في ظل التغيرات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية، وحرصًا من الدولة المصرية على تنظيم فعالية افتتاح تليق بمكانة مصر الحضارية والثقافية، تقرر تأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، والذي كان مقررًا في الثالث من يوليو المقبل، إلى موعد جديد يُحدد خلال الربع الأخير من العام الجاري. وقد جاء هذا القرار انطلاقًا من المسؤولية الوطنية والرغبة في تقديم حدث عالمي بمستوى يوازي قيمة هذا الصرح الأثري العملاق، مع استمرار فتح أبواب المتحف للزوار ضمن مرحلة الافتتاح التجريبي. أولًا: المتحف المصري الكبير... صرح من ذهب منذ انطلاق فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في أوائل القرن الحادي والعشرين، والحلم الوطني يتبلور ليجسد أعظم مشروع ثقافي وأثري في تاريخ مصر الحديث. فقد جاء هذا المتحف كامتداد للحضارة المصرية القديمة، ورسالة حية تؤكد على استمرارية الريادة المصرية في مجال الآثار والسياحة الثقافية. يقع المتحف في موقع استراتيجي فريد بالقرب من أهرامات الجيزة، على مساحة تزيد عن 500 ألف متر مربع، ليضم آلاف القطع الأثرية النادرة، وفي مقدمتها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة كاملة في مكان واحد. ثانيًا: أسباب تأجيل الافتتاح الرسمي 1- التطورات الإقليمية تشهد المنطقة حاليًا ظروفًا متغيرة وغير مستقرة، وهو ما استدعى تقييم الأوضاع الأمنية والدبلوماسية المحيطة، خاصة وأن الافتتاح كان من المزمع أن يشهد حضورًا دوليًا واسع النطاق، يشمل رؤساء دول ووفود رسمية رفيعة المستوى. 2- التحضيرات اللوجستية والتنظيمية ترتبط فعالية الافتتاح الرسمي بمواصفات عالمية من حيث التنظيم، والبنية التحتية التقنية والبصرية، وتنسيق برامج الاستقبال والعروض الفنية والثقافية، وكان من الضروري التريث لتوفير أقصى درجات الاستعداد لضمان خروج الحفل في صورة مشرفة. 3- التوقيت المثالي للحدث وتسعى الدولة إلى اختيار توقيت عالمي ملائم يُحقق أعلى نسب التغطية الإعلامية والمشاركة السياحية. ووفقًا للمعطيات الحالية، فإن الربع الأخير من العام يعد الأنسب لضمان مشاركة أوسع واهتمام إعلامي مكثف، خصوصًا من الأسواق الأوروبية والآسيوية التي ترتفع فيها حركة السفر خلال تلك الفترة. ثالثًا: استمرار الافتتاح التجريبي للمتحف وعلى الرغم من تأجيل الافتتاح الرسمي، يواصل المتحف المصري الكبير استقبال زواره من جميع أنحاء العالم ضمن مرحلة "الافتتاح التجريبي"، التي أُطلقت منذ عدة أشهر، وتهدف إلى اختبار كفاءة التشغيل واستيعاب الآراء والملاحظات لتطوير التجربة الكاملة للزائر. وتشمل هذه المرحلة جولات داخل قاعات العرض الدائم، وساحة الملك رمسيس الثاني، والمتحف التفاعلي، ومراكز الخدمات والمحال التجارية والمطاعم، بالإضافة إلى أنظمة الحجز الرقمية ومرافق الاستراحة المتطورة. رابعًا: رسالة المتحف المصري الكبير إلى العالم المتحف لا يُعد فقط معرضًا للآثار، بل هو رؤية ثقافية معاصرة تهدف إلى: - إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والحضارة: من خلال العروض التفاعلية والتكنولوجية المتقدمة. - تعزيز التعليم والبحث العلمي: بتوفيره مراكز بحثية