهت المرحلة الأولية من الاختبارات (1995-1999) صعوبات كبيرة وفشل خمسة اختبارات اعتراض متتالية بسبب أخطاء برمجية ومشاكل ميكانيكية وغيرها. هذه النكسات أدت إلى تخفيض التمويل. بعد إعادة التصميم والتحسينات، أظهر النظام معدل نجاح أعلى بكثير بين عامي 2006 و2019، حيث نجحت 14 من أصل 18 اختبار اعتراض. تم نشر أول بطارية THAAD عملياتية في عام 2008 في فورت بليس، تكساس. - فلسفة "الضرب للتدمير" وإعادة تعريف الدفاع الصاروخي يعتمد THAAD على تقنية "الضرب للتدمير" (kinetic kill)، حيث تدمر صواريخ الاعتراض التهديدات القادمة بالكامل من خلال الطاقة الحركية الهائلة الناتجة عن اصطدام مباشر عالي السرعة. هذا النهج غير المتفجر له آثار استراتيجية كبيرة، خاصة عند مواجهة تهديدات تحمل أسلحة الدمار الشامل (WMDs)، حيث يهدف إلى التخفيف من آثارها قبل وصولها إلى الأرض، وتقليل الأضرار الجانبية. - جولة داخل نظام THAAD تأتي فعالية نظام THAAD من التكامل المعقد بين مكوناته الأربعة الرئيسية: * صاروخ الاعتراض THAAD: يبلغ طوله 6.17 مترًا (20 قدمًا و3 بوصات) ويزن 900 كيلو جرام (2000 رطل). قادر على الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 2800 متر في الثانية (ماخ 8.2) ويصل مداه العملياتي إلى 150-200 كيلو متر (120-125 ميلاً)، مع سقف طيران يصل إلى 150 كيلو مترًا (93 ميلاً). يستخدم محرك صاروخي يعمل بالوقود الصلب ونظام توجيه متقدم بالأشعة تحت الحمراء. * رادار AN/TPY-2: هو "عيون" نظام THAAD، يوفره ريثيون، وهو أكبر رادار X-band يمكن نقله برًا وجوًا. يمكنه اكتشاف التهديدات الصاروخية على مدى يصل إلى 1000 كيلو متر (600 ميل)، مع تقارير تشير إلى مدى اكتشاف يصل إلى 2300 كيلو متر (1429 ميلاً للإنذار المبكر). يتميز بقدرته على التمييز بين الرأس الحربي الحقيقي والخداع. * وحدة التحكم في الإطلاق والاتصالات (TFCC): تعمل كمركز عصبي للبطارية، وتخطط وتتحكم في جميع الاشتباكات وتضمن تبادل البيانات بسلاسة مع عناصر نظام الدفاع الصاروخي الباليستي الأخرى. * مركبة الإطلاق: مركبة متنقلة للغاية (شاحنة HEMTT-LHS معدلة) مصممة لحمل ثماني حاويات إطلاق صواريخ، مما يتيح النشر وإعادة التموضع السريع. تتكون بطارية THAAD كاملة عادةً من 95 جنديًا و9 مركبات إطلاق (أو 6 في الجيش الأمريكي)، ورادار AN/TPY-2 واحد، ومكون التحكم في الإطلاق والاتصالات، ومعدات دعم خاصة. - حالات الاستخدام والنشر العالمي تتمثل المهمة الأساسية ل THAAD في توفير دفاع سريع الانتشار ضد التهديدات الصاروخية الباليستية. تم نشر النظام استراتيجيًا في مناطق مختلفة حول العالم استجابة لتهديدات الصواريخ الباليستية المتصاعدة: * هاواي (2009): أول نشر لوحدة THAAD. * غوام (2013): نشر مؤقت ثم دائم لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية. * كوريا الجنوبية (2016): نشر مثير للجدل كإجراء دفاعي ضد كوريا الشمالية، واجه معارضة قوية من الصين. * الشرق الأوسط (السعودية، الإمارات، إسرائيل): تم نشره في السعودية (2019) استجابة لهجمات الطائرات بدون طيار، وحقق أول اعتراض عملياتي في القتال