لم يكن مجرد أمير من أبناء الأسرة العلوية، بل كان رمزًا للعطاء الوطني، والوعي الثقافي، والريادة في دعم الفنون والتعليم. إنه صاحب السمو الملكي الأمير يوسف كمال، الأمير الذي أحب مصر وأخلص لها بكل ما يملك. ورغم ما طاله من تشويه سينمائي فج في فيلم رد قلبي، حيث صُوّر كأمير متسلط رافض لزواج ابنته من الشاب الفقير، إلا أن الحقيقة التاريخية أسمى من ذلك بكثير. فقد كان يوسف كمال مثالًا نادرًا للأمير المثقف المتنوّر، الذي لم يكتفِ بحب الوطن في قلبه، بل جسّده في أفعال عظيمة لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. ◄ الأمير الذي خدم مصر بالفكر والثقافة من يقرأ في سيرة الأمير يوسف كمال، يدرك أنه لم يكن فقط أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مصر، بل كان مشروعًا وطنيًا متكاملًا للعلم والمعرفة والفن. لقد قدّم للوطن ما لم يقدمه كثيرون ممن تولوا مناصب رسمية. اشتهر الأمير بين الجغرافيين والمؤرخين بموسوعته الفريدة المعنونة "المجموعة الكمالية في جغرافية مصر والقارة الإفريقية"، والتي تعكس اهتمامه العميق بالعلم الجغرافي والتوثيق الأكاديمي، ما جعله مرجعًا علميًا في عصره. ◄ مؤسس كلية الفنون الجميلة وحاضن المواهب في عام 1908، قام يوسف كمال بخطوة تاريخية حيث تبرع بقصره لتأسيس كلية الفنون الجميلة، التي خرجت أجيالًا من المبدعين أبرزهم النحات محمود مختار، كما دعم الموهوبين ماليًا وسهّل ابتعاثهم للخارج. ساهم في تأسيس دار الآثار العربية «المعروفة اليوم بمتحف الفن الإسلامي»، ولم يكتف بالمشاركة المعنوية، بل تبرع ب180 قطعة أثرية نادرة، تُقدّر قيمتها بملايين الجنيهات اليوم. ◄ الداعم الأكبر للجامعة المصرية بعد الأميرة فاطمة إن كانت الأميرة فاطمة إسماعيل هي من وضعت نواة الجامعة المصرية، فإن يوسف كمال كان الداعم الأكبر بعدَها، إذ تبرع بأراضٍ وأموال، وزوّد مكتبة الجامعة ب35 ألف مجلد، ما ساهم في تأسيس مرجع أكاديمي ضخم. ساهم يوسف كمال في تأسيس جمعية الرابطة الشرقية، التي جمعت علماء ومفكرين من الهند وإيران والشرق الإسلامي، بهدف التفكير في سبل نهضة الشعوب الشرقية ضد الاستعمار والجهل. ◄ راعي الموهبة.. دعم محمد عبد الوهاب لم تقتصر مساعداته على المؤسسات، بل شملت الأفراد الموهوبين أيضًا. من أبرز من دعمهم كان الموسيقار محمد عبد الوهاب، حيث قدّم له راتبًا شهريًا في بداياته، ليتفرغ للفن ويُبدع. من أوجه رعايته للطاقات الوطنية، دعمه للبطل الرياضي حسين عبد الحافظ يوسف، أول ربّاع مصري عالمي، الذي توفي عام 1988، وحقّق إنجازات كبيرة لمصر. ◄ سياسي وطني داعم لحزب الوفد رغم أنه أمير، لم يتوانَ يوسف كمال عن دعم الحركة الوطنية، وكان من أوائل الداعمين للزعيم سعد زغلول، ولعب دورًا مهمًا في مساندة حزب الوفد خلال نضاله ضد الاحتلال البريطاني. اقرأ أيضا| أصل الحكاية| قصر الأمير يوسف كمال.. تحفة معمارية في جنوب الصعيد في عام 1932، قام الأمير يوسف كمال بخطوة غير مسبوقة عندما تنازل طواعية عن لقب "البرنس"، ليؤكد ارتباطه بجذور الشعب المصري، ويبتعد عن مظاهر الترف الفارغ، في موقف وطني نادر في تاريخ الأسرة العلوية. لم يكن الأمير يوسف كمال رجل سلطة أو ثروة فحسب، بل كان أيقونة وطنية حقيقية، أحب مصر من القلب، وخدمها بالعقل والمال والعمل. وما زال إرثه شاهدًا على عظمة رجل لم يبحث عن الأضواء، بل ترك أثرًا خالدًا في صفحات التاريخ. وعلينا، نحن أبناء هذا الوطن، أن نُعيد له الاعتبار ونتحدث عن فضله، ونُخرج سيرته من ظلال "التشويه السينمائي" إلى نور الحقيقة. ◄ قُصور الأمير يوسف كمال: إرث معماري وثقافي في قلب مصر الأمير يوسف كمال لم يكن فقط رمزًا ثقافيًا وعلميًا في مصر، بل كان أيضًا صاحب بصمة معمارية واضحة. قُصوره التي كان يملكها في مختلف أنحاء مصر، خصوصًا في القاهرةوالإسكندرية، تعكس ذوقه الرفيع ورؤيته الحديثة في تصميم المباني، والتي تجمع بين الطرازين الأوروبي والمصري. هذه القصور ليست مجرد مبانٍ تاريخية، بل هي إرث ثقافي يجسد شخصية الأمير المتنوعة والمبدعة. في هذا التقرير، سنتعرف على أبرز قُصور الأمير يوسف كمال وأين أصبحت اليوم. كان قصر يوسف كمال في حي الزمالك واحدًا من أبرز قُصور الأمير. تم بناء القصر في أوائل القرن العشرين وكان يضم العديد من الأعمال الفنية والتحف النادرة. موقعه: يقع القصر في شارع البرازيل بمنطقة الزمالك، والتي كانت تعرف بأنها من أرقى الأحياء السكنية في القاهرة. استخدامه الحالي: يُعد القصر اليوم جزءًا من المتحف المصري الحديث بعد تحويله إلى مكان لعرض الفن المصري الحديث والمعاصر. أثره الثقافي: كان القصر يشتهر بحدائقه الواسعة وجمال تصميمه المعماري الفريد الذي يمزج بين الطراز الأوروبي والمصري، مما يعكس ذوق الأمير في فنون العمارة. ◄ قصر يوسف كمال في الإسكندرية: قصة غياب كان الأمير يوسف كمال يمتلك قصرًا في الإسكندرية، على الطراز الفرنسي الحديث، وهو من أشهر قُصور الإسكندرية في تلك الحقبة. موقعه: يقع في منطقة كامب شيزار التي كانت تعرف بأنها منطقة ساحلية مميزة. أين هو الآن؟ للأسف، القصر دُمّر في وقت لاحق نتيجة التوسع العمراني في المدينة، ولم يتبقَّ من آثاره سوى بعض الصور الفوتوغرافية التي توثق له. ◄ قصر يوسف كمال في الفجالة: إرث ديني وثقافي كان الأمير يوسف كمال يملك أيضًا قصرًا في منطقة الفجالة بالقاهرة، والذي كان مقرًا لاستقبال الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية في مصر والعالم العربي. موقعه: يقع في قلب منطقة الفجالة القريبة من ميدان التحرير، ويُعتبر من القصور الفاخرة التي كانت تُستعمل لأغراض متعددة. ما تبقى من القصر: اليوم، تم تحويل هذا المكان إلى مركز ثقافي صغير، يضم فعاليات ثقافية وفنية تحيي إرث الأمير. ◄ قصر يوسف كمال في المقطم: لمسات متأخرة من الرفاهية موقعه: قصر آخر للأمير كان يقع في منطقة المقطم الهادئة. استخدامه: كان الأمير يستخدم هذا القصر كمكان للراحة والتأمل، وكان يحتوي على حدائق غناء وأماكن للاحتفاظ بالكتب النادرة والتحف الفنية. الآن: لم يُحفظ هذا القصر كما يجب، إذ تم تحويل جزء كبير من الأرض المحيطة به إلى عقارات سكنية. إرث الأمير يوسف كمال المعماري لا يزال حاضرًا في مصر، حتى وإن اختلفت الظروف المحيطة بتلك القصور. من قصر الزمالك إلى مناطق أخرى مثل الفجالة والمقطم، تبقى القصور شاهدة على ذوقه الرفيع وعلاقته العميقة بالثقافة والفن. ورغم أن بعض القصور قد اختفت أو تم تحويلها، إلا أن هذه المباني تظل علامة فارقة في تاريخ العمارة المصرية.