ومناطق مخصصة لورش العمل والتعليم المتحفي. - تمكين الزائر من رحلة معرفية متكاملة: تبدأ من بوابة المتحف وتنتهي بربطه بتاريخ مصر القديم والحديث. خامسًا: المتحف ودوره في دعم الاقتصاد والسياحة يشكل المتحف المصري الكبير عنصرًا حيويًا في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال: - تحفيز الحركة السياحية: حيث يُتوقع أن يستقطب المتحف أكثر من 5 ملايين زائر سنويًا بعد الافتتاح الرسمي. - تنشيط الصناعات المرتبطة بالسياحة: مثل الفندقة، النقل، الإرشاد السياحي، والصناعات التراثية. - توفير فرص عمل: سواء مباشرة أو غير مباشرة، من خلال المشاريع المرتبطة بالمتحف أو بخدماته اللوجستية. سادسًا: ردود الفعل المحلية والدولية على قرار التأجيل جاءت ردود الفعل على قرار تأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير متفهمة ومؤيدة من غالبية الجهات: محليًا: رأى المتابعون أن التأجيل يعكس حكمة الدولة وحرصها على الكمال التنظيمي، لا سيما أن المتحف مفتوح بالفعل ضمن مرحلته التجريبية. دوليًا: أبدت المنظمات الثقافية والسفارات الأجنبية في مصر تفهمًا واضحًا للقرار، مؤكدين استعدادهم لمواصلة التنسيق لحين الإعلان عن الموعد الجديد. منظمة اليونسكو: أصدرت بيانًا أعربت فيه عن دعمها الكامل للمشروع وأكدت ثقتها في أن الافتتاح سيكون حدثًا ثقافيًا فريدًا. سابعًا: تحضيرات ما قبل الافتتاح المرتقب ومع تحديد الربع الأخير من العام كموعد محتمل للافتتاح الرسمي، تستمر الاستعدادات على عدة مستويات، منها: استكمال تجهيزات العرض المتحفي النهائي. تنسيق عروض فنية وثقافية تعبر عن هوية مصر. التحضير لاستقبال وفود رفيعة المستوى من جميع القارات. تعزيز البنية التحتية التكنولوجية داخل المتحف. ثامنًا: المتحف في عيون الزوار خلال المرحلة التجريبية أظهرت الإحصائيات الأولية لعدد الزوار خلال الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير إشادة كبيرة من السائحين المصريين والأجانب، وقد جاءت أبرز التعليقات كالتالي: "أشعر أنني عدت آلاف السنين إلى الوراء وأنا وسط كنوز توت عنخ آمون." "تنظيم المتحف مدهش، والأجواء ساحرة." "أحد أفضل المتاحف في العالم بلا مبالغة." تاسعًا: الرؤية المستقبلية للمتحف بعد الافتتاح تهدف إدارة المتحف إلى تحويله إلى مركز ثقافي عالمي من خلال: إقامة مؤتمرات دولية سنوية حول علم المصريات. الشراكة مع متاحف عالمية كبرى في برامج تبادل الخبرات والمعارض. إطلاق تطبيقات ذكية للمحتوى التفاعلي بعدة لغات. التوسع في برامج الزيارات التعليمية لطلبة المدارس والجامعات. عاشرًا: انتظار يليق بعظمة مصر قرار تأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير لم يكن تراجعًا، بل خطوة مدروسة تعكس عمق المسؤولية وحرص الدولة على تقديم صورة تليق بالحضارة المصرية أمام العالم. فحين يُفتح المتحف أبوابه رسميًا خلال الربع الأخير من هذا العام، سيكون ذلك في أجواء استثنائية، وبمشاركة دولية كبرى، ليشهد العالم أن مصر ما زالت وستظل منارة للحضارة الإنسانية، ورسالة سلام وثقافة إلى كل شعوب الأرض. اقرأ أيضًا | وزير النقل: بدء تشغيل المرحلة الثانية من الأتوبيس الترددي أكتوبر المقبل