بالإمارات (2022)، وتم نشره في إسرائيل (أكتوبر 2023 وأبريل 2024) لتعزيز الدفاعات الجوية بعد الهجمات الإيرانية. * رومانيا: وفر THAAD الحماية لرومانيا أيضًا. ◄ اقرأ أيضًا| «شبح السماء» يغير قواعد اللعبة الجوية| أسرار سلاح أمريكا السري - التكلفة والقيمة المقترحة يمثل نظام THAAD استثمارًا كبيرًا: * تكلفة الصاروخ الواحد: نحو 12.9 مليون دولار. * تكلفة البطارية الكاملة: يمكن أن تتجاوز 1 مليار دولار (بما في ذلك الرادار AN/TPY-2 الذي يقدر بنحو 174 مليون دولار). * تكاليف التشغيل والصيانة: ميزانية برنامج THAAD لعام 2025 تبلغ 91.7 مليون دولار. على الرغم من التكلفة العالية، تبرز قيمته الاستراتيجية في الدفاع عن الأصول الحيوية والقوات والدول الحليفة ضد التهديدات المتطورة. - تحليل مقارن: THAAD في المشهد الدفاعي العالمي THAAD مكون حاسم ضمن استراتيجية دفاع متعددة الطبقات: * مقابل نظام Patriot: Patriot (خاصة PAC-3) يعمل داخل الغلاف الجوي وعلى ارتفاعات منخفضة (مدى 70 كم، ارتفاع 24 كم)، بينما THAAD متخصص للدفاع الصاروخي الباليستي على ارتفاعات ومدى أعلى (مدى 150-200 كم، ارتفاع 150 كم). * مقابل نظام Aegis BMD: Aegis (بحري وبري) يعمل بشكل أساسي في المراحل المتوسطة من طيران الصاروخ الباليستي، بينما يركز THAAD على المرحلة الطرفية. * مقابل S-400 Triumf (روسيا): S-400 هو نظام دفاع جوي بعيد المدى (مدى 400 كم، ارتفاع 30-35 كم) يستخدم رؤوسًا حربية متفجرة، بينما THAAD متخصص في الاعتراضات الحركية عالية الارتفاع للصواريخ الباليستية. * مقابل القبة الحديدية (إسرائيل): القبة الحديدية نظام قصير المدى (مدى 70 كم) مصمم لاعتراض الصواريخ والقذائف وقذائف الهاون والطائرات بدون طيار على ارتفاعات منخفضة، وهو مكمل ل THAAD وليس منافسًا مباشرًا. هذه الأنظمة ليست متنافسة بل هي مكملة، وتخدم أدوارًا متكاملة ضمن بنية دفاعية شاملة متعددة الطبقات. مقارنة بين أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الرئيسية الميزة THAAD (أمريكا) Patriot PAC-3 (أمريكا) Aegis BMD (أمريكا/اليابان) S-400 Triumf (روسيا) Iron Dome (إسرائيل) الدور الأساسي دفاع صاروخي باليستي متوسط الطبقة (صواريخ قصيرة، متوسطة، محدودة متوسطة المدى) في المرحلة النهائية. دفاع جوي وصاروخي منخفض الطبقة (طائرات، صواريخ كروز، صواريخ باليستية). دفاع صاروخي باليستي علوي/متوسط المسار (صواريخ قصيرة، متوسطة، بعيدة المدى، وتتبع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات). نظام صواريخ أرض-جو طويل المدى (طائرات، طائرات بدون طيار، صواريخ كروز، صواريخ باليستية). دفاع جوي قصير المدى متعدد المهام (صواريخ، مدفعية، قذائف هاون، طائرات بدون طيار، صواريخ باليستية قصيرة المدى). مرحلة الاشتباك نهائية (داخل وخارج الغلاف الجوي) نهائية (داخل الغلاف الجوي) متوسط المسار (خارج الغلاف الجوي)، نهائية محدودة جميع المراحل (حسب نوع الصاروخ) نهائية (داخل الغلاف الجوي) نوع المعترض حركي "Hit-to-Kill" PAC-2: تفجير تشظي؛ PAC-3: حركي "Hit-to-Kill" SM-3: حركي "Hit-to-Kill"؛ SM-2/6: تفجير تشظي تفجير تشظي رأس حربي متفجر (TAMIR) أقصى مدى للاعتراض 150-200 كم PAC-3 MSE: 70 كم (باليستية)، 120 كم (كروز) SM-3: مئات إلى آلاف الكيلومترات (منتصف المسار)؛ SM-2/6: 160 كم+ (نهائي) 40N6E: 400 كم 70 كم أقصى ارتفاع للاعتراض 150 كم PAC-3 MSE: 15 كم؛ PAC-2: 24 كم SM-3: خارج الغلاف الجوي (فوق 100 كم) 30-35 كم غير معلن، لكنه قصير المدى الرادار AN/TPY-2 (X-band، كشف حتى 1000 كم، تتبع فرط صوتي) AN/MPQ-53/65 (C/G/H-band، كشف حتى 180 كم، تغطية 120°) SPY-1 (S-band)، SPY-6 (S-band، ل DDGs Flight III) رادار بانورامي 91N6E (L-band، كشف 340-600 كم)؛ رادار متعدد الوظائف 92N6E (X-band، كشف 340 كم) رادار متعدد المهام قابلية التنقل عالية (مركبة على شاحنة، قابلة للنشر السريع) متوسطة (مركبة على مقطورة، متنقلة) عالية (قائمة على البحر، Aegis Ashore قائمة على الأرض) عالية (مركبة على شاحنة، إعادة نشر سريعة) عالية (نسخة I-DOME المتنقلة) مثبت في القتال نعم (الإمارات 2022، إسرائيل 2024-2025) نعم (حرب الخليج، حرب العراق، اليمن، أوكرانيا) نعم (اعتراض قمر صناعي 2008، العديد من اختبارات BMD) نعم (الحرب الأهلية السورية، الحرب الروسية الأوكرانية، فعاليته محل جدل) نعم (إسرائيل منذ 2011) التكلفة التقديرية للبطارية 1 مليار دولار+ غير معلن (تكوينات متعددة) غير معلن (جزء من تكلفة السفينة) 1-1.25 مليار دولار (تصدير)؛ 200 مليون دولار (كتيبة) غير معلن ◄ اقرأ أيضًا| حرب عبر الهاتف.. تطبيق بلجيكي جديد يُحدث ثورة في التكنولوجية العسكرية - القيود والآفاق المستقبلية على الرغم من قدراته المتقدمة، يواجه نظام THAAD بعض القيود: * الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs): THAAD غير مصمم لمواجهة ICBMs. * الأهداف المناورة والخداع: تحديات في اعتراض الصواريخ ذات المسارات غير المنتظمة والتمييز بين الرؤوس الحربية الحقيقية والخداع. * فجوات التغطية: رادار THAAD (AN/TPY-2) له مجال رؤية 120 درجة، مما قد يتطلب المزيد من البطاريات لتغطية كاملة. * الأداء القتالي الأخير: حادثة في مايو 2025 حيث أفيد بأن صاروخًا باليستيًا حوثيًا ضرب بالقرب من مطار بن غوريون الدولي، متجنبًا الاعتراض من قبل نظام THAAD الأمريكي ونظام آرو الإسرائيلي، مما يؤكد أن لا يوجد نظام دفاعي معصوم من الخطأ. للتعامل مع التهديدات المتطورة، تجري العديد من التطورات المستقبلية: * تتبع الصواريخ فرط صوتية: رادار AN/TPY-2 مُحدث قادر على تتبع الصواريخ فرط صوتية. * تحسينات قابلية التشغيل البيني: تعزيز تبادل البيانات مع أنظمة أخرى مثل Aegis Ashore ونظام القيادة والتحكم في المعارك المتكاملة (IBCS). * نسخة THAAD-ER (المدى الموسع): تهدف إلى زيادة ارتفاع التشغيل بشكل كبير. * إنتاج بطاريات جديدة: جاري إنتاج البطارية الثامنة، ومن المقرر تسليمها بحلول عام 2025. يمثل نظام THAAD مكونًا حيويًا ومثبتًا في بنية الدفاع الصاروخي الباليستي للولايات المتحدة وحلفائها. إن التزامه المستمر بالتقدم التكنولوجي والتكامل يؤكد السباق المستمر بين القدرات الهجومية والدفاعية في الحروب الحديثة.