لطالما كانت القضية الفلسطينية، محورًا للصراع العربي الإسرائيلي، لكن التطورات الأخيرة تُعيد إلى الأذهان لحظات تاريخية مشابهة، مثل حرب الخليج الثانية عام 1991، حين خفتت مؤقتًا أصوات الانتفاضة الفلسطينية لصالح مشهد الصواريخ العراقية على إسرائيل. أقرأ أيضا| «من الظل إلى المواجهة المباشرة».. مراحل الحرب الاستخباراتية بين طهران وتل اليوم، يعيد التصعيد الإيراني رسم معادلة جديدة، تجعل من طهران طرفًا مباشرًا في أي تسوية قادمة، في حين قد تُربط غزة وأطراف أخرى مثل حزب الله والحوثيين في «حزمة أمنية شاملة» تُعاد صياغتها في كواليس السياسة الإقليمية. فمنذ بدء الهجوم الإيراني على إسرائيل منتصف يونيو الجاري، انقلبت موازين الاهتمام الإقليمي والدولي، وتحوّلت بوصلة التركيز من غزة التي كانت في قلب الصراع، إلى المواجهة الصاروخية غير المسبوقة بين إيران وإسرائيل، هذا التحوّل المفاجئ أثار تساؤلات واسعة حول ما إذا كانت حرب غزة قد أصبحت قضية ثانوية في المعادلة الإقليمية الجديدة. الصراع الإيراني الإسرائيلي يغير نظرة المنطقة لحرب غزة فقد شهدت المنطقة منذ 15 يونيو موجات متتالية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، أطلقتها إيران نحو مدن إسرائيلية، ما جعل العالم يترقب تطورًا إقليميًا أوسع، وفي المقابل؛ تراجعت التغطية الإعلامية اليومية لأوضاع غزة، رغم استمرار المعارك والحصار الإنساني الخانق ووسط تجويع ممنهج للسكان، خيم صوت الصواريخ الإيرانية والقصف الإسرائيلي طغى على أصوات سكان القطاع. الداخل الإسرائيلي في الداخل الإسرائيلي، تحول الخطاب السياسي والإعلامي من التركيز على العمليات في القطاع إلى مواجهة «التهديد الإيراني»، خاصة بعد استهداف مواقع استراتيجية كمستشفى سوروكا، ومراكز في تل أبيب والنقب، أما على الصعيد الدولي، فقد بدأت بيانات العواصم الكبرى تتركّز على دعوات لاحتواء التصعيد بين طهران وتل أبيب، دون التطرق إلى الوضع في غزة بنفس الزخم السابق، وذلك وفق رصد لسائل إعلام إسرائيلية وغربية، حتى جلسات مجلس الأمن أصبحت القضية الفلسطينية فيها شيء ثانوي على طاولة المناقشات القانونية الدولية والأممية، لتصبح الجلسات عن الشرق الأوسط ومن ضمنها القضية الفلسطينية. تغير أولويات المنطقة ويرى الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية، أن هذا التغير في الأولويات طبيعي، خاصة بعد اتساع دائرة الصراع في المنطقة، كما أكد أستاذ العلوم السياسية في تصريحات خاصة لبوابة «أخبار اليوم» أن تلك الحرب القائمة الآن، قد تعكس مرحلة جديدة في طبيعة الصراع بالمنطقة، فبدلًا من الحرب بالوكالة، باتت المواجهة الآن مفتوحة بين قوتين إقليميتين، لكن لا يُهدد ذلك بتهميش القضية الفلسطينية، بل يجعلها تعيد نفسها لتدرج ضمن تسويات إقليمية أوسع تشمل الملف الإيراني، لتظل القضية الفلسطينة على رأس القضايا الإقليمية، ولا تنفصل عن ما يحدث في الشرق الأوسط. من جانب آخر، تجد الفصائل الفلسطينية نفسها أمام معادلة جديدة: إما الاستفادة من انشغال إسرائيل في الجبهة الشمالية، أو القلق من أن يؤدي هذا الانشغال إلى خفض مستوى الدعم السياسي والاهتمام الدولي بقضية غزة، وبينما لم تتوقف العمليات العسكرية في القطاع، تشير التطورات إلى أن الأولوية الإقليمية الآن باتت تتجه نحو مواجهة أكبر، تتداخل فيها الحسابات النووية، والصاروخية، والأمنية، في ظل تصعيد مباشر بين دولتين لطالما خاضتا حروبًا غير مباشرة في الظل. وفي غزة، لا تزال العمليات العسكرية مستمرة، والحصار الخانق قائم، إلا أن قادة الفصائل يراقبون المشهد الجديد بقلق. ففي بيان أصدرته حركة حماس، أكدت خلاله أن المعركة ضد الاحتلال مستمرة، ولن تقبل بتهميش القضية الفلسطينية تحت أي ظرف.