فى ذروة الحرب المشتعلة، بين إيران وإسرائيل، تُسجَّل يوميًا مفارقة أخلاقية وسياسية صارخة، تتلقى إسرائيل ضربات عسكرية متصاعدة من الجانب الإيرانى، بينما تُمعن فى قتل الفلسطينيين فى غزة وتجويعهم، بلا هوادة. تعيش حالة فصام سياسى، تستجدى التعاطف الدولى ضد «العدوان الإيرانى»، بينما ترتكب مجازر ضد سكان غزة المقهورين. فى الوقت الذى ترفع فيه أصوات من الرأى العام داخل إسرائيل مناشدة طهران وقف الهجمات، يرفع جيشها رايات الموت فوق رؤوس أطفال غزة، ويقصف ما تبقى من مستشفياتها، فى مشهد يُعرى ازدواجية الخطاب الإسرائيلى والدولى معًا. إسرائيل، التى شجب ساستها ما سمّوه «القصف الإيرانى غير الإنسانى» للمراكز الطبية، لا تتردد فى تحويل مستشفيات غزة إلى ركام. هذه الازدواجية لا تقف عند حدود تل أبيب، بل تمتد إلى الموقف الدولى الأوسع، الذى بدا منشغلًا كل الانشغال بصراع إيران وإسرائيل، وكأن غزة قد غادرت خريطة الألم الإنسانى. وسائل الإعلام العالمية، ومراكز القرار الغربية، وحتى بعض الدول العربية، بدت كأنها صرفت أنظارها عن المأساة الفلسطينية الجارية، التى لم تتوقف يومًا، بل ازدادت شراسة ووحشية تحت غطاء الضجيج الإقليمى. دخلت المنطقة فصلًا جديدًا من إعادة تشكيل التحالفات، وتصفية الحسابات، لكن المثير للحزن أن الدم الفلسطينى يُستنزف فى الخلفية، بلا اهتمام حقيقى. وحتى الجامعة العربية، التى أصدرت بيانًا يناشد العالم إعادة الالتفات إلى غزة، لم تنجُ من وصفها بأنها تصدر بيانات بلا فاعلية. أصبح من الضرورى، بل من الواجب الأخلاقى والإنسانى، أن يعاد تسليط الضوء على ما يجرى فى غزة. فالفلسطينيون لا يجب أن يكونوا ضحايا جانبيين لصراع القوى الإقليمية. إن انشغال الإعلام العربى والعالمى بمشهد الحرب بين دولتين لا يعفيه من مسئوليته تجاه شعب يباد أمام أعين العالم. إن ما يجرى فى الشرق الأوسط اختبار لإنسانيتنا، لا سيما تجاه غزة، التى لم تعد فقط رمزًا للبطولة والمقاومة، بل أصبحت أيضًا مرآة تعكس ازدواجية المعايير، وغياب الضمير العالمى. هل يستعيد العرب بوصلتهم نحو قضيتهم المركزية، التى تتآكل تحت رماد التناسى والتجاهل